|
|
|
|
|
|
|
آخر تحديث للموقع
2022-08-20
|
|
|
|
|
|
النص والتراث . دراسات قرآنية |
|
|
|
المقدمة أود أن أحقق من خلال ما سيأتي غايات ثلاث، فأما الأولى فهي غاية بيان بعض العلاقات بين المفاهيم الثلاثة التالية: العلم والمعرفة والثقافة، والغاية الثانية هي المساهمة في اقتراح فهم خاص لغاية العلم أو لكماله سواء أكان هذا العلم علما يتعلق بغير الإنسان أو علما يتعلق بالإنسان والغاية الثالثة وهي غاية ستتحقق بالتبع وهي التنبيه على تاريخية الاستعمالات التي تستعمل بها الألفاظ الثلاثة السابقة، مما يجعل التواصل أحيانا بشأن مفاهيمها مسببا لسوء الفهم، وأود أن أؤكد من الآن أننا تحت هيمنة استعمالات تتعلق بمعجم نتلقى آثاره منفعلين، معجم معانيه أعجمية وألفاظه عربية، ولا أدعو من خلال هذه الفطنة إلى استعمال معاني المعجم القديم، ولكن إلى تأمل ابتكار معجم معانيه على الأقل من إبداعنا، والرجاء أن تكون ألفاظه عربية.
قاعدة تتعلق بضرورة تمييز المعجم أنطلق من هذه القاعدة التي أعتبرها عامة: ليس للألفاظ دلالة حقيقية بل دلالة استعمالية، وقد أضع من ذاتي للألفاظ معاني أتفق أنا وغيري عليها. يحتاج الأمر إلى تمييز الاستعمال الذي نستعمل وفقه الكلمات، الاستعمال أو المعجم أو اللغة، كالاستعمال القرآني أو الاستعمال الفلسفي أو الاستعمال الكلامي. الاستعمال الراهن أو الحديث مقابل الاستعمال القديم. علاقة العلم بالمعرفة في الاستعمال التراثي لم يكن العلم يرتبط بالمعرفة كارتباطه الآن.في الاستعمال القرآني تمييز بين صفة العلم، ويشمل ما هو دون توسط تدبر وتفكر، ولذلك يصلح أن نصف الله بصفة العلم فهو العالم والعليم، ويشمل أيضا ما يتوسط تفكيرا وتدبرا قبل أن يصل إلى إدراك الحقيقة، وهذا الصنف هو المسمى معرفة.يقول الأصفهاني:"المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره وهو أخص من العلم ويضاده الإنكار، ويقال فلان يعرف الله ولا يقال يعلم الله متعديا إلى مفعول واحد لما كان معرفة البشر لله هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال الله يعلم كذا ولا يقال يعرف كذا، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر" يصعب في مكان ضيق أن ندرس مختلف الاستعمالات التي أنتجت مفاهيم عن العلم أو المعرفة، كالاستعمال الفلسفي أو الكلامي أو الفقهي أو الصوفي وأن نحصر التأثيرات الكثيرة التي أدت أخيرا إلى تشخص معنى خاص للعلم ، ونذكر أنه استعمل لفظ آخر مرادف هو الصناعة،وقد انتهى الأمر في بعض ما انتهى إليه،أن تقسم العلوم إلى نقلية ترتبط بالملة الإسلامية، وعلوم عقلية موروثة من الأمم الأخرى خاصة اليونان . والعلم قديما كان يعني في بعض ما يعنيه ما تعنيه تقريبا المعرفة الآن، فكل موضوع ترتبط به معرفة بشرية سمي علما، حتى ولو كان تنجيما أو سحرا.
