آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الفكر السياسي  .  التراث السياسي

الدين و الدولة    |    الحقوق و الحريات    |    الإسلام السياسي

  •     

المغرب الإسلامي: التحييد المتوسطي ورهانات الهوية الفاعلة

عز الدين العزماني


يأتي حديثنا عن "آفاق التعاون في المغرب الإسلامي" من منطلق التفكير في مفهوم الأمة، باعتبار أن الخصائص التكوينية والوظيفية ل"الأمـة الوسط"(1) من شأنها أن تنعكس على طبيعـة حضورها التاريخي في كل مرحلة أو حقبة من هذا الحضور ، ليجمع بين الفاعلية والمعيارية ، أو بين شروط التمكين ومعايير التقويم، وذلك في كافة أبعاد هذا الحضور ومجالاته.
وقد يتردد الإنسان كثيرا قبل أن يخوض في مثل هكذا قضايا بالنظر إلى شساعتها الإشكالية والمفهومية، ذلك أن "استئناف القول" في قضية وحدة وتوحيد الأمة، يستدعي إعادة التفكير في إشكاليات الأمة وأزماتها المركبة، خاصة وان الوحدة الجهوية مدخل أساسي لوحدة الأمة كما يطرح ذلك المفكر الاستراتيجي منير شفيق(2)، ولذلك فإن ما نقرره ضمن هذا السياق، لا يدَّعي أيَّة إطلاقية في تحديد طبيعة المشكل ومن ثم الحلول الممكنة للتجاوز، ومن هنا فأول مبدأ يؤسس الخلفية التحليلية لهذه الورقة هو "النسبية" التي لا تدعي مطلقا، وإنما مساهمة في نقاش مركب ومتجدد، تتداخل فيه أبعاد إيديولوجية مرتبطة بمشاريع التوحيد، وأبعاد تاريخية تشكل مرجعية هذه المشاريع ونماذجها، وأيضا أبعاد متعينة يتحدد بحسبها المشكل والتحدي.
ولذلك يتسع الفضاء الإشكالي للقضية، غير أننا سنحاول في هذا المقام، أن نركز اهتمامنا في محاولة الإجابة عن سؤال أساسي، وهو كيف يمكن أن ننظر لمستقبل المنطقة المغاربية، باعتبارها إحدى أبعاد "جغرافية الأمة"؟ وما هي أولويات التعاون المحدِّدة لهذا المستقبل "المنظور"؟
الواقع، أن الإجابة عن هذه التساؤلات، يستلزم تحديدات مفاهيمية أولية، وأيضا فهم مختلف الأطروحات السائدة في مقاربة الموضوع، ثم تحديد "نموذج مثال" للرؤية التي نتحيز لها، ما دام الأمر يتعلق بقضية يتداخل فيها الماضي بالحاضر والمستقبل.
تلك إذن، هي المحطات الأساسية للورقة التي نقدمها هنا.


