آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

حوارات وشخصيات  .  

  •     

قضايا الفلسفة والنهضة والسياسة في حوار مع أبي يعرب المرزوقي

رضوان جودت زيادة


حوار: رضوان زيادة

تمهيد عام
1ـ تمحورت الكثير من كتاباتك حول النهضة وآليات النهوض بيد أنك غالباً ما تستخدم مفهوماً سلفياً للنهضة إذا صح التعبير وذلك عبر إرجاعها وبشكلٍ مستمر إلى ابن خلدون وابن تيمية، ألا ترى في ذلك نوعاً من التعسف القسري في قراءة النهضة المعاصرة وفق منظور ماضوي ؟

ساحاول الجواب بكل ما أمكن من الصراحة. أيا كانت أحكام محركي مسرح العرائس بين نخب الذوق والرزق والنظر والعمل والفكر الجامع دينيا كان أو فلسفيا. وقد سمحت لنفسي بالتصرف في ترتيب الأسئلة حتى تتوالى الأجوبة تواليا يحقق ما يشبه النسقية ليجعل ما يرد فيها علاجا متكاملا يمكن البناء عليه لتشخيص علل العجز العربي الحالي علله التي تعود في الحقيقة إلى فقدان الفكر وظيفته الرئيسية (طلب الحقيقة والعمل بها ) بمعياري التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فقد فرضت الظروف الذاتية والأجنبية على ممارسيه-من كان منهم عن هواية أو من كان عن اختصاص- ما يشبه الاسترزاق بالكذب والنفاق. فآل الأمر بالأمة إلى تأجيج الحرب الأهلية العربية والشقاق بدل الصدق والإخلاص اللذين يوطدان السلم المدنية والوفاق.
الجواب:
هذا سؤال أجبت عنه عديد المرات. فلعل التذكير ينفع. ولنبدأ بالتعليق على الصفتين اللتين أطلقتهما على طبيعة العلاج الذي تنسبه إلي: قراءة تعسفية ومنظور ماضوي. فهل الانطلاق من ابن تيمية وابن خلدون بوصفهما آخر قمم الإبداع العربي الإسلامي في تاريخ فكرنا قراءة تعسفية للنهضة العربية والإسلامية؟ سيكون جوابي مستندا إلى دليلين أحدهما يرد على الصفة الأولى وسنده الخبر التاريخي حول مفكري النهضة الأوائل. والثاني يرد على الصفة الثانية وسنده منطق الفعل في كل استئناف حضاري. فلتأخذ أي ممثل لفكر النهضة خلال القرن التاسع عشر قبل النكوص الموالي للفصام الذي أنتجته غفلة مدارس هذا الفكر المعتمدة على مراجع الفكر الذاتية برد فعل تراجعي على جفلة مدارس الفكر المتأثره بسطحيات مراجع الفكر التي بقيت أجنبية لعدم تكون فكر ذاتي من جنسها في غياب الابداع وسيطرة الاتباع سواء كان هذا الرمز من المشرق أو من المغرب. 
فهل تجد من زعماء المدارس الأولى إيجابا ومن زعماء المدارس الثانية سلبا من لم يجعل الإصلاح الروحي المطلوب حركة تنوير ديني ضد الخرافات الشعبية والحركات الصوفية التي أدت بالشعوب الإسلامية إلى الاستسلام لأحداث التاريخ وكأنهم لا دور لهم فيه؟ فمن كان سندهم العقدي ياترى سواء تعلق الأمر بتجديد طبيعة الإصلاح المطلوب أو بمنهج تطبيقة خاصة إذا ميزنا بين السند الذاتي والسند الأجنبي ؟ أليس هو بصريح كلامهم ابن تيمية غاية وبداية؟ فالغاية هي تحرير الشعوب الإسلامية بحركة التنوير الديني من الخرافات واللامبالاة التاريخية. والبداية هي الإصلاح الفكري والعقدي الذي يتحرر من النحل الكلامية المتصارعة والمذاهب الفقهية المتنافية إما بالعودة إلى الأصول أو بانتخاب تأليفي بينها يناسب العصر؟ 
وهل تجد من المدارس الأولى سلبا ومن المدارس الثانية إيجابا من لم يجعل الإصلاح السياسي المطلوب حركة تنوير عقلي ضد الاستبداد والعصبيات القبلية التي ادت بالشعوب الإسلامية عامة والعربية خاصة إلى الإفلاس المادي ( فساد العمران من حيث هو جهاز اقتصادي ينتج التراث المادي أو الثروة والتقنيات ويحفظها ويتبادلها ويستهلكها ويرعاها ) وإلى الإفلاس الروحي ( فساد العمران من حيث هو جهاز تربوي ينتج التراث المعنوي أو العلوم والفنون ويحفظها ويتبادلها ويستهلكها ويرعاها ). فمن كان سندهم الفلسفي ياترى سواء تعلق الامر بتحديد طبيعة الإصلاح المطلوب أو بمنهج تطبيقة خاصة إذا قمنا بنفس التمييز؟ أليس هو بصريح كتاباتهم ابن خلدون غاية وبداية ؟ فالغاية هي تحرير الشعوب الإسلامية من الاستبداد والعصبيات إما بالسند الديني بعد تحريره مما ران عليه في عصور الانحطاط أو بالسند الفلسفي بعد إصلاح نظرية العمل التي بنى عليها مقدمته؟ 
لم يكن هدفي في قراءتي لتاريخ فكرنا أن أختار مراجع فكر النهضة بتحكم لئلا أتهم بالماضوية. فالأمانة العلمية تقتضي أن أسلم لهم بما ذكروه عن مصادر فكرهم ومراجعهم. ولكن فلنفرض أنهم لم يصرحوا بهذه المصادر والمراجع أفكان يمكن أن يستمدوا فكرهم من العدم؟ هل كانوا على دراية بالفكر الغربي دراية تكفي لجعله سندهم النظري في حركة إصلاح من حجم ما دعا إليه هؤلاء المفكرون الكبار بمقياس ما كانت توفره لهم مؤسسات المعرفة الإسلامية وبعض الاطلاع السطحي على الفكر الغربي الإطلاع الذي لا يكاد يفوق الثقافة العامية التي تجدها في الملاحق الثقافية من الجرائد اليومية؟ وذلك هو السند النظري لموقفنا الذي ليس هو منظورا ماضويا بل منظور علته الفلسفية مضاعفة: 
1- فكل حضارة تستأنف فعلها المبدع من آخر لحظات الابداع فيها تسليما بأنها قادرة على فهمه حتى وإن كانت دونه قدرة على ادراك سر الإبداع منه وبأنها لا تستطيع فهم ما عداه من ابداعات الأمم الأخرى قبل طويل عشرة معها لعلها لسوء الحظ إلى الآن لم تكتمل وخاصة عند أصحاب المشروعات التي لا يكاد فكر أصحابها يتجاوز حزبي البيانات. فسواء أخذنا مفكري المغرب عامة وتونس خاصة أو مفكري المشرق عامة ومصر خاصة ( لوجود الزيتونة والأزهر أقدم معاهد العلم الجامعي التقليدي عصرئذ وأفضلها ) كان ابن تيمية وابن خلدون المرجعين الأساسيين في الإصلاح الداعي إلى العودة إلى الصدر بحركة تنوير عقدية وفلسفية نظرية عند الأول وبحركة تنوير شرعية وفلسفية عملية عند الثاني حركة همها في الغاية إصلاح حال الامة بحجج عقلية وبشهادات نقلية في كلتا الحالتين. 