العلم للعلم والعلم للعمل تكمن في العلم مشكلة كماله. وقد نحل المشكلة فنقول إن كمال العلم هو العلم ذاته، فيكتفى بالعلم بالحقيقة، يقول ابن رشد "الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء" . والحكمة هي العلم النظري. هذا الرأي هو رأي أرسطو وسيكون مذهب سبينوزا فيما بعد، نريد أن نبين أن لهذا الرأي أتباعا. ولكن البعض الآخر لم يقنع بأن يكون العلم للعلم، يرى المذهب الأول أن خالص العلم هو الذي لا يمتزج بالعمل، والسعادة عقلية، والتمس غير القانعين أن يخضع العلم لتبديل يشبه التبديل الكيميائي فيتجسد فعلا في الواقع، الأفعال في نظر المذهب الثاني هي ثمار العلم وكمالاته النهائية؛ ولكن ينبغي أن نتذكر أن العلم المقصود عند أصحاب الرأي الأول هو العلم بالأسباب النهائية، ذلك أنهم اعتبروا علما آخر هو العلم الذي وراءه عمل وهو الذي سموه عمليا. من الحكماء من لم يبلغنا إلا قليل مما كتبه ومنهم من لم يكتب كسقراط ومنهم من تعرفنا حكمتهم عبر ما نقل عنهم من أفعال كديوجين الكلبي مصحوبة بأقوال هي أفعال ذاتها أو أقوال تسند أفعالهم وتفسرها، قول ديوجين للإسكندر لا تحجب عني نور الشمس، أو قوله لمن سأله وهو يحمل مصباحا عما يبحث، قوله إنني أبحث عن إنسان. ومع المذاهب الفلسفية كالرواقية والأبيقورية أصبح مبحث الأخلاق مقدما على مبحث الميتافزيقا. ويبلغنا عن لوكريس ومارك أوريل وإبيكتيتوس من الأقوال ما هو ثمرة للعمل، ومحتواها حث على العمل.
العلم بالمعنى الحديث يغلب الآن استعمال العلم بما يعنيه في مقابله الإنجليزي أو الفرنسي Science فأصبح دالا على نمط خاص من المعرفة، أما المعرفة فتدل على جنس عام والعلم نوع من أنواعه.نقابل في الإنجليزية مثلا بين Science/Knowledge أو في الفرنسية بين Science/Savoir وفي الألمانية Erkenntnis /Wissenschaft والعلم بهذا المعنى هو المعرفة الموضوعية، ولا تكون المعرفة موضوعية حتى تتخلص من الذاتية أي من تدخل إسقاطات الإنسان الشعورية، ولتحقيق العلم بالمعنى الحديث يتم تحويل الأشياء إلى موضوعات وينسحب الإنسان ليترك أدواته تلاحظ وتصف فتصاغ القوانين التي تتجاوز معها الظواهر لتصبح مجرد أمثلة تمثل لها. أصبح العلم هو معيار الحكم والتقويم، والمحور الذي يدير شؤون العمل الإنساني، وإذا عد معيار العلم -وهو عنوان كتاب لأبي حامد الغزالي- قديما المنطق الأرسطي، صارت الرياضيات هي معيار العلم بالمعنى الحديث، فصارت الرياضيات هي معيار المعايير كلها. صفة الموضوعية مما يعدي، فتعدى الأمر لما سمي بالعلوم الإنسانية، فحول الإنسان إلى موضوع أيضا. وما غلب على العلم من الإجهاد للتحكم في الأشياء سيغلب على العلوم الإنسانية للتحكم في الإنسان. واغتر الإنسان بنجاح العلم في الهيمنة على الطبيعة فانفتحت إمكانية الهيمنة على الإنسان بتشييئه وتسخيره. ونعود لنذكر بالمسألة السابقة: ما هو كمال العلم؟ لقد رأينا أن بعض الفلاسفة اعتبر معرفة الأسباب النهائية أو العلل الأولى غاية العلم، فهي المحققة للسعادة. وكأن الأمر تكرر في عصر العلم فصار العلم من أجل العلم، طلب الإنسان العلم للعلم بداية و حكم شيطان الرغبة والفضول. ووقعت الفطنة بالشر الكامن في أن يكون العلم للعلم في النهاية، ولم يكن إلا للقوة التي فيه. قد يكون عالم في خدمة الشيطان، وقد يغلب الشوق إلى الإحاطة بالأسرار كل شوق آخر، وهذا الشوق هو الذي أخرج آدم من الجنة، فتسلط الفضول والرغبة في إدراك السر على الطاعة. وباع فاوست روحه لمفيستفلس ليحصل العلم بالخلود فيخلد ولكن عاد ذلك عليه بالسوء. كذلك عاد العلم الذي به بعث فرانكشتين ميته من الموت عاد عليه بالشر. لاحظوا أن في العلم بالمعنى الحديث بذورا قد تتحول إلى شجرة خبيثة، وبذورا قد تتحول إلى شجرة طيبة.
