آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

هندام المسلمين ومسألة النهايات

توفيق فائزي


لكل تجربة حضارية نهاياتها، كذلك كان الأمر بالنسبة للمسلمين، لقد كانت لهم مغامرتهم، ولكن لكل مغامرة نهاية. لقد تمت الهيمنة عليهم بالتعرف على مسالك جديدة في البر والبحر لم يتعرفوا عليها، وبالتعرف على مسالك ذهنية جديدة أيضا.

ورث المسلمون معارف عن سابقيهم من الأمم، معارف جغرافية وفلكية وصناعية، تفاعل ذلك مع ضربهم في الأرض وإبحارهم في البحر، ولقد كان لتقلبهم في الأرض ولركوبهم البحر آثار على تصورهم للعالم، أسهم في ذلك رحلات المرتحلين لأغراض علمية أو سياسية أو دينية (ويكفي أن نذكر بأسباب رسم خريطة الإدريسي1100-1166) وأسهم فيه غزوهم ومحاولاتهم لتوسيع عالمهم الخاص، ولكن عاق هذا التوسيع إكراه المحيط سواء أكان طبيعيا أو إنسانيا وعجز الآلات التي كانت تستطيع ولكن لحدود، كالأسطول والبوصلة والأسطرلاب، لنقل إن ذلك كله كان بسبب طبيعة الهندام، ولنعرف الهندام، موسعين مفهومه الذي استعمله ابن خلدون، بأنه مجموع ما توفر لديهم من الآلات والعُدد المادية والنظرية التي كانت لها سرعتها في حل المعضلات المعترضة، وذلك كله من أجل أن يحضروا حضورهم الخاص في العالم.

من النظريات التي ورثوها نظرية الأمزجة، إنها النظرية التي ورثها المسلمون عن اليونان. وهي التي ترى أن الصحة بسبب اعتدال الأمزجة والعلة بسبب اختلاله. ندرك البعد الذي يفصلنا عن هذه اللغة بأن نذكر بالنظريات المكونة للغة الجديدة: نظرية التطور الحديثة والنظرية الخلوية ونظرية الجينات.

ومنها النظرية الجغرافية التي تقسم الأرض سبعة أقاليم، وهي التي تعتبر أن أعدل الأقاليم الإقليم الرابع، ونظرة إلى خريطة الإدريسي قد تجعلنا ندرك في برهة نهايات الأرض في الصورة القديمة، وحصائل ما انتهوا إليه نتيجة استكشاف القريب منها واستشراف البعيد.

أما فيما يتعلق بالكون أي بجملة ما هو موجود فقد اعتبرت الأرض ساكنة وفي مركز الفلك، وينقسم الكون عالمين عالم حشو فلك القمر وهو عالم الكون والفساد وعالم ما فوقه، وعالم ما فوق القمر هو عالم كامل.

لقد كانت الثورة الغاليلية وبعدها النيوتنية كما بين ذلك كويري Koyréسببا في إزالة الحدود بين العالمين والتسوية بينهما، فعدت القوانين التي تحكم العالم في صورته الجديدة قوانين موحدة[1].

العقائد ذاتها لم تنج من التبعية لما كان موروثا من النظريات، فكانت فاعلة في تحديد التصورات عن الروح والألوهية وعلاقة الله بالعالم.

العالم الإلهي وراء الفلك، الأرض التي هي منزل الإنسان في حضن العالم، والعالم منزل أعظم وواضعه وراءه.

إن من الآراء الفلسفية المستوحاة من العقائد الدينية ما كان قادرا على التخليص من إسار النماذج اليونانية الموروثة، كالآراء التي ضمنها أبو حامد الغزالي في كتاب "تهافت الفلاسفة" ومنها مذهبه في عدم قدم العالم، ومذهبه في السببية التي اعتبرها غير ضرورية، ولكن هذه الآراء لم يقدر لها أن تترجم باستنباط ما يقتضيه الأمر علميا.

هذه بعض الآلات النظرية التي تفاعلت مع الآلات الصناعية لتشكيل الهندام، ومنحت للتجربة إيقاعها وسرعتها، ولكن رسمت أيضا ما يستطاع وما يعجز عنه.

طبيعة الهندام الذي برز الآن يستطيع حيث كان يعجز الهندام القديم ويضع معالم جديدة للتوجه في ما هو موجودالهندام الجديد ليس هندامنا بمعنيي التملك والتحكم الكاملين المستقلين، ولكن لو كان بالإمكان أن يصير لنا لميزنا في ما هو موجود مسالك جديدة، ولمنحنا لما هو رمزي في ثقافتنا معاني أرحب.



[1] - Alexandre Koyré, Etudes Gliléennes,, Edition Hermann, juin 1986, p 224.


تاريخ النشر : 17-07-2008

6310 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com