2- وما يمكن أن يحصل- إلى حد - في استعمال العلوم الطبيعية لعلاج الظاهرات الطبيعية والتعامل معها بصورة قد لا يكون فيها المجتمع المستعمل في السن الحضارية المناسبة لسن العلم -كأن يستعمل مجتمع متخلف حضاريا العلم الحديث- مستحيل الوقوع في العلوم الإنسانية. فلا يمكن لمجتمع متخلف أن يستعمل علم اجتماع متقدم لكون موضوع المعرفة هنا هو الحصيلة التاريخية لفعل الإنسان مثله مثل شكلها. 
ولا يمكن التخلص من هذا الامتناع إلا بحيلتين هما سبب فساد كل شروط النهوض العربي وغلبة الإيديولوجيا على فكرنا الإصلاحي الحديث إذا قورن بفكر هذين الفيلسوفين: 
الحيلة الأولى هي محاولة تغيير الواقع التاريخي بدل تغيير الفرضيات المزعومة علما نهائيا له. فيتحول الفكر الاجتماعي إلى حركة إصلاح بالتهديم الساعي إلى تخليص المجتمع من كل ما يعتبره هذا العلم المزعوم شاذا في ميزان تصوراته. وذلك هو جوهر الفكر الإيديولوجي حيث ينتقل العلم بحسب زعم ماركس من تأويل العالم إلى تحويله. وكان يمكن أن نقبل هذا الحكم لو كنا واثقين من أن العلم الموهوم فكر مفهوم كما هو عند صاحبه. يكفي أن تتصور شخصا أراد أن يغير حركة الأفلاك لكي يثبت صحة فرضياته الفلكية مثلما يحاول المتمركس تغيير المجتمع لكي يثبت أن الإيديولوجيا الماركسية علم وليست إيديولوجيا.
والحيلة الثانية هي التأويل اللامتناهي لأفكار النظرية الماركسية التي لم تتجاوز شكل المعرفة البدائية التي يغلب عليها الإنشاء بدل الخبر, حتى نجد وجها لانطباقها المناسب. وبين أن الحيلتين تنتهيان في الحالة الأولى إلى اعتماد العنف التحويلي لإثبات التحكم الإيديولوجي وفي الحالة الثانية إلى العنف التأويلي لنفس الغرض. ولأن المفكرين الغربيين ليسوا متبعين بل مبدعون لم ينتظروا تغير النظرية في مكان آخر ليستوردوها بل تجاوزا الفكر الماركسي واستعدوا لتصدير اصلاحهم إلى الأتباع: فتوالى استيراد النظرية المعدلة كما يتوالى استيراد كل البضائع المصنعة في الخارج وبات تلهف المفكرين على استيراد ميت الأفكار نظير استيراد فضلات الموضة عند التجار.
لكن سؤالك قد يكون وجيها لو صح ما تنسبه إلي من القول بأن النهضة العربية عليها أن تقتصر في المستقبل على هذين المرجعين باستثناء كل فكر آخر. ما أزعمه هو أن الفكر النهضوي العربي الذي تلا فكر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين يتميز عند المعتمدين على المراجع الذاتية لحضارتنا بالنكوص إلى ما دون فكر هذين العلمين ويتميز عند المعتمدين على المراجع الاجنبية بالاسفاف والجهل. بدليل النتائج المخزية التي آل إليها هذا الفكر.
2ـ في ضوء القراءة السوسيولوجية لابن خلدون ، لماذا جرى انقطاع تاريخي بين ابن خلدون وما بعده في الحضارة العربية الإسلامية، بينما حصل استئناف أو استكمال لمقولات ابن رشد وابن خلدون في الحضارة الغربية ، بمعنى آخر ما هي الأسباب التاريخية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى القطع والوصل في حضارتين مختلفتين وفي زمن متوافق ؟
الجواب:
اسمح لي قبل ألجواب أن أعلق على مسلمتي السؤال. فلنعد القضية أولا إلى بساطتها. فالأمر كله لا صلة له بفكر ابن خلدون لأنه ليس من جنس فكر ابن رشد المعرفي. إنه إذن مقصور على ابن رشد. فبالقياس إليه دون سواه وضع هذا المشكل الزائف في تاريخ الفكر العلمي عند الرشديين العرب الذين غرتهم سخافات رنان العنصرية التي تستثني ابن رشد مما يزعمه بلادة سامية حصرا في فروعها العربية. ولا يمكن التسليم ثانيا بقطع الحضارة العربية مع آثار ابن رشد الفكرية ولا بالاتصال معها في نهضة الحضارة الغربية. فكلا الزعمين فيه كثير نظر. وكان الاتصال مع النهضة الغربية يكون صحيحا لو صح أن الغرب اعتمد فيها حقا على الفكر الرشدي وليس على من قطع معه منهم وعلى من تجاوزه منا تجاوزا كيفيا حتى وإن تقدم عليه بالزمان قصدت ابن سنيا والغزالي أساسا فضلا عمن تلاهما كابن تيمة وابن خلدون. كما أن القطيعة كانت تصح لو صح أن الشرق انحط لتخليه عن فكر ابن رشد. 
كل المغالطات نتجت عن هاتين المسلمتين. لو زعم شخص أن نقد الفلسفة اليونانية في شكلها المنحط الذي لم يتخلص منه العرب إلا في القرن الخامس بفضل نقد الغزالي لما بعد الطبيعة في التهافت ولما بعد التاريخ في الفضائح قد ساعد الغرب في اكتشاف موطئ قدم لانطلاقة مبدعة لكان كلامه مسموعا. أما أن يزعم ذوو الفكر السطحي أن نظرية البرهان وإيديولوجية الميتافيزيقا الشمولية يمثل السعي الرشدي لبعثهما دورا يذكر في الثورة الديكارتية أو اللايبنتسية وخاصة في العلم الحديث فلا حول ولا قوة إلا بالله. 
كيف يغيب عن قائلي مثل هدا الكلام أن البرهان يعني أمرين لم يصبح العلم الحديث ممكنا إلا بعد التخلص منهما: الأول يخص وصل البداية بين صورة البرهان ومادته أعني ( أعني نظرية المقولات والحد ) والثاني يخص وصل الغاية بينهما ( أعني نظرية المطابقة بين الضرورة المنطقية والضرورة الوجودية ). وكل من قرأ كتابي ديكارت في المنهج ( القواعد والمقال) حتى في الترجمات يعلم أن بناء النظرية عنده غني عن هذين المبدئين لكون النظرية ذريعة رياضية لفعل العقل في موضوعه وليست بالضرورة مطابقة للحقيقة الوجودية. لذلك اعتبر ديكارت العلم بحاجة إلى ضمانة إلهية تؤسس المبدعات النظرية بداية وغاية. 