فطنة العلم ما سبق هو الذي يجعل من قول رابلي Rabelais الإنساني الفرنسي: Science sans conscience n’est que ruine de l’âme قولا يعنينا ، وهو الذي جعل من الفطنة بأن العلم بلا أخلاق ليس إلا دمارا، جعل هذه الفطنة تنمو، خاصة بعد ثورة الفيزياء الثانية، ومع الثورة الجينية التي تحيط بنا آثارها. لم يعد خافيا أن العلم ذاته يحتاج إلى أن يتحول التحول الكيميائي الذي تحدثنا عنه سابقا، ونرى من أجل ذلك الكلام يكثر عن علم يهتدي بالضمير الأخلاقي. لم يعد العلم مكتفيا بذاته، ويقترح البعض كالمفكر الفرنسي إدغار مورانEdgar Morin أن يقوم العلم بعلم Connaissance de la connaissance scientifiqueآخر قد يدرس مثلا شروطه الاجتماعية، فتقع الفطنة بحدوده ومآلاته. ووقعت الفطنة أيضا بضرورة ربط العلم بالأخلاق، وبضرورة التوجيه القيمي للبحث العلمي. أختصر فأقول إن الفطنة قد حصلت بضرورة تدخل الإنسان ليوجه العلم، ذلك أن العلم كان ينبغي أن يكون له فصار عليه، وانتبه الإنسان ثانية للزيغ وانتبه إلى أن للعلم كمالا ما، هو غير العلم الخالص، وهل حقا يوجد علم خالص؟، وجب أن يطلبه.
كمال العلم أو غايته هو العلم للإنسان سواء الطبيعي منه أو الإنساني، وقع الانحراف والزيغ والغفلة عن هذه الغاية، والمعرفة عامة قوة فما أدراك بالعلم، وقوته وجهت لاستعباد الطبيعة، وصاحب ذلك استعباد الإنسان. الضرورة تدعو إلى الكشف عن صورة الفكر المنتجة لتلك السيطرة، وغاية العلم أن يعي بهذه الصورة. والآن صارت آفات عدم الوعي بآثار تلك الصورة يمس حتى من كانوا أكثر المستفيدين منها. لقد كانت المعرفة من أجل العارف ذاته تصل به إلى كماله الإنساني، و كانت أيضا من أجل الآخرين، فكان العارف يشرك غيره خير المعرفة وإلا لم يدعه ذلك إلى أن يبلغه في أقواله وكتبه، وحضور العارف كان خيرا كله، إن كان في معرفته خير. ولكن لنذكر أن المعرفة كانت أيضا من أجل الهيمنة، والدولة عبر التاريخ استخدمت المعرفة من أجل السيطرة . وأصبح الآن من المواضع المشهورة ارتباط المعرفة بالسلطة. تلازم العلم بالمعنى الحديث والاستعمار، سواء العلم الطبيعي الذي استخدم لتحويل ما يكمن في الطبيعة من القوة إلى آلات وحيل تسهل القهر والهيمنة، أو العلم الإنساني الذي استعمل لجمع المعلومات عن الإنسان المستعمر والكشف عن بنياته الثقافية لتفكيكها فيسهل استتباعه.
