آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

حقيقة الجهاد في الإسلام..وجهة نظر مسيحية

هشام منوّر


لم تكن قضايا من قبيل مفهوم الجهاد وأحكامه، وأسلوب التعامل مع النص القرآني وأدواته، والعلاقة مع الآخر المتغول علينا عسكرياً وثقافياً، ونموذج الدولة الإسلامية، والمناهج التعليمية، وغيرها من القضايا لتنال كل هذا الاهتمام لو لم يتحول (الإسلام) إلى بؤرة الحدث والأهمية بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فالرغبة المحمومة التي تعرفها الدوائر الغربية لاكتناه الإسلام وعقائده وتصوراته ومفاهيمه تمثل الهاجس الأكبر في تناول هذه القضايا وسبر أغوارها وآثارها على حد سواء.
يندرج كتاب (وجهة نظر مسيحية دفاعاً عن الجهاد، حقيقة الجهاد)، لمؤلفه أرشي أوغستاين، (دار صفحات، دمشق، ط1، 2008م) في سياق الدراسات المتناسلة حول القضايا المتقدمة، ويركز على قضية مشروعية الجهاد والتهم الملصقة به، وكيفية تعامل الغرب مع هذا المفهوم ومدى شرعية سعي بعض التيارات الإسلامية لاستعادة نظام الخلافة الإسلامية.
وتنبع أهمية الكتاب من خلال تمثيله لوجهة نظر غير إسلامية منصفة، عايشت عذابات المسلمين في عدد من البلدان (البوسنة وفلسطين) من خلال عمل المؤلف (الحاصل على إجازة في الحقوق) في عدد من البرامج التطوعية، ومعاينته المباشرة لمنعكسات سوء فهم الإسلام على علاقة الآخرين بأبنائه.
وفي لهجة غير مألوفة، يحاول المؤلف تبديد المخاوف المتنامية حول خطر (المد الإسلامي) في أوروبا والولايات المتحدة وعزو وجودها إلى جهل غير المسلمين بالإسلام، وذلك بعد اطلاعه على نسخة من القرآن الكريم. مؤكداً على أن الاستنتاجات والحقائق التي توصل إليها في بحثه جاءت من خلال معايتنه ومطالعته للنص القرآني وبناء على دراسة معمقة له. 
ينطلق المؤلف في فصله الأول من بيان ماهية الأصولية الإسلامية والتي تهاجم في الغرب على نطاق واسع، فيرى أنها تقوم على اعتقاد التفسير الحرفي لآيات القرآن الكريم كما تنزلت تمامًا رغبة في إعطاء المعنى الظاهر للآيات، وهو ما يعده توافقاً مع القواعد المعاصرة لتفسير نصوص القانون, ويخوض في محاولة بيان أسباب حرص وسائل الإعلام الغربية على تشويه مصطلح (الأصولية الإسلامية) وإظهار الأصوليين الإسلاميين بشكل مغاير للواقع، في الوقت الذي لا تقوم فيه وسائل الإعلام الغربية بالشيء نفسه مع الأصوليين المسيحيين.
ويرد ذلك إلى إسقاط غالبية الحكومات الغربية للدين من دائرة اهتماماتها في سياق سعيها وراء الثروة التي تعتبر دعامة للمعتقدات التي ترتكز عليها. ويقرر المؤلف أن الدين الإسلامي هو "آخر الديانات التي تتمسك بأصولها"، وأن تيار "الأصولية" يسعون في سبيل "الحفاظ على التغيرات ضمن نهج السنة المتفق مع القرآن", و"حماية الإسلام وطقوسه من أي هجوم خارجي أو فتنة داخلية".
ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى التأسيس لمشروعية المقاومة (أو الجهاد) بغية توضيح ذلك للإنسان الغربي، معتبراً أن مقاومة الاحتلال أمر شرعي من وجهة نظر إسلامية تستند بشكل واضح وبسيط إلى الأمر القرآني: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة 190). فالجهاد في الإسلام، من وجهة نظر المؤلف، مشروع لغايات دفاعية, دون أن ينفي إمكانية شن الهجوم وحتى القيام بضربات وقائية، إن استدعى الأمر. مقارناً بينه وبين قانون الدفاع عن النفس كما هو معروف بشكل شائع في المحاكم العلمانية.
ويرى الكاتب في الفصل الرابع أن تنامي المشاعر الإيمانية في المجتمعات الإسلامية هو الحاضن الرئيسي للحفاظ على مشروعية الحركات المقاومة واستمرارها على الرغم مما تعانيه من ضربات وهزات، الأمر الذي يفرض على الإنسان في الغرب ضرورة زيادة الوعي بالإسلام, وتجاوز محاولات "نبذه" المتعمدة استناداً إلى الخوف من سرعة تمدده وانتشاره.
فبسبب تلك المخاوف الغربية والرغبة في تحجيم تعاظم انتشار الإسلام، قام الصرب بجرائم إبادة جماعية بحق مسلمي البوسنة لاعتقادهم بعدم وجود عواقب لجرائمهم، فيما لم يكن تدخل الغرب في نهاية المطاف إلا خدمة لمصالحه الخاصة. في الفصل الخامس، يؤكد المؤلف أن محاولات الفهم والاحترام المسيحية للإسلام إنما تتأتى فقط من المسيحيين التقليديين غير المتشبعين بالرؤية النفعية للأمور، وفي الوقت الذي تشهد فيه الديانة المسيحية تراجعاً على صعيد المكانة داخل مجتمعاتها، فإن منعكسات ذلك على الإسلام يتمثل في العداء المفتوح والمقرون بالدعاية المضادة. ويرى المؤلف أن اتخاذ المواقف المشتركة حول المبادئ الأخلاقية الدينية وعلاقتها بالمنشآت السياسية الاجتماعية الوطنية إنما يندرج في مصلحة كل من الديانتين (الإسلامية والمسيحية). ليؤكد بعد ذلك على ضرورة أن يكون المسلم محكومًا بالقرآن لا بالمؤسسات العلمانية، وأنه من غير الصحيح أن ما يشاع حول رغبة المسلمين في فرض نظام إسلامي على كل شخص دون استثناء. وأن تعاليم الإسلام تمنح الحق لغير المسلمين بإدارة شؤونهم الخاصة التي لا تتعارض مع مبادئ النظام العام الإسلامي.
أما عن سعي المسلمين لإقامة دولة إسلامية واحدة من خلال إزالة الحواجز الإقليمية بين الدول الإسلامية، فيرى فيه المؤلف حقاً مشروعاً، مبرراً ذلك بعدم اعتراف المسلمين بحدود وهمية رسمها الاستعمار الأوروبي لتسهيل سيطرته ونهبه لثروات الشعوب الإسلامية. ويشير في الفصل الأخير إلى أن القرآن الكريم "يشكل مرآة للبشر, حيث نرى الرجل على حقيقته ونرى كل عيوبه وظلمه وجبنه". متبنياً وجهة النظر السائدة في تبرير ما قد يأخذه الغرب على المسلمين من تطبيق للحدود؛ كبحاً للأعمال الأثيمة للبشر من خلال الحدود الصارمة.
قد يبدو الكتاب للوهلة الأولى مجرد محاولة جريئة من قبل "الآخر" لسبر أغوار واحدة من أعقد القضايا التي تشكل رهاباً نفسياً بالنسبة له، بيد أن أسلوب التناول والمعالجة من قبل المؤلف يرسم العديد من إشارات الاستفهام حول مدى قناعة الطرف الآخر (المسلمين) بجدية هذه المحاولة وموضوعيتها في ظل واقع مؤلم بات فيه البحث عن نقاط الالتقاء كسراب يحسبه الظمآن ماء.


تاريخ النشر : 28-07-2008

6135 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com