فالضمانة الإلهية ضرورية عنده بداية حتى لا تكون مبادئ العلم الأول وموضوعه من خداع الشيطان الماكر . وهذا دليل على أنها مبادئ عقدية وليست مبادئ علمية. فبعد الكوجيتو - الحقيقة الوحيدة الغنية عن الضمانة- لا يمكن الخروج من انطواء الذات الوجودي إلى العالم الخارجي من دون مسلمات تحتاج إلى ضمانة إلهية. وكلها مبادئ يعتبرها ديكارت خيارا حرا لله وليست قوانين فوق إرادته. فلا مبادئ العقل ولا حقائق الرياضيات ولا قابليتهما للانطباق على عالم يصعب الخروج إليه من انطواء الكوجيتو على ذاته بقابلة للتسليم فضلا عن الاستعمال من دون ضمانة البداية التي هي عقدية. ذلك أن الأدلة الثلاثة على وجود الله نفسها تفترضها فلا تكون ذات أثر من دون هذا المبدأ العقدي. من دونها كان ينبغي أن يتوقف ديكارت عند غاية التأمل الثاني.
والضمانة المنهجية الرياضية الحدسية لا المنطقية الصورية ضرورية غاية لتحقيق المطابقة هي شرط تخليص العقل الحكم من تحكم الإرادة لما بين مستطاعيهما من نسبة هي نسبة المتناهي إلى اللامتناهي. وهذا دليل على أنها شروط خلقية وليست تقنيات منهجية. فما يحول دون العقل والحكم المتسرع بتأثير من الإرادة لامتناهية الحرية امعانا في الفحص المنهجي ليس قواعد منهج بمعنى فنيات التعامل مع الموضوع بل هو قواعد طريقة بمعنى خلقيات ضبط سلوك الذات المعرفي. القواعد الأولى تتوجه من عملية الفكر إلى الموضوع فتكون منهجا بالمعنى المعرفي للكلمة معناها الشبيه بالتقنيات العلاجية لتمنع مادة المعرفة على صورتها. والقواعد الثانية تتوجه منها إلى الذات فتكون طريقة بالمعنى الخلقي للكلمة معناها الشبيه بمعنى الطريقة الصوفية سلطانا على الإرادة. وليس مدلول الفينومينولوجيا عند هيجل إلا حصيلة التوحيد الجدلي بين التوجهين المبدعين للموضوع والذات معا خلال ابداع العلاقة بينهما العلاقة التي يكون نموها وتطورها عين الوجود الموضوعي للعقل.
والمعلوم أن كل هذه المعاني لا يمكن أن تكون قد دارت بخلد ابن رشد وإلا لما فهمنا سر سعيه لإلغاء محاولات التحرر من انحطاط الفكر اليوناني المتأخر والعودة إلى "تفسير النصوص الفلسفية المقدسة" بنفس أسلوب الشرح اللفظي كلمة كلمة من دون شروط التفسير الشكلية ( العلم بشروط التعامل مع أداة التعبير لكأن الترجمات وحدها تغني عن الأصل) وشروطه المضمونية ( العلم بشروط التعامل مع مضمون التعبير لكأن الزاد العلمي الأرسطي يغني عن التقدم العلمي الذي تلاه وخاصة في الرياضيات وتطبيقاتها الطبيعية والفكلية ). 
أما عقل لايبنتس الرياضي والمنطقي فهو مما لا عين ابن رشد رأت ولا أذنه سمعت ولا خطر على باله في المعلوم من أعماله. فهل يمكن أن يقبل ابن رشد بنظرية ميتافيزيقية يجعل تصورها للعلم الصور الجوهرية متدانية إلى ما دون الوحدة النوعية فتنزل إلى الوحدة العددية ومتسامية إلى ما فوق الوحدة التناسبية فتصعد إلى قانون لايبنتس الثوري الذي لم يبن بمقتضاه حساب التكامل والتفاضل فحسب بل وكذلك مبدأ انطباق الرياضيات على كل الموجودات بفضل هذه النظرية التي تجاوزت مبدأ عدم تواصل الأجناس المبدأ الذي كان سبب عقم نظرية العلم الفلسفية القديمة والوسيطة ؟
أما القسم الثاني المتعلق بالقطيعة مع الفكر الرشدي المزعومة التي يدعي البعض وجودها في الحضارة العربية ويعتبرها علة الانحطاط فهي من المهازل. كل المحاولات التي رفضت عقم التصورات الرشدية في المجالين النظري والعملي وحتى الجمالي والوجداني لم تهمل الرد عليه. فابن تيمية وابن خلدون والقرطاجني ومدارس التصوف المغربي كل هؤلاء علقوا على أعماله تعليقا صريحا وبين المقاصد. فأي معنى للقول بأنه قد نسي أو أهمل ؟ أم هل إن عدم اتباعه في ما دعا إليه هو المقصود بالاهمال والقطيعة ؟ 
ثم ماذا لو قلت لك إن ابن رشد لم يكن زاده العلمي بالنظريات الرياضية والطبيعية دون آخر فلاسفة المشرق العربي فحسب بل كان دون زاد أولهم. وهذه ملاحظة قد تثير غضب المتعصبين للمقابلة بين المشرق العرفاني والمغرب البرهاني خاصة وهي تصدر عن مغربي. لكن الحقيقة أحب إلي من التعصب للتجمعات الجهوية. والمعلوم أن المقابلة بين المشرق والمغرب علتها الاعتداد بالفروق الثقافية التي حصلت بعد القطيعة الحديثة بينهما خلال مرحلة الاستعمار. وهي لا تختلف عن المقابلة التي من جنسها والتي تستند إلى القطيعة بينهما قبل الإسلام أعني في عصر الحضارات القديمة التي يراد إحياؤها لا من حيث هي جزء من الهوية التي تجاوزتها في تكوينيتها الروحية بل لأداء دور الهوية البديل من الهوية الاسلامية الواحدة رغم أنها كما أسلفنا مجرد مقوم حضاري استوعبه الإسلام في تأليف الوحدة الحضارية التي بنى عليها كونيته : كحضارة ما بين النهرين والحضارة الفينيقية والحضارة الفرعونية والحضارة القرطاجنية الخ ..من الخرافات المؤسسة للهويات القطرية والجهوية قبالة الهوية الإسلامية. 