كمال العلم الطبيعي الوعي بصورة الفكر التي تحكمه والسعي إلى تغييرها لقد أصبح هم تغيير صورة الفكر التي حكمت تعامل الإنسان مع الطبيعة يزداد، وتحول إلى تفكير، وهذا التفكير يتخذ سبيله ليتحول إلى سلوك وعمل، فكي يكون العلم الطبيعي للإنسان وجب أن يكون للطبيعة أيضا فيحفظ فيها تلك القوة التي توصل الأشياء إلى كمالاتها، فبكمالات تلك الأشياء يحيا الإنسان أيضا. وجب أن يتخلص العلم من العنف والقهر الكامن فيه، وهذا القهر وهذا العنف هو الذي تمت استعارته ليكون نمط السلوك الذي يعامل به الإنسان.
غاية العلم الإنساني وإذا كان العلم الإنساني للإنسان فيجب أن يجعل للكشف عن البنيات المنتجة للتسلط والقهر والمولدة لما كانت المؤسسات البشرية وضعته غايات إنسانية لها، ويجعل أيضا ليفضح ما يكمن في العلوم ذاتها من العنف والقهر، فلا يخفى كما قلنا سابقا ما لهذه العلوم من المشاركة في تمهيد الهيمنة، غير خاف ما كان للجغرافيا التي قال عنها Yves Lacoste La géographie ça sert, d’abord, à faire la guerre وللدراسات التاريخية وللإثنوغرافيا والأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم اللغة، من صلة بالاستعمار، ومن هنا تأتي أهمية أبحاث فوكو وإدوارد سعيد. أود أن أشير إلى أن النتائج والمعطيات التي حصلت حتى من قبل من كانت غاياتهم هو أن تعتمد القوة التنفيذية تلك النتائج والمعطيات من أجل تعبيد الطريق للهيمنة، مفيدة أيضا لمن يريد أن يتحرر من الهيمنة فقد يستعملها العارف أو المثقف أو العقلاني من أجل التعريف بالواقع المتعلق بالبنيات الحاكمة لوجود الإنسان الثقافي، فالمعرفة التي يستعملها المهيمن للهيمنة يستخدمها طالب التحرر للتحرير. ولا ننكر أهمية اعتبار الوقائع الاجتماعية أشياء وهو ما ذهب إليه دوركهايم Durkheim متلقيا أثر نجاح العلوم الطبيعية، فبهذا الاعتبار يمكن الكشف عن القوانين الثقافية الجبرية الحاكمة لوجود الإنسان والتي كانت للإنسان فصارت عليه، فكان ظهور الأمراض الاجتماعية والنفسية وهي من كسب الإنسان. الغاية مما سبق هي إنتاج الفطنة والوعي وإشراك الآخرين هذا الوعي وهذه الفطنة. وغاية الغايات هي تحويل الفطنة إلى مشروع لتغيير البنيان المنتج للقهر أو المنتج لما هو مرضي، فنستبدل بتلك البنيات بنيات منتجة للسلامة الإنسانية. كثر الكلام عن الإنسان، ولكن أي إنسان نقصد؟ سنستدرك على استخدامنا لهذا اللفظ الذي قد يوهم بوجود أمر واقعي اسمه الإنسان، أفضل أن استبدل باعتبار الإنسان اعتبار ما هو الأقرب إلى التجربة اليومية: هذا الإنسان أو ذاك. أريد أن أؤكد من خلال المعنى السابق أهمية القرب، فالذين يسعى العالم إلى خيرهم هم الأقربون، هم من تجمعهم أواصر القرب المعنوي والمكاني، والقرب ينتج عن الانتماء إلى الثقافة نفسها. نصل الآن إلى محاولة تمييز العلاقة بين العلم والثقافة.