المحور الأول: تحديدات مفاهيمية: لماذا المغرب "الإسلامي"؟
يتضح من العنوان أن فضاء التفكير القاصد لفهم الممكن المستقبلي، هو "المغرب الإسلامي"، وهي عبارة تستوجب التحديد، ذلك أن العالم الإسلامي يتحدد ليس فقط بالدين الإسلامي، بل هناك إلى جانب ذلك اللغة والتراث والمجال والتاريخ..، وهو ما يستلزم فحص مدى "شرعية" هذا القول(أي الحديث عن مغرب إسلامي).
إنه من نافلة القول، أن الإسلام والعروبة يشكلان "ثنائية المشترك" بالنسبة لعرب المغرب، الذي يخلو من ظاهرة التعدد الديني والطائفي الموجودة في المشرق، ومن ذلك كان مفهوم العروبة مطابقا لمفهوم الإسلام عند عامة الناس في المغرب العربي، بل إن دخول البربر للإسلام بعد الفتوحات الإسلامية سيكرس هذا الواقع، ليتناغم الدين واللغة والجنس في التعبير عن الوجود الأنطولوجي للمغاربيين، ويضاف إلى "خصوصية الإسلام المغاربي" في أبعادها السابقة، الوحدة الدينية (المذهب السني) والمذهبية (المذهب المالكي)(3). فإن المؤكد أن هذه الوحدة ستشكل عاملا أساسيا في تشكيل الشخصية المغاربية وبناءاتها الإيديولوجية، وتمثلاتها للدين، هذا مع الإشارة لدور التصوف في سد فراغات الانتماء الديني لبعض الفئات من المجتمع، بحيث نفهم بذلك المساهمة الفاعلة لرجالات التصوف في محاربة المستعمر.
إن هذه المحددات الأولية ـ السابقة الذكر ـ تسمح باستعمال مفهوم "المغرب الإسلامي" لا للتعسف التاريخي بل لتأكيد حقيقة تاريخية، جعلت الأستاذ صالح الهرماسي يتحدث عن "إسلام مغاربي"(4).
لكن السؤال الذي يطرح ضمن هذا المستوى التحليلي، هو لماذا نتحدث عن التعاون، في ظل الوضع الراهن، ما دامت كل المحددات السابقة تستبطن توفر شروط الوحدة؟ 
الواضح أن الحديث عن التعاون، كأحد أبعاد التفكير في الوحدة، يشير إلى وعي صاحب الورقة بعدم تحول محدداتها (أي الوحدة)، إلى مشروع تاريخي متكامل، وأيضا إلى وعيه بالمتغيرات التي حصلت في راهن الأمة والمغرب الإسلامي، التي تستوجب "مقالا واقعيا" ولكن "متفائلا".
ويمكننا الجزم باعتبار أن "الوحدة المغاربية" مشروع لم يكتمل، بفعل العديد من العوامل، ذلك أن اللحظتين التاريخيتين المفصليتين لمشروع التوحيد ستعاق من المهد:

اللحظة الأولى: 
ـ يعبر عنها مشروع التوحيد الذي تمثله التجربة الموحدية، والذي عمل على تأسيس "دولة البديل" عن تفكك الشرق العربي وتحدي الغرب الصليبي(5)، لم يستمر طويلا رغم "الدور التاريخي الفاعل" الذي قام به كما يوضح الأستاذ العروي (6).
اللحظة الثانية:
ـ يعبر عنها المشروع السلفي الوطني بعد حالة الاستعمار التي سيعرفها الفضاء المغاربي، والذي سيسمح بعودة الخطاب العاطفي حول الوحدة، القائم على تأكيد الهوية المشتركة، والفضاء المشترك، والنضال المشترك، غير أن معطيين تاريخيين سيسهمان في إعاقة هذه اللحظة:
ـ جهود الاستعمار في شرعنة منطق التجزئة، من خلال اعتماد الحدود القطرية.
ـ دور الحكم العثماني في خلق التوتر في المنطقة، خاصة بالنسبة للدول التي لم تستقبل هذا الحكم (المغرب الأقصى).
ـ مخلفات الاستعمار، ومرحلة التقاطب الإيديولوجي في النزاعات السياسية حول الحدود، وحول الأرض.
إن كل تلك المحددات ستساهم في إجهاض "مشروع الوحدة"، والتي يمكن إرجاعها لسبب أساسي في إعاقة مشاريع التوحيد، والمتمثل في "ظاهرة انفصام السلطة السياسية عن المجتمع المدني"(ابن خلدون)، وما يستتبع ذلك من إرادات الهيمنة على اقتصاد المنطقة ومواردها بالنسبة لكل طرف. 
إن هذه الأطروحة تبقى متماسكة في تفسير الحالة المغاربية، بحيث إذا كان العامل العقدي محددا لصيرورتها التاريخية، فإن "جمود"المجتمع بعد الخضوع للاستعمار، وهيمنة الدولة الوطنية على زمام الأمور، سينتج أزمة المجتمع في مقابل الدولة، أو بتعبير برهان غليون "محنة الأمة".
إن مجموع هذه المحددات/ العوائق يشدنا إلى الاهتمام بالمستقبل أكثر من محاولة فهم واقع تاريخي لم يعد يتعين.
ولذلك فإن وعينا بهذه العوائق في أبعادها التاريخية والواقعية في مستوياتها السلطوية والسياسية والاقتصادية، جعلنا نتحدث هنا عن "آفاق" التعاون، دونما إنتاج خطاب يوتوبي، خاصة وأن الوحدة الجهوية مدخل ضروري لأي وحدة إقليمية، وهو ما يتطلب الحديث عن "التكامل" أكثر من الحديث عن التشارك أو التوحيد في الراهن.
ومن نافلة القول، إن التفكير في هذه الآفاق يقف في مواجهة أطروحات سائدة، تحاول أن تفرغ أبعاد التعاون من مضمونها التاريخي والقيمي، وهو ما تمثله بعض الأطروحات السائدة حول القضية.