ما يفزعني في هذه الظاهرة ليس ما قد يثير الغضب بين البربر والعرب أو بين شرق الوطن و الغرب. ما يزعجني حقا هو الظاهرة الأعم التي لا تثير العجب بين أدعياء البحث والطلب . فالزاد العلمي النظري الخالص والمطبق والعملي الخالص والمطبق من الفلسفة العربية كان خطه البياني متنازلا من الكندي إلى ابن رشد بعكس الزاد الايديولوجي الذي كان متصاعدا منه إليه. ومعنى ذلك أن الكندي كان أعلم من الفارابي والفارابي من ابن سينا وابن سينا من ابن باجة وابن باجة من ابن طفيل وجميعهم من ابن رشد. وليس من شك في أن علم الخالف بالنصوص أوسع من علم السالف وأكثر لكونه كان متكاثر التشعيب والتعقيب. لكن العلم بما يتعلق به الشأن في النصوص- وهو المعنى الحقيقي للعلم - فذلك هو متناقص التعميق والتدقيق. وتلك هي الدلالة الأولى للمقصود بغلبة الإيديولوجي. فعندما تصبح المعرفة نصوصا تهمل المنصوص وقوانينه يتأكد المرء من نقلة الحضارة من العلم ذي المضمون الدسم إلى الإيديولوجيا التي تنفث السم. 
وليس هنا محل اثبات ذلك. لكن كل منصف يعلم أني أقول الحق خاصة وأنه لا أحد يجهل أن الصدق النافي في هذه الحالة فضلا عن الكذب يولد عداء الرشديين والتنويريين من العلمانيين ماركسيين كانوا أم ليبراليين. فلهم ما لهم من سلطان على الساحة الثقافية توزيعا للالقاب وتحديدا للمراتب في الرأي العام "المثقف". لذلك فالفائدة كل الفائدة لمن يريد السلامة هي في الكذب الذي يثبت هذه الأساطير. أما الوجه التام من تصاعد البعد الإيديولوجي فيكفي لإثباته ما سنرى في جواب السؤال الموالي. وكنت قد بينت مصدر هذه الخرافة المضاعفة على الغزالي ولابن رشد ما هو في مقال الفلسفة العربية في مائة عام. فهي تعود إلى اسطورة اليسار الأرسطي في العصور الوسطى قياسا على اليسار الهيجلي في القرن التاسع عشر الأسطورة التي استعملت أداة جدلية في الصراع بين الطوماوية المحدثة واليسار الماركسي في الفكر الألماني المعاصر مطلع القرن المنقضي ووصلتنا في نصفه الثاني بمناسبة ألفية الشيخ الرئيس.
3ـ كنت من المفكرين العرب النادرين الذين شككوا في أسبقية ابن رشد وألمعيته إذ اعتبرت أن ما قدمه في كتابه الشهير(فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال)لا يعدو سوى أن يكون " فتوى فلسفية "، على ماذا يستند تقييمك ذاك في ضوء الدراسات الكثيفة التي صدرت في الأعوام السابقة احتفاءً بمرور 800 عام على وفاة ابن رشد ؟
الجواب:
ليس في الفلسفة فتاوى فأنسب بعضها إلى ابن رشد. إنما فتواه كانت فقهية وليست فلسفية. فمطلوب ابن رشد فيها كان حكم فعل التفلسف فقهيا بحسب نظرية أحكام الفعل الخمسة. فهو يسأل: هل فعل التفلسف مباح ( القيمة صفر) أم هو مندوب إليه ( الموجبة من القوة الأولى) أم هو فرض (الموجبة من القوة الثانية ) أم هو مكروه ( السالبة من القوة الأولى ) أم هو حرام ( السالبة من القوة الثانية ). ويكاد يؤكد أنه فرض على الخاصة وحرام على العامة . 
وكان مجرى استدلاله في فتواه مستندا إلى مغالطتين أولاهما تخص دور المنطق والثانية تخص طبيعة الطلب الفلسفي. فدور المنطق عنده دور الأداة البريئة كدور المدية في التذكية. وطبيعة الطلب الفلسفي هي عنده طبيعة الكلام الذي يستدل على الصانع بالمصنوعات استدلال المتكلم بالبعرة على البعير! أي فكر يحاول أن يؤسس لشرعية الفلسفة بفتوى من هذا النوع بعد أن استقر هذا الفعل في الحضارة العربية الإسلامية وعم كل المعارف بما في ذلك المعارف الدينية طيلة القرون الخسمة المتقدمة على المفتي؟ أليس ذلك دليل على تخلف البيئة التي تحتاج إلى مثل هده الفتاوى نظير ما نراه الآن حيث عدنا إلى فتاوى من جنسها أو دونها باسم اسلامية المعرفة لكأن الحديث الشريف ببعديه القدسي والعادي والقرآن الكريم ببعديه المكي والمدني لم يكونا مؤسسين على أسمى درجات السؤال المعرفي والخلقي ليس لعلم الحقيقة بنظرية الاجتهاد والتواصي بالحق فحسب بل وأيضا لتحقيق شروط هذا العلم ونتائجه بنظرية الجهاد والتواصي بالصبر ؟
أن نعتبر فتوى ابن رشد ثورة تفصل بين الشريعة والفلسفة وتعد إلى الفصل العلماني بين الدين والدولة فهذا أيضا من السخائف! كيف تزعم الفصل بينهما إذا كنت تحاول تأسيس شرعية إحداهما على حكم أخراهما بفتوى حججها لا تقنع حتى العامي من التدبر ؟ سيقال إن ذلك من استراتيجية الخطاب الباحث عن الطلب المستجاب في بيئة تخلو من السؤال والاستغراب لكأن فلاسفة العصر الوسيط بسفالة مثقفي هذا العصر اللقيط على طول الوطن العربي وعرضه من العملاء الذين يستغذبون سقوط بغداد إلى التفهاء الذين يستمتعون ببيع شنقيط ! أبعد شجاعة سقراط يمكن للمرء أن يقبل مثل هذا السلوك الداعي إلى الارتياب في صدق الساعين إلى الحقيقة من النوافذ بدل الأبواب؟ ولعل المسألة أبسط مما نتصور. فالرجل فقيه ابن فقيه. ومن شابه أباه فما ظلم. 
أما ما تشير إليه من الدراسات الكثيفة التي قدمت في الاحتفال فإن جلها اجترار لم يتجاوز الاسطورتين اللتين نبين وهاءهما في هذه الأجوبة فنشرح لأول أمرة سبب عدم المساهمة في العرس الايديولوجي والتجميل الفلسفي الكاذب لتحديث التزييف وتنوير التخريف. كيف يكون التنوير مستندأ إلى فكر يلوم صاحبه المتكلمين على تجاوز الجام العوام عن علم الكلام واقدامهم على التأويل وتحدي الراسخين في العلم من المتفلسفين ؟ وكيف يمكن أن تتأسس الثورة المعرفية على الغاء دور النقد الفلسفي العربي ليعود إلى ما يتصوره فهما وحيدا لفلسفة أرسطو من دون شروط الفهم الدنيا؟ ولعلي بما اريد أن أعيده لهذه المدرسة النقدية في الحضارة العربية الإسلامية شيئا مما تستحقه من اهتمام عند التركيز على دور ذورتها بت هدفا للتهمة بالماضوية. فالنقد الجذري عند ابن تيمية وابن خلدون وحازم القرطاجني وفي الاستئناف الغربي الذي كان تأثير مدرستنا النقدية فيه أكثر فاعلية ( ابن سينا والغزالي خاصة ) من المدرسة التقليدية التي ينتسب إليها ابن رشد هو المنطلق الحقيقي للتحديث عندنا وفي الغرب على حد سواء بعد أن وقف نفس الموقف من الشروح اللفظية لنظريات فقدت صلتها بمادتها منذ ستة عشر قرنا ( قبل ابن رشد ).