العلم والثقافة لنأخذ بالتعريف التالي للثقافة:" هيئة تتهيأ بها جماعة ما لإصدار أفعال متشابهة بسهولة ويسر من غير فكر وروية، فالثقافة لا شعورية وهي تنتج عن تركيب استعدادات في الإنسان ليسلك سلوكا خاصا" الهيئة التي هي الثقافة هي نتاج هيئات صغرى تهيأ بها أفراد الجماعة. ما يجعل من الثقافة هيئة واحدة هو الانتماء إلى تجربة تاريخية تبدو حلقاتها مترابطة، وتضفي عليها الجماعة وحدة. والجماعة جعلت لهذه التجربة مبدأ وماضيا تترابط أحداثه، وهذا المبدأ وذلك الماضي هما البانيان للهيئة، والمرسخان لها والمجددان إياها. ولذلك المبدأ تصور عن المصير. الهيئة نتاج تفضيلات سابقة أبرزت للوجود قيما ومشاعر تستقبح أو تستحسن ما حواليها. التجربة التاريخية هي القصة الجماعية والقصة الجماعية هي حصيلة القصص الفردية اللذيذ منها والمؤلم. أن يرتبط العلم بالثقافة ارتباطا سعيدا يعني أن يكون خادما للثقافة أي خادما للهيئة بانيا إياها أو مرمما أو مرسخا أو مجددا. أن يرتبط العلم بالثقافة هو أن يسهم في بناء الإنسان وفق الهيئة التي هي الهيئة السليمة للفعل أو الترك، هيئة هي نتاج الاعتبار بالقصة الجماعية وهي حصيلة الاعتبار بالقصص الفردي. الإنسان الذي يخدمه العلم الطبيعي أو الإنساني إنسان خاص، العلم يخدم أشخاصا، إنسان وفق هيئة ثقافية، والعالم يخدم من يقرب منه في الانتماء إلى الأرض التي ينتمي إليها والتي تضم بشرا يكابدون، لهم آلامهم وآمالهم، ولكل منهم قصته الفردية المليئة بالتفاصيل الحزينة أو المفرحة. ينبغي للعالم من أجل ما سبق: 1- أن يكتسب القدرة على تمييز الهيئة السليمة المنتجة للقيم المتحصلة من تجارب تاريخ الجماعة المشترك. 2- أن يدرك هذه الهيئة إدراكا علميا وعمليا 3- أن يسعى إلى الكشف عن أسباب تشوه الهيئة مما يجعل العلل الاجتماعية والنفسية تبرز 4- أن يسعى إلى تجديد الهيئة لتعيد إنتاج القيم مجسدة إياها في سياقات جديدة، والعالم هو أول من يجسدها 5- أن يجعل غيره يعي بالأمور السابقة. إن تمييز الهيئة وتجديدها وإعمالها أو إدراك القيم علما وعملا هو خير وعلى العالم أن يشرك غيره هذا الخير. قد نجد في الجماعة من سبق أن أدرك تلك القيم عملا، وإن لم يدركها علما وهذه هي الغاية. لا يخلو تاريخ الهيئة من إنتاج الخير، والهيئة إما تحتاج إلى الرعاية والحفظ إن كانت سليمة، وإما إلى إصلاحها أو تجديدها. قد لا يضيف العالم شيئا، إن وجد الهيئة قد سبقته إلى إنتاج الخير وهو يتعلم أكثر مما يعلم. ولا يسعى أحيانا إلا إلى التنبيه والإعلام بالكيفية التي تصير بها الهيئة مستمرة في الفاعلية أو أكثر فاعلية أو يصير الجميع بها فاعلا. أن تكون شاعرا يعني أن تشعر بأمور لم يشعر بها غيرك، أو عاملا يعني أن تعمل أعمالا جميلة لم تسبق إليها، وهذا خير وعليك أن تشرك غيرك هذا الخير بأن تجعل غيرك يشعر بما شعرت به، وتجعله يعمل بالأمور الحسنة التي سبقت إليها.