المحور الثاني: الأطروحة المتوسطية ورهانات التحييد
إذا كان الخطاب القومي حول الفضاء المغاربي، يتميز بارتكازه على مبدأ الوحدة، باعتبارها من المرتكزات الأساسية لهذا الخطاب، فإن عجز هذا الخطاب عن استيعاب محددات الدولة الوطنية، ومن ثم فشل مشروعه في كسب المشروعية التاريخية، بحيث لم يستمر بنيويا ومؤسساتيا في قيادة هذا المشروع، فكل ذلك سيسمح ببروز خطاب "جديد"(7) يحاول ربط الفضاء المغاربي بالفضاء الإفريقي أو بالبعد المتوسطي، في محاولة لكسب رهان التحييد العقائدي والقيمي، وفي هذا الصدد يمكن أن نختصر المقولات الأساسية لهذا الخطاب فيما يلي:
ـ تأكيده على عجز البلدان المغاربية عن التفاعل مع التحولات الثقافية والتكنولوجية والعلمية التي شهدها التاريخ الكوني، رغم وضعيتها الجغرافية المتميزة.
ـ اعتباره أن شروط الاستقلال لم تمكن هذه البلدان من فتح آفاق جديدة من أجل تجاوز الوضعية التاريخية واللسانية والثقافية التي توجد عليها.
ـ تقريره بأن هذه البلدان لم تؤسس لخطاب تأسيسي، بقدر ما أسست لخطاب وطني مهووس بالإيديولوجيا، وبالمحدد الديني في بناء المرجعية.
إن من نتائج هذه الوضعية كما يبلورها هذا الخطاب، هو تبلور مرجعية إسلامية تحررية تنطلق من الدين الإسلامي، وهي رؤية ارتكاسية تسهم في تغذية العداء، والإرهاب.
ولذلك ستتجه هذه الأطروحة إلى رفع الرهانات االفكرية التالية:
ـ التخلص من المنظور التيولوجي الفقهي، وبناء خطاب نقدي يستعيد قراءة الخطاب الديني(النص)، بناء على المعطيات التأويلية واستحضار تاريخية النص القرآني.
ـ إعادة تحليل العلاقة بين المغاربة والإسلام، داخل الفضاء المتوسطي.
ـ تجاوز خطاب الدولة الوطنية واستعادة التعددية الثقافية والفكرية، والتخلص من النزعة الواحدية المسؤولة عن اجتتاث الفكر العقلاني.
ـ توظيف التصوف(8) كوسيلة تنويرية للدخول للفضاء المتوسطي، وفي نفس الاتجاه تجديد الخطاب الديني.
هذا الموقف يعيد إنتاج مقولات الأسطوغرافيا الاستعمارية(9) التي اعتبرت المغرب العربي "كيان غير مكتمل العناصر والمقومات"، ولذلك نجد هنا دعوة أركون إلى الانفتاح على "البعد المتوسطي لهذا الوجود".
كما أن هذا الخطاب لا يعي أن الفكر الوطني كان واعيا بحدود النموذج الذي يقدمه لفترة ما بعد الاستعمار، وفي ذلك نستحضر هذا النص النوعي للعلامة علال الفاسي(10)، يقول فيه: "..وعمل هذه الحركات في ميدان المقاومة وخططها التي تسير عليها ليست إلا مثالا للحكمة الناشئة، لكن هذا كله لا يعني أنها قد وصلت الكمال في تكوينها وتنظيمها، بل من الواجب علينا وقد جلينا فضائلها أن ننبهها إلى بعض مواطن النقص. وأول هذه المواطن في نظرنا ما يرجع إلى تكوين النظرية، وأعني به ما يتعلق بخلق برنامج مفصل للنظام السياسي والاقتصادي الذي يجب أن يكون عليه المغرب في وقت استقلاله، لأننا نعتقد أن العمل للاستقلال ليس وسيلة لتحقيق أهدافنا العظيمة في إصلاح حال الأمة وإسعادها".
أن هذا الخطاب الوطني الذي يدرك محدودية الفعل النضالي المباشر بدون مقومات فكرية وثقافية مؤسسة، تضع تصورا لإصلاح حال الأمة وفق رؤية تستوعب الدين وتدرك متغيرات التاريخ، وهي المحددات التي ستظل حاضرة بقوة في الخطاب الفكري الإصلاحي لدى كل من الطاهر بن عاشور(تونس) ومالك بن نبي (الجزائر) وغيرهم من أعلام الإصلاح والتجديد في المغرب الإسلامي.
كما أن أفق "تكوين النظرية" كما وضعه الأستاذ علال الفاسي يعتبر من رهانات الاستئناف في اللحظة الحضارية الراهنة.