لم يكن البحث عن الشرعية الفلسفية في الفقه مطلوبا في تاريخ الفلسفة العربية مشرقا ومغربا إلا لعلتين بسطيتين وعلتين ناتجتين عن تعاضد تأثيرهما وكلها علل تخلصت منها المدرسة النقدية وبقيت المدرسة التقليدية حبيستها:
الأولى ظرفية وهي توظيف غلاة الشيعة والتصوف للفلسفة إلى حد تحويلها إلى عقيدة بديل من العقيدة الرسمية في دولة الانوار المبشر بها بديلا من دولة الظلمات رمزا إلى الخلافة السنية وفي معرفة الباطن البديل من علم الظاهر. وهذا لا يمكن ألا يوقظ في النفس مماثلة لما يحصل حاليا حصولا أدى إلى حركة النكوص في نهضتنا الحالية. العلمانيون انتهوا إلى اليأس من البعث بالاعتماد على المخزون الحضاري الذاتي فباتوا يدعون علنا بوجوب القطيعة النهائية مع الحضارة العربية الإسلامية. والأصلانيون يردون الفعل بالعودة إلى مفعولات الماضي لا إلى طاقة الفعل فيه.
والثانية بنيوية وهي ثابت التمازج بين الفلسفة والممارسات الشعبذية والسحرية والتنجيمية والسيمائية التي كانت جزءا لا يتجزأ من الفكر الفلسفي المنحط كما ورثته الحضارة العربية الإسلامية عن العهد الهلنستي المتأخر وشجعته معتقدات النخب الحاكمة ( أول كتب الكندي كان من هذا النوع لذلك كان يلقب بمنجم المأمون: الجفر ). 
والثالثة هي ثمرة الجمع بين العلتين الأوليين مع غلبة تأثير الأولى في الثانية وهي الفلسفة السياسية والقانونية البديل من الفقه الأكبر الإسلامي استنادا إلى السلطان الروحاني والمعصوم والموصى به ضد الخليفة المجتهد والمختار.
والرابعة هي ثمرة الجمع بين الأوليين مع غلبة تأثير الثانية في الأولى وهي الفلسفة القيمية والخلقية البديل من الفقه الأصغر من خلال التخلي عن الشعائر وممارسة السحر والتنجيم والشعبذة باسم الولاية والقطبية والتصوف الفلسفي مع فكر يشبه الاشتراكية البدائية بدل حقوق الملكية الخاصة والعمل الحر.
الخامسة هي الثمرة الجامعة التي نتجت عن هذه العلل الأربع وهي مآل الفلسفة والدين الأليم. فكلاهما كان ضحية الصراع بين غلاة السنة وغلاة الشيعة اللذين تبعهم بالانقسام إلى مدرستين من جنسهما الاعتزال (الذي انقسم كموقف ومدرسة إلى الاشعرية التي هي اعتزال متسنن والبهشمية التي هي اعتزال متشيع ) والخروج ( الذي انقسم كموقف وممارسة إلى السلفية التي هي موقف خارجي متسنن والباطنية التي هي موقف خارجي متشيع ). فأصبح خطاب الجميع مجرد خطاب تبريري للشمولية الدينية الكلامية مع حزب السنة ومن تبعه من نزعة الاعتزال والخروج وللشمولية الفلسفية الصوفية من حزب الشيعة ومن تبعه من نزعة الاعتزال والخروج. 
والمعلوم أن الشمولية مبدئية في التشيع عامة بحكم مبدأي عصمة الإمام والوصية. وهي عرضية في التسنن عامة بحكم مبدأي اجتهاد الإمام واختياره المقابلين للمبدأين الشيعيين ( أنظر الغزالي في الفضائح وابن خلدون في المقدمة حول مبدأ الاختيار واجتهاد الأمام من أجل المصلحة العامة بدلا من الوصية والعصمة ) . 
ولعل ما ألغى مفعول المبدأين في الممارسة السنية هو عودة الجاهلية مع الأمويين وعودة الشعوبية التي استحوذت على التشيع. فلأن التشيع وغالي التصوف ( الذي هو شيعي الهوى) وتابعيهما من الفلاسفة والمتكلمين وظفوا الفكر الديني والفلسفي إلى حد حصرهما في الايديولوجيا حاربمها التسنن وغالي الكلام (الذي هو سني الهوى) وتابعوهما فضلا عن عودة الجاهلية والشعوبية وغلبة القيم المادية على القيم الرمزية في أغلب لحظات تاريخنا, تماما كما يحدث الآن بين الأصلانيين والعلمانيين والطائفيين مذهبيا وإثنيا في كل العالم الاسلامي. ولعل أفضل مثال ماثل للعيان حضور المال وغياب البال في ملتقى الأدواء ومصب البلاء بعد إفلاس القومية والتقدمية وتعسف الشيوخ والأمراء واستبداد القبلية العربية والحيل الفقهية التي تغذيها فضلات الثروة البترولية وبركات الحماية الأمريكية والإسرائيلية. 
والعجب العجاب أن الفكر العربي الحالي لم يفهم بعد أن طاقة الابداع واحدة عند جميع الأمم الحية وفي كل الأزمان. وأنه لا يتختلف فيها شرق عن غرب ولا ماض عن حاضر إلا بالقشور والمظاهر. فشروط الإبداع واحدة في جميع الحضارات وهي عينها سنن التاريخ الفاعل. ولعل أهمية ابن تيمية وابن خلدون هي أنهما فهما ذلك فحاولا البحث في علل فساد الشروط وتعطل الطاقة كما سنبين في الأجوبة الموالية. ولذلك اعتبرناهما أولى من كل المفكرين العرب ليكونوا منطلق المراجعة. وإنه لمن المدهش ألا يعتبر الانسان العودة إلى أرسطو بل وإلى ما قبل سقراط لفهم الفكر الغربي أمرا ماضويا رغم أن الزمن الفاصل بين الظاهرات التي يراد تفسيرها والنظريات التي يراد التفسير بها هو أضعاف الزمن الفاصل في حالة عودتنا إلى ابن تيمية وابن خلدون. لكن ماذا نفعل مع الأحكام المسبقة وسطحيات الفكر الإيديولوجي الذي لا يفهم أصحابه أن التوالي الزماني لا يعني الترتيب القيمي: فكم من مفكر من الماضي هو أكثر حداثة من كل الثرثارين في الحاضر ؟
إن كل أمة آمنت برسالة فعادت من غايات الرسالة إلى وسائلها ( وكلتاهما كلية يحددها كون العمران عمرانا بشريا ويحدد تدرج تحصيلها دينامية العمران البشري من خلال منطق كان مسعى كلا الرجلين إلى تحديده جوهر عملهما الفكري الإصلاحي بالاساس ) عودة الروية التصورية (الاجتهاد النظري والقيمي بشرط التواصي بالحق الذي يجعله اجتماعيا ) ثم عادت من وسائلها إلى غاياتها عودة العملية التحقيقية ( الجهاد العملي والقيمي بشرط التواصي بالصبر الذي يجعله اجتماعيا) كانت مبدعة في كلا السلوكين التصوري والتحقيقي. وذلك هو التاريخ الحي في كل الحضارات شرقية كانت أم غربية. 