خاتمة سنجمع في هذه الخاتمة ما أثبتناه، فأما ما يتعلق بتاريخية الاستعمالات، فقد تبين أن للمفاهيم الثلاثة تاريخية(مفهوم الثقافة حديث، وإن كانت مادة اللفظ عربية قديمة) وجب أن يفطن إليها، فيميز دائما اللغة التي سيستعمل وفقها اللفظ، وقد تبين أن العلم والمعرفة الآن يستعملان غالبا بغير المعنى الذي استعملا به في التراث، وأن العلم صار يعني معرفة خاصة هي المعرفة الموضوعية، وهي التي صارت المعيار في الحكم والتقويم وإدارة الشؤون البشرية خاصة عند من شهدوا ميلاده، وصارت الرياضيات هي معيار المعايير، فكأن العلم الحقيقي وفق هذا الاستعمال هو العلم بالمعنى الحديث وغيره معرفة عامة. وأما يتعلق بالعلاقات، فقد تميز أن بين العلم والمعرفة خصوص وعموم، ففي الاستعمال الحديث يعتبر العلم خاصا والمعرفة عامة، وفي الاستعمال القرآني المعرفة خاصة والعلم عام، إذ المعرفة علم مسبوق بتفكر وتدبر وبحث، وفي التراث كان العلم يستعمل بمعنى عام، فهو كل معرفة ترتبط بموضوع كيفما كانت هذه المعرفة ذاتية أو موضوعية. وتمييزنا للعلاقة بين العلم، ونقصد هنا العلم الطبيعي والعلم الإنساني، وبين الثقافة كان تابعا لهم الجواب عن مسألة كمال العلم، فتبين أن الثقافة كمال من كمالاته. إن الثقافة هي زراعة للقيم لينبت الإنسان، والعلم يجب أن يكون خادما فتفلح الزراعة وينبت الإنسان ويزدهر ويثمر. وقد ميزنا كمالات أخرى للعلم ، فإن كان علما طبيعيا فكماله أن يعي بالصورة المنتجة للعنف، ليستبدل بها صورة أخرى وإن كان علما إنسانيا أن يكشف عن ارتباطه هو بالسلطة والعنف ، أن يستعمل للكشف عن البنيات المنتجة للقهر وللعلل الاجتماعية والنفسية الناتجة عن اختلال الهيئة ، ليحول ذلك إلى مشروع للتحرير والعلاج أن يميز الهيئة المنتجة للقيم ليتم الوعي بها وبأسباب اختلالها، و كيفيات إصلاحها وإعادة تفعيلها: أن يتحول العلم هو ذاته إلى قيم مجسدة في الواقع، قيم هي نتاج الاعتبار بالقصة الجماعية.
1-المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني ، راجعه وقدم له وائل أحمد عبد الرحمان، المكتبة التوفيقية ، ص 334 2- ينظر مثلا ما ورد في مقدمة ابن خلدون، فصل في أصناف العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد، الجزء الثالث، ص 1025، دار نهضة مصر، الطبعة الثالثة، تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي. 3- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 1998، ص 113 4-36 Science avec conscience, , Edgar Morin, édition Fayard 1982, et édition Seuil 1990, p 5- وهذه قاعدة من قواعد علم الاجتماع لديه ، ينظر كتابه: Les règles de la méthode sociologique, Puf, 6- تعددية نظم القيم، توفيق فائزي، في مجلة المنطلق الجديد، العدد 8، 2005، ص 40
تاريخ النشر : 22-03-2008
|
|
|
|
|
|
|
الصفحة الرئيسية
l
دراسات قرأنية l
دراسات حديثة l
الفقه و الأصول l
العقيدة و الكلام l
فلسفة التجديد
قضايا التجـديـد l
إتجاهات الإصلاح
l
التعليم و المناهج l
التراث السياسي l
الدين و الدولة l
الحقوق و الحريات
مفاهيم و مصطلحات l
الإسلام السياسي l
الظاهرة الدينية l
فلسفة الدين l
فلسفة الأخلاق l
قضايا فلسفية
المـــرأة و النسوية l
الإسلام و الغرب l
عروض و مراجعات l
إصدارات l
حوارات و شخصيات l
مـؤتـمـرات و متابعات
جديد الملتقى l
سجل الزوار l
رأيك يهمنا l
اتصل بنا
©2024
Almultaka جميع الحقوق محفوظة
Designed by
ZoomSite.com
|
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.