المحور الثالث: نحو نموذج مثال للتعاون المطلوب:
إن النموذج المثال الذي نتصوره للتعاون، يستبطن نموذجا مثالا للمغرب الإسلامي الذي نريده، إنه نموذج في تصورنا يقوم على المبادئ التالية:
ـ مبدأ حتمية الوحدة وضرورتها: باعتبارها محصلة منطقية لوجود قواسم مشتركة بين الدول المغربية (التاريخ – الدين – اللغة...)، وهو الرهان الذي يمكن للإسلام أن يشكل فيه عاملا هاما، باعتباره نموذجا للوحدة والتوحيد، خاصة وان الفتح الإسلامي قام تاريخيا بوظيفة التوحيد لشمال إفريقيا منذ القرن السابع الميلادي، كما أن المذهب المالكي ساهم في تمتين عناصر الشخصية المغربية عبر مسارات تاريخية مختلفة(11)، إن هذا المبدأ يستوجب استعادة الوظيفة التوحيدية للإسلام.
ـ مبدأ النضال المشترك، أو المقاومة الفاعلة، وهو ما يستدعي توحيد أشكال المقاومة من خلال توحيد إطاراتها، وهو الأمر الذي كانت تعبر عنه التجربة التاريخية للتعاون في زمن الاستعمار من خلال العديد من النماذج، كنجم شمال إفريقيا 1926 وجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين 1928 ومكتب المغرب العربي 1947...
إن العمل المشترك في هذا المستوى يستهدف العمل على ثلاث مستويات:
ـ النضال من أجل صيانة الذات ثقافيا وفكريا وروحيا.
ـ الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية، والتعاون قصد البناء والمقاومة لمواجهة الخطر الخارجي
ـ تكريس وضمان استمرار الوعي المشترك بالذات وبالشخصية الحضارية المغاربية.
وذلك باستحضار التحديات الجديدة لاستراتيجيات العولمة والاستعمار الجديد.