إن غايات الابداع ووسائله واحدة أولا ومتحدة عند كل الأمم ثانيا. فهي لا تختلف إلا باختلاف المنزلة التي لكل نوع منها في ضربي السلوك من الغايات إلى الوسائل في التصور ومن الوسائل إلى الغايات في التحقيق. ولا تتميز بها أمة حية عن أمة حية إلا بأعراض ثانوية ناتجة عما يتخلل تاريخ تكوينيتها من عوارض سطحية نسبتها إلى الوظائف العمرانية في الظاهرات الإنسانية نسبة الأعضاء إلى الوظائف في الظاهرات الحيوية. فمثلما يمكن أن تتعدد أشكال الأعضاء مع بقاء الوظيفة واحدة في هذه يمكن أن تتعدد الأشكال الحضارية ويبقى الجوهر الحي منها واحدا في تلك. 
فانواع القيم بنظرياتها وتطبيقاتها تعد جوهر الفعل العمراني في كل التاريخ الإنساني وهي في نفس الوقت الغايات والوسائل بحيث يكون ما تحقق منها وسيلة لما لم يتحقق وما لم يتحقق غاية لما تحقق: 1- قيم الذوق ( وبها ومنها تنتظم حياة الإنسان الرمزية ) 2- وقيم العيش ( ومنها وبها تنتظم حياة الإنسان العضوية ) 3- وقيم العلم ( وبها يتمكن العمران من الملاءمة بين الحاصل والممكن علما وعملا ) 4- وقيم العمل ( وهي قيم قيم العيش أو معايير الحقوق والواجبات في محايثات الحياة الأخرى أعني الحياة الدنيا ) 5- وقيم الوجود ( وهي قيم قيم الذوق أو معايير الحقوق والواجبات في متعاليات الحياة الدنيا أعني الحياة الأخرى ).
إن تصورات هذه القيم بأصنافها الخمسة تصوراتها النظرية بثمراتها في النسيح الرمزي للذهنيات هي البدايات المبدعة وتحقيقاتها العملية بثمراتها في النسيج المادي للمؤسسات والمنتجات والظرفيات ( المكان جغرافيا والزمان تاريخيا والسلم اجتماعيا والدورة العمرانية كيانا ذا هوية هي حصيلة فعله التاريخي في ذاته وفي محيطيه المادي والرمزي ) هي الغايات. فتكون مادة العمران ( المجتمع بلغة ابن خلدون ) مطابقة لصورته ( الدولة بنفس اللغة): كلاهما من ابداعه خلال تكوينيته التاريخية. وبمجرد أن يحصل فصام بين الصورة ( الدولة ) والمادة ( المجتمع ) يفسد العمران. فإذا استبدت الدولة على المجتمع قضت على فعالياته لإنتاج القيم المادية والرمزية ( والصراع فيها وعليها هو المجتمع المدني بلغتنا الحديثة ). واذا استبد المجتمع ( من حيث هو أخلاق موضوعية ) على الدولة فسد العمران لجمود العادات والتقاليد واستحالة التغيير. 
وأزمة الأمة العربية والاسلامية هي اجتماع الاستبدادين منذ بداية الرسالة إلى اليوم بحكم تبني الموجود من المؤسسات في الامبراطوريتين المحيطيتين بالثورة الإسلامية( الفارسية والبيزنطية) بدلا من ابداع الأشكال المناسبة لما يمكن أن يستنتج من قيم الإسلام من مؤسسات لا تزال في طي المحجوب لغيات الكشف المطلوب الناتج عن فساد علم أصول الفقه وعلم أصول الدين. فاستبداد الدولة قتل فعاليات المجتمع المدني. واستبداد المجتمع قتل المجتمع السياسي. فبات العمران العربي والإسلامي ميتا مادة وصورة. وما عمل ابن خلدون إلا محاولة نسقية لفهم شروط استبداد الدولة وشروط التحرر منها فكان مسعاه تأسيس التنوير العقلي أعني بناء الإصلاح على التمييز بين الأحكام النابعة من الذات والأحكام القسرية الآتية من تحكم العصبيات فوضع نظرية العقد السياسي العقلي لتحرير إرادة التشريع التي هي فرض عين عند المسلمين .
وما عمل ابن تيمية إلا محاولة نسقية لفهم شروط استبداد المجتمع وشروط التحرر منها فكان مسعاه تأسيس التنوير الديني أعني بناء الإصلاح على ما يسميه التمييز بين الأمر الشرعي والأمر الكوني لتحرير إرادة الفعل الحر عند المسلم الذي صار مستسلما للأقدار بحيث بات السلطان الروحاني للتصوف والفقه هامانية تشرع للفرعونية كما يصرح بذلك علنا ابن عربي. 
ولعل ما يحول دون فهم هذه المعاني التي يتصورها البعض من عندي لغلبة الأمية على المثقفين الذين لا يقرأون إلا ملخصات الجرائد فيكتفون بمضع الأحكام المسبقة لعل الحائل هو حصر عمل ابن خلدون في قراءاته العلمانية ماركسية كانت أو ليبرالية واعتبار ما فيه من ديني مجرد تقية وحصر عمل ابن تيميه في قراءاته الأصلانية وهابية كانت أو اخوانية واعتبار ما فيه من فلسفي مجرد مماحكات جدلية ضد ما يزعمونه عقلانية حتى بات أكثر فلاسفتنا عقلانية عنيت الغزالي يعد مصدر الظلامية. تناسى الجميع أنه مثلما لا يمكن رد الماركسية إلى الستالينية ولا النيتشوية إلى الهتلرية فإنه لا يمكن رد التيمية إلى الفهم الوهابي ولا الخلدونية إلى الفهم العلماني.

