|
|
الفكر السياسي . الإسلام السياسي |
|
|
|
يزداد الحديث اليوم في شكل مطرد عن Engaging Moderate Islamists أي تشجيع الإسلاميين على المشاركة في العملية السياسية في العالم العربي، وتتخذ الكثير من المشاريع والتقارير هذا المفهوم عنواناً لها وشعاراً.
وتتخذ المقارنة بين الحركات الإسلامية في العالم العربي والأحزاب المسيحية في أوروبا مدخلاً رئيساً للقبول بهذه الفرضية، إذ أثبتت التجربة أنه بمقدار ما تشجع الحركات السياسية على المشاركة فذلك إذ يكون بهدف توطينها، وهو بالتأكيد أفضل من نبذها بما يؤدي إلى تطرفها وعدائها للأنظمة القائمة وحتى المجتمعات.
إن الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي والحركات الإسلامية وغير ذلك من المصطلحات المتداولة، مما يتطلب بحد ذاته بحثاً، بغية تأطير هذه المصطلحات وضبطها وتحديد المعنى الدقيق الدال عليها لينفي الضبابية والإطلاقية عن هذه المصطلحات وإخراجها من المجال الأيديولوجي المتداول به إلى مجالٍ وفضاء معرفي تتحرك ضمنه، فرفض مبدأ الوسم السياسي الذي يؤدي إلى النفي يكون الخطوة الأولى في عملية التشجيع على المشاركة.
إن دور الحركات الإسلامية وموقعها في المشهد السياسي العربي يرتبط بمدى الاعتراف بشرعيتها، واحترام خطابها الأيديولوجي، على اعتبار أنها شكل من أشكال العلاقة مع الاجتماع المدني العربي، تحتفظ بإشكاليتها الخاصة في علاقتها مع السلطة السياسية.
كما أن هذه الحركات تحتفظ بمفهوم خاص لمفاهيم الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وغير ذلك مما يشكل الأسس التي يجب على كل الأحزاب وحركات الاجتماع السياسي أن تُقر بها وتؤمن بالعمل بها. فتحليل علاقة هذه الحركات الإسلامية مع هذه المفاهيم يعد خطوة باتجاه الإقرار بضرورة تبيئة هذه الحركات وإدماجها ضمن الحقل السياسي العربي كخطوة لا بد منها من أجل الوصول إلى دمقرطة الحياة السياسية العربية وتقعيدها على أسس الحداثة السياسية القائمة على الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
إن العلمانيين العرب الذين يرفضون فكرة الإدماج أو التشجيع ينطلقون من اعتبار أن العلمانية هي الفضاء الوحيد للديموقراطية السياسية، ويؤمنون بالعلمانية فكرة خلاصية، لذلك لم يستطيعوا أن يطوروا نموذجاً للعلمانية قابلاً للتطبيق في البلاد العربية. فللعلمانية أشكال مختلفة، فعلمانية بتطبيقها الحرفي ضمن ما يطلق عليها العلمانية اليعقوبية بعد 1905، تختلف عن كل نماذج العلمانية الموجودة في أميركا وأوروبا مثلاً.
فالعلمانية عبارة عن تنويعات تعبّر عن فهم للعلمانية السياسية مختلف تماماً عن العلمانية الدينية أو العلمانية الاجتماعية، والدليل على ذلك حل الأزمة في إرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت، والذي كان سياسياً ولم يكن دينياً أو طائفياً. وبالتالي، يجب العمل على تطوير مفهوم وأشكال وتنويعات للعلمانية، ويعود في شكل رئيس إلى اختلاف الخبرة السياسية الاجتماعية للمجتمعات. كما أنه لا يمكننا القول أن الولايات المتحدة بلد علماني في المطلق، لأنها المتحدة بلد نشأ من تجمّع مهاجرين، مهاجر يبحث عن السعادة الدينية، وآخر عن السعادة الاقتصادية، وبالتالي كلهم راح يبحث عن السعادة بمفهومه الخاص، لذا لم يكن للعلمانية في الولايات المتحدة أن تتطور بصفتها عدوة للدين، كما تطورت كنزاع بين الدولة والدين متمثلة في الكنيسة بخاصة في فرنسا.
فوفق الاختلافات التاريخية، علينا أن نفكر في مفهوم العلمانية في الدول العربية في شكل مختلف تماماً، فهي ربما تعني فصل الدين عن الدولة، لكن ليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى فصل الدين عن السياسة. لأن الدين كما نعرف يشكّل رأس مال ثقافياً ورمزياً لكل النخب السياسية والثقافية. فكيف نستطيع أن نعزل موروث وإرث كبير من النقاش في المجال السياسي العام، فمن الممكن الحديث عن فصل الدين عن الدولة كمحدد رئيس للأحزاب السياسية، لكن لا نستطيع الحديث عن فصل الدين عن السياسة لا سيما في منطقة يشكل الدين بتنوعاته المختلفة الإسلامية واليهودية والمسيحية منبعها.
إننا نشهد في العالم العربي حالاً معاكسة تكمن في أن الدين أصبح جزءاً من إستراتيجية الحزب الحاكم لضمان بقائه في السلطة، فنلحظ وجود خطاب سياسي رسمي مواز يحاول استثمار الدين بصورة صريحة وواضحة كما في أكثر من بلد عربي كمصر والجزائر والعراق خلال فترة وجود صدام حسين في الحكم، كما أن المواقف والتصريحات السياسية للرئيس والمسؤولين أصبحت تأخذ موقفاً أيديولوجياً صريحاً من استثمار المشاعر الدينية وهذا ما برز واضحاً في أكثر من بلد عربي خلال أزمة الرسوم الدنماركية على سبيل المثال.
ويمكن القول أن هذا الخطاب بصورة ما يعد انجرافاً وراء عودة المظاهر الدينية بقوة إلى المجتمع لدى الأجيال المتقدمة في السن أو الأجيال الشابة التي لم تجد أمامها حياة سياسية مفتوحة لممارسة النشاط السياسي وغزارة الخطوط الحمر التي تمنع النشاط الاجتماعي، وبالتالي وجدت نفسها عرضة للتأثر في شكل كبير بالخطاب الديني بدرجاته المختلفة. مع أن الدولة ذاتها التي تتهم الحركات الإسلامية باستثمار الدين إنما توظف الدين لمصلحتها وهي تدرك جيداً قوة تأثير الرأسمال الديني في المجال العام، فتسعى إلى احتكاره ومنع الحركات الاجتماعية أو الدينية من توظيفه لمصلحتها، ما يؤكد لنا عدم قدرة فصل الدين عن السياسة لكن لا مفر من تحديد العلاقة بين الدين والدولة.
تاريخ النشر : 23-02-2008
|
|
|
|
|
|
|
الصفحة الرئيسية
l
دراسات قرأنية l
دراسات حديثة l
الفقه و الأصول l
العقيدة و الكلام l
فلسفة التجديد
قضايا التجـديـد l
إتجاهات الإصلاح
l
التعليم و المناهج l
التراث السياسي l
الدين و الدولة l
الحقوق و الحريات
مفاهيم و مصطلحات l
الإسلام السياسي l
الظاهرة الدينية l
فلسفة الدين l
فلسفة الأخلاق l
قضايا فلسفية
المـــرأة و النسوية l
الإسلام و الغرب l
عروض و مراجعات l
إصدارات l
حوارات و شخصيات l
مـؤتـمـرات و متابعات
جديد الملتقى l
سجل الزوار l
رأيك يهمنا l
اتصل بنا
©2024
Almultaka جميع الحقوق محفوظة
Designed by
ZoomSite.com
|
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.