المحور الرابع: أولويات التعاون في الغرب الإسلامي: من أجل الاستئناف
تهتم أغلب المقاربات السائدة اليوم حول الفضاء المغاربي، بالمدخل الاقتصادي في وضع أولويات التعاون بين بلدان هذا الفضاء، وتحيل هذه المقاربات على النموذج الأوروبي، الذي يستأثر باهتمام كبير من قبل الدارسين والمهتمين بالعلاقات الدولية، وبعناصر المنظومة السياسية والاقتصادية المتحكمة في مسارات تطورها، ولعل ذلك يرجع- بالأساس- إلى عوامل التميز والفرادة التي يتميز بها الاتحاد الأوروبي في البناء الموحد، بحيث يمكن اعتباره مثالا نموذجيا للبناء الوحدوي و التكتل المندمج.
ولذلك فإن الحديث عن"أوروبا موحدة" ليس وليد اليوم، بل إنه قد ارتبط بالصيرورة التاريخية لفكرة انبجست منذ قرون عدة، بحيث كانت أوروبا تظهر- تاريخيا- على شكل مدينة موحدة على مستوى الفكر و الحركة، بالرغم من الحروب و الصراعات التي كانت تعرفها.
وقد تضافرت عدة عوامل لتجعل من فكرة الوحدة ضرورة مصلحية أكثر منها مطلباً قومياً وعاطفياً لتيار الوحدويين، حيث ستقطع الدول الأوروبية مساراً طويلاً في هذا الاتجاه، الذي تشكل فيه محطتا روما((1957 وماستريخت(1992) أبرز المعالم الموجهة له.
غير أن التفكير في هذا المدخل، وبغض النظر عن الملاحظات التي يمكن تسجيلها حوله، فيما يتعلق بحقيقة الوحدة الأوربية، فإننا يجب أن نضع بعين الاعتبار، إشكالية الأنظمة السياسية المغاربية في مستوياتها المختلفة، والتي تسمها خاصية أساسية وهي السلطوية من جهة أولى، كما أن "المأسسة السياسية النظمية" لخطاب الوحدة سينتهي إلى تجميد الروح الوحدوية وتوقيف المفعول الحضاري للانتماء والفعل المجتمعي والمدني من جهة ثانية.
إن الديموقراطية في النموذج الأوروبي شكلت عاملا مساعدا لاعتماد المدخل الاقتصادي، دون أن يعني ذلك غياب العوائق البنيوية في التعاون والتشارك، وهو ما يبرزه النقاش الأوربي حول الدستور الموحد.
وإذا استحضرنا العامل الخارجي لاستكمال العناصر المتحكمة في النظم السياسية المغاربية، فسنفهم لماذا يتم الدفع بخطاب الإرهاب، وذلك لتكريس "التبعية السياسية" في ظل قوانين الاستعمار الجديد، ومن ثم الحفاظ على واقع السلطوية. إن خطاب الإرهاب غطاء للسلطوية، واستدامة لمنطق التبعية، وهنا تتعقد جدلية الداخل والخارج في إمكانات الفعل الوحدوي ومستوياته وحدوده.
وبناء على ما سبق، نعتبر أن أي تصور لأولويات التعاون في المنطقة المغاربية ينبغي أن يركز على تجاوز هذه العوائق في أفق تفعيل المقومات وبناء القدرات الوحدوية.
ولذلك نتصور أن أجندة هذه الأولويات تنطلق من التفكير في هذه العوائق والإجابة عليها من منطلق استعادة الدور المجتمعي المدني، أي من خلال تحريك المجتمع المدني لتشكيل "فضاء عمومي" مغاربي(12)، يعبر عن خصائص الهوية والانتماء المشترك، خارج دائرة الأنانيات القطرية الضيقة والمصالح المحدودة، في أفق تجاوز "حالة الفصام النكد" بين السلطة والمجتمع المدني. 
إن الاندراج في هذا الأفق هو الذي سيسمح بكسب الرهانات التالية:
1 ـ استئناف المشروع الوطني: 
وذلك باستحضار الواقع الجديد للهجمة الحضارية، التي تستهدف المحددات الثقافية أو بتعبير "هنتنغتون" تسوغ لبرامج التقويم الهيكلي الثقافي، وهو ما يتطلب تفعيل ما يمكن أن نسميه "المقاومة الحضارية" التي تنطلق من أفق كوني في المواجهة والتفعيل.
وأيضا الانطلاق من "الأفق غير المكتمل" للمشروع الوطني، والذي يتحدد فيما سماه الأستاذ علال الفاسي تكوين النظرية، كأساس لبناء رؤية تكاملية على المستوى المغاربي تحصن الهوية المشتركة من تهديدات التجزئة (الإدماج المتوسطي للمغرب العربي، تحريك الحساسيات الأمازيغية، تحريك نزوعات الانفصال...) والعلمنة (بروز تيار علماني جديد يراهن على التحييد الديني للمنطقة).
2 ـ تحريك عناصر الهوية الفاعلة: 
وذلك من خلال النضال المشترك الذي يضع أفق الديموقراطية لتجاوز السلطوية، والتنمية لتجاوز التخلف، والتنوير لتجاوز الجمود، وهو ما يستلزم الحاجة لكتلة تاريخية ولتعاقد إسلامي مغاربي، تصبح بمقتضاه الفضاءات المغاربية فضاءات لتوسيع دائرة إدراك الانتماء المشترك.
3 ـ تفعيل النضال الحضاري:
وذلك لأجل التحرر من التبعية ومن الصهينة، وفي نفس الاتجاه تحصين المغرب الإسلامي من التفسير المغلق للدين الذي يتحالف مع الإرهاب الأمريكي، فيكون النضال الحضاري دفعا للإرهاب الديني بتبني خطاب استيعابي، وتجاوز منطق الاستعلائية العقائدية، وفي نفس الاتجاه دفع إرهاب الدولة الأمريكي الذي بدأ يعلن اهتمامه "المبالغ فيه" بالمغرب الإسلامي، لأجل تحقيق ما يسميه الأستاذ منير شفيق تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت. 
وهو التحدي الذي يتطلب أن يساهم المشروع الوطني الإسلامي في رفعه من خلال تكريس الوسطية والاعتدال التي جعلت الإسلام محافظا على مكانته التاريخية في المنطق رغم المحاولات الجارفة لاقتلاع جذوره عبر التاريخ.
إننا ندخل بالفعل مرحلة جديدة في المغرب الإسلامي، تحتاج إلى تفعيل مقومات المشروع الوطني واستئناف أفقها، وفي نفس الوقت إطلاق أفق جديد مستوعب للتحديات الجديدة.