4ـ دعنا نركِّز قليلاً حول هذه النقطة لراهنيتها المعرفية في الوقت الحالي . فالباحثون المتخصصون في التاريخ المقارن لتطور العلوم والمعارف في الحضارات كنيدهام وجونسون وهاف يسألون السؤال التالي باستمرار : على الرغم من أن الحضارة العربية الإسلامية كانت المؤهلة معرفياً واقتصادياً وسياسياً للدخول في ثورة العلم الحديث إلا أنها أخفقت في ذلك ، وتمكنت الحضارة الغربية من تحقيق هذه الثورة عبر كوبرنيكوس وديكارت وغيرهم ، إنهم يرجعون ذلك باستمرار إلى ما يسمونه النظام الميتافيزيقي للحضارة العربية الإسلامية ، الذي لم يكن يسمح برأيهم لتحقيق مثل هذه النقلة ، ما رأيك بذلك ؟
الجواب:
يقتضي التركيز الذي تطلبه هنا أن نفحص مفردات السؤال قبل طلب الجواب. وقبل هذا الفحص لا بد من التشكيك في قيمة التساؤل بالصيغة الشرطية عن الماضي لامتناع عودته. ففي الماضي الحاصل هو واجب الحصول لعدم إمكان البديل في المنقضي من التاريخ بخلاف ما عليه الأمر في المستقبل حيث يختلف الممكن المتوقع عن الحاصل المحقق. ومع ذلك سأبحث معك المسألة. فهي عندي ناتجة عن فكرتين تحتاجان إلى مزيد تحليل: 
1- الأولى هي الظن بأن ثورة العلم الحديث بنت لحظة معينة بضمير يجعل تاريخ العلم مؤلفا من قفزات كيفية تعد ثورات على تراكمات كمية تفقد معناها بمجرد حصول القفزة. فيكون العلم الحديث ثورة حدثت في الحضارة الغربية ويسمى ما تقدم عليها اخفاقا في تحقيقها بدل كونه سعيا معدا إليها.
2- والثانية هي عدم التمييز بين تكوينية الثورة العلمية في مستوى أشكال التعبير الرمزي عن النظريات وتكوينية ثمراتها في مستويات العمران المادي والاجتماعي. فالتساوق شبه التام الذي نلحظه بينهما في لحظتنا المعاصرة حيث بات العلم في الخدمة المباشرة لحاجيات العمران تقدم عليه التوالي البطئ بين النظريات وتطبيقاتها في مجالات الممارسات الاجتماعية الرمزية والمادية. 
ولنبدأ بالفكرة الثانية لأنها أيسر على الفهم. ولها وجهان: وجه العلاقة بين النظرية وتطبيقاتها في علوم الطبيعة ووجهها في علوم الانسان. فأما الوجه الأول فمثاله نظريات أبولونيوس في القطوع نظرياته التي لم تتجاوز الفكرة وربما التطبيق في علاج المسائل الرياضية لحل المعادلات من الدرجة الثالثة. لكنها لم تطبق لغزو الفضاء. ونظرية المرايا والعدسات الهيثمية لم تتجاوز التأمل الفكري عند صاحبها فضلا عن سعيه للجمع بين الهندسي والفيزيائي في محاولاته حسم مسألة التوازي بإدخال مفهوم الحركة في الهندسة ادخالا عابه عليه الخيام في أحد أعماله الرياضية. 
وأما وجه العلاقة بين النظرية وتطبيقاتها في علوم العمران فهي صعبة الفهم. فمثاله ما توصل إليه في الفلسفة العملية وتطبيقاتها مدرسة ابن تيمية وابن خلدون عندنا ومدرسة أفلاطون وأرسطو عند اليونان . ففكر المدرستين لم ينضب معينا لتحديد هذه العلاقة بين مستوى أشكال الصيغ النظرية وثمراتها العمرانية عند أهل كلتا الحضارتين الغربية والشرقية. لكن العمران البشري والاجتماع الإنساني لم يصبحا خاضعين للخطط العقلية كما طلب أفلاطون إلا في أوروبا المعاصرة. ولم نصل نحن بعد إلى عقد السياسة العقلية التي وضع نظريتها ابن خلدون عندما اعتبر المؤسسات السياسية كيانا مركبا من حدين متنافيين هما العصبية العارية الهوجاء والشرعية العزلاء. وكلتاهما عنده هدامة إذا استبدت فاستثنت الأخرى. لذلك فالأهم هو ما بينهما من تأثير متبادل أعني القوة الشرعية ( الدولة برعايتها للتوازنات المادية بالسياسة الاقتصادية والرمزية بالسياسة التربوية في العمران البشري ) والشرعية القوية ( المجتمع المدني بصرعاته من أجل القيم المادية والمعنوية ) في وحدة الكل التي هي العمران الحي المبدع. 
وطبعا فهذه المعادلة العميقة لا يمكن أن يفهمها من يرجع قلب المقدمة إلى مفهوم العصبية أو من يتصور ابن خلدون فيلسوف الغلبة والاستبداد. ولو تدبر العرب خطاب ابن خلدون الثوري فتساوق عندهم النظر والتطبيق أو تواليا حتى بالمسافة الزمانية التي انقضت بين فكره وفكر النهضة العربية لما أهدروا ثرواتهم المادية في التجارب التي أدت إلى افلاس الجزائر وليبيا والعراق وسورية ومصر. فكم حذر ابن خلدون من طغيان الدولة على المجتمع إلى حد التنبيه إلى ضرورة منعها من التدخل في آليات السوق المادية والرمزية والتأكيد على استقلال السلطة القضائية والعملة والفصل بين اختصاصات الخليفة (رئاسة الدولة من حيث هي سلطان رمزي معنوي ) واختصاصات السلطان ( رئاسة الحكومة من حيث هي سلطان مادي تنفيذي) والسعي إلى ارجاع السلطة التشريعية إلى مصدريها الأصليين المتعاليين على الدولة والمجتمع العينيين أعني الرأي العام الخلقي والروحي للامة أو الاجماع الصامت للتقاليد والأخلاق الموضوعية والشريعة. 
أما لو تدبروا خطاب ابن تيمية الثوري بنفس التوالي الزماني فإن تبديد الثروة الرمزية الذي نراه بصدد الحصول تحت ضربات التعصبين العلماني والاصلاني وما تستفيده الهجمة الأمريكية والصهيونية من غبائهما في تقويض الحصانة الروحية للامة ما كان ليحصل. فلم يكن قصد التنوير الديني الذي سعى إليه الشيخ قتل التعبير عن الوجدان أو سلب حقوق الإنسان بدليل أنه كان متصوفا كبيرا وفيلسوف الفطرة أعني جوهر حقوق الإنسان الطبيعية. بل كان يسعى إلى تحرير العقل الإسلامي من الجبرية لجعل التجارب الروحية والتاريخية أمرا ممكنا وذلك هو معنى تمييزه بين الأمر الكوني الخاضع للضرورة والأمر الشرعي الخاضع للحرية.
والمؤسف أن سطحيي التفكير - تذكيرا آخر بهذه المأساة في رؤية العلاقة بأبعاد التاريخ- يعتبرون العودة إلى أفلاطون لفهم نظرية التخطيط العقلي للعمران أمرا مقبولا حتى إن هيجل عد الجمهورية تأسيسا لهذا السلوك وليس مجرد يتوبيا ولا يتهمون هذه العودة بالماضوية رغم مرور ألفين وأربع مائة سنة على الجمهورية. لكنهم بمجرد أن تعود إلى مفكر عربي حتى لو كان بينك وبينه عقد واحد يسمونك ماضويا وسلفيا وظلاميا وهم في الأغلب لم يقرأوا حرفا واحدا من ابن خلدون ولا من ابن تيمية ويكتفون بما وجدوه في أوراق الأحزاب السخيفة ومجلاتها المتحكمة التي تنصب نجوم الفكر والواقع العربيين نجومهما التي هي أهم أسباب انحطاطهما بما تدعمه من سخافات وأوهام عن الفكر والواقع كليهما.
أما الفكرة الأولى فيمكن تلخيصها بمثال تبخر الماء وتثلجه. فهل يعني حصول التبخر بعد المائة درجة والتثلج دون الصفر أنهما لم يحصلا إلا عند هذين الحدين وأن الدرجات السابقة صعودا ونزولا لم يكن لها دور في حصولهما حتى لو توقفت دونهما؟ الثورة العلمية الوحيدة التي يمكن أن ننسب إلى الغرب تميزا فيها علينا هي ما أشرنا إليه في الفكرة الأولى: التساوق الحديث بين النظر والعمل وثمراتهما. وهذا لم يحصل إلا بسبب ثورتي الصراعين اللذين يتألف منهما المجتمع المدني: صراع القيم المادية ( الاصلاح الاقتصادي ) وصراع القيم المعنوية ( الاصلاح الديني ) في المجتمعات الغربية والتوازي التام بين الاصلاحين كما كان الإسلام يدعو إلى ذلك حيث كان يعتبر إرث الأرض ( النجاح الاقتصادي والتاريخي ) علامة صحة الإيمان ( النجاح العقدي وما بعد التاريخي).
لكن هذه الدعوة الأسلامية هي ما كان السعي إلى فهم علل فساده منطلق الحلين الخلدوني والتيمي: فكان سؤالهما واحدا رغم تقابل منطلقهما والتشخيص الناتج عنهما. فالأول أرجع العلة إلى فساد الشريعة بسبب الاستبداد السياسي والتربوي فكان مشروعه وضع نظرية علمية في العمران لاصلاح الدولة والمجتمع ( الشريعة بمعنى الأخلاق الموضوعية أي الحقوق والأخلاق العامة وما يترتب عليهما من فلسفة نظرية). والثاني أرجع العلة إلى فساد العقيدة بسبب الاستبداد الفلسفي الكلامي والفقهي الصوفي فكان مشروعه وضع نظرية علمية في المعرفة لإصلاح العقل النظري والإرادة ( العقيدة بمعنى الفلسفة النظرية في المعرفة والوجود وما يترتب عليهما من فلسفة عملية).
وحاصل القول إن الثورة العلمية حصلت خلال التاريخ العلمي كله وليس في اللحظة الغربية وحدها. وما يمكن قبوله هو تقارب نسق المسارين النظري والعملي في عمل المعرفة واستعمالها عند الغربيين إلى حد يكاد يلامس التطابق في الزمن الحالي. وليس ذلك لفضيلة عندهم ونقيصة عند من سبقهم بل لأن تدقيق المعرفة وقربها من العمل لم يصبح ممكنا إلا بفضل التوالي المربع السابق على اللحظة الغربية المتأخرة أعني توالي نقد علم الشرق القديم لأساطيره ونقد العلم اليوناني لعلم الشرق القديم ونقد العلم العربي لعلم اليونان ونقد العلم اللاتيني لعلم العرب. وكل مراحل النقد هذه نتج عنها تقارب المنحنيين: النظرية نحت نحو موضوعها اقترابا لامتناهيا من حيوية تعقيداته والموضوع نحا نحو النظرية اقترابا لامتناهيا من نسقية تشريعاتها. 
فمن لم يفهم هذا المنطق في تاريخ العلم يحق له أن يواصل التخريف وضعا لزائف المشكلات وبحثا عن واهم المعجزات تفسيرا للبدء اليوناني أو للاستئناف الجرماني. لم يكن الغرب مختلفا عن الشرق. كلاهما تعلم من الآخر بلا مراء في باطن الأمور حتى وإن تجاهل العرفان والوفاء في خاوي القشور. فما به الغرب غرب في الماضي من تاريخه مصدره ومعينه الشرق دينا وعلما إلى الآن رغم ما أدخل على الأصول من علامات الأفول. وما به الشرق شرق في المقبل من تاريخه مصدره ومعينه الغرب دينا وعلما منذ الآن رغم ما سيدخله الشرق على الفروع من تلوين مشروع.
5ـ يشكو الكثيرون من قراء كتبك من صعوبتها اللغوية ويتهمونك أنك تمتح من حجر التراث الصلد ،لكنك كنت تعتبر ذلك في بعض حواراتك جزءً من المدح لا القدح، ألا تجد في لغتك تلك عقبة أمام وصولك إلى شريحة واسعة من القراء ، وبنفس الوقت ألا تجد في ذلك تعليلاً لنأي عددٍ من الباحثين عن قراءة أعمالك ؟ 
الجواب:
نصل الآن إلى بيت القصيد فنتكلم في ما آل إليه فكرنا القعيد. لن أجيبك الجواب السهل الذي يرمي بالكرة إلى القارئ بالمجاز النافق. فهذا جواب منافق. الحقيقة أن المشكل ليس في القارئ ولا في الكاتب بل في الوسطاء من تقارء منهم ومن تكاتب. وهذا الأمر ليس خاصا بالعرب والمسلمين. فعندما تعلم أن علم تجربة العقل أو فينومينولوجيا الروح لم يبع منه إلا عشر الأربعمائة من الطبعة الأولى بين 1807 و1831 تاريخ وفاة المؤلف وهو من هو لن تعجب من مآل نصوصي. لا يهمني كثيرا أن تصل أعمالي لشريحة واسعة من القراء. ما يعنيني هو التخلص من الحيرة أمام معضلة الفشل الذي أصاب المسلمين في مسعاهم إلى تحقيق شروط الثورة المحمدية ونتائجها رغم كونها كما بينت في الكثير من الأعمال تمثل مستقبل الإنسانية إذا هي فهم منها العلاج والسؤال. 
عندئذ تدرك أن العائق بين أعمالي والقراء ليس عسر اللغة ولا حتى دقة الاختصاص. إنما العائق هو أحكام الوسطاء المسبقة وتحكمهم في التعاطي مع منتجات الفكر تعاطيا لا يتجاوز الانتخاب الإديولوجي والسايكولوجي. فالمتحكم في رأي الوسطاء انتخاب ايديولوجي واضح- وخاصة عند الأصاغر- دافعه انتسابهم وعدم انتسابي إلى الأحزاب السياسية والفكرية المسيطرة على الساحة العربية. إذا لم تكن قابلا للتصنيف وضعوك في سلة يطلقون عليها تجملا تهمة الغموض والتعقيد. ولهؤلاء على الأقل في هذه الحالة أمانة الاعتراف بعدم قابليتك للتصنيف السهل الذي يمثل أداة فهمهم لكل منتج فكري. عدم قابليتك للتصنيف الذي هو الفهم الوحيد الممكن لهم يصبح عدم قابليتك للفهم بسبب التعقيد والغموض. فجزاهم الله خيرا على هذا الاعتراف. 
والمتحكم هو انتخاب سايكولوجي عند من يتصورون أنفسهم أكابر فينصبون أنفسهم زعماء ورؤساء مدارس فكرية. هؤلاء دافعهم الخوف من الفكر الأصيل خاصة إذا استند صاحبه إلى
تاريخ النشر : 12-04-2007

6463 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com