المراجع:
(1) ـ الأمة القطب هي الأمة الإسلامية التي تقوم على عقيدة التوحيد، والذي يشكل المنظومة القيمية والعقلية والفكرية بل والمنظومة الحياتية التي تجمع وتصل بين عناصر كيان الأمة، وهذه الأمة هي "أمة وسط"، والوسطية في التصور الإسلامي لا تعني مكاناً وسطاً بين أطراف متباعدة ولا تعني وسطاً حسابياً تطرح من قيمة و تضيف إلى أخرى لاستخلاص فضيلة بين متفاضلات، ولكنها الوسطية التي تعرّف من منطلق التوحيد حيث يتكامل المثال والقيم والفكر والواقع المعاش الذي تتنزل القيم والفكر والمثال، وهو المعنى الذي جعل الدكتورة منى أبو الفضل تتحدث عن مفهوم "الأمة القطب".
أنظر في ذلك: منى أبو الفضل، "الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم لأمة في الإسلام"، (القاهرة 1982).
(2) ـ أنظر منير شفيق، الوحدة والتجزئة، بيروت، دار الطليعة، 1979.
(3) ـ قد لا يسمح المجال للغوص في الأبعاد التاريخية التي دفعت إلى انتشار المذهب المالكي في بلدان المغرب، وما يتعلق بالحضور المؤقت لباقي المذاهب وارتباطها بظروف سياسية خاصة(التعدد المذهبي بتونس)، وأيضا الحديث عن خصوصية بعض الدول المغاربية التي لم تتبن المذهب المالكي(ليبيا).
(4) ـ محمد صالح الهرماسي، المغرب العربي المعاصر"مقاربة في إشكالية الهوية"، دار الفكر، ص62.
(5) ـ أنظر في ذلك، الدكتور محمد المالكي:"الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي" (منشورات مركز دراسات الوحدة العربية 1993)، وأيضا كتابه: "المغرب العربي:أية آفاق؟"، (منشورات المعرفة للجميع ـ أبريل 1999).
(6) ـ أنظر في تفاصيل التجربة الموحدية في التوحيد وأيضا التجارب السابقة عنها، الأستاذ عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب، مطبعة المعارف الجديدة، 1984.
(7) ـ أنظر مداخلة الأستاذ محمد أركون التي ألقاها بالمعهد الثقافي بمراكش بتاريخ 21 مارس 2006، تحت عنوان"أسئلة الفكر النقدي المغاربي"، تطرق فيها لقضايا الإسلام والحداثة والمستقبل،أنظر تقريرا عن المداخلة، بمجلة مدارات فلسفية، العدد 15، 2007، ص.177.
(8) ـ ينظر لمتابعة هذا الموضوع الاهتمام الرسمي المتزايد في البلدان المغاربية بالتصوف، وأيضا التقارير الأمريكية الداعمة لهذا الاهتمام.
(9) ـ أنظر للتفصيل في معطيات الخطاب الاستعماري حول المغرب العربي الإسلامي، امحمد المالكي، الحركات الوطنية..)، مرجع سابق. ص 109 وما بعدها.
(10) ـ علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ط4، الرباط (مطبعة الرسالة)، ص.440 – 441
(11) ـ أنظر الهرماسي، نفس المرجع السابق، ص178 ـ 179.
(12) ـ نستحضر هنا نظرية الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس حول "الفضاء العمومي"، حيث نعتبر عن تاسيس الفضاء العمومي المدني العقلاني، سابق عن المأسسة والتمدين المقنع. إن الفضاء العمومي الذي يقوم على أساس المواطنة، لا يلغي البعد المتعلق ب"الهوية المشتركة"، أنظر في توضيح ذلك: حسن الموصدق"أزمة الدولة الوطنية وآفاق نماذج الشرعية السياسية الجديدة عند يورغن هابرماس"، مدارات فلسفية، العدد 10، ص.69 ـ 95.


تاريخ النشر : 29-03-2008

6319 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com