آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

الأطروحة المعرفية: النظر الكلي والشامل للفعل السياسي

خالد بايموت


أصبح الحديث عن حزب العدالة والتنمية المغربي عند أعضائه والباحثين والمناوئيين للظاهرة الإسلامية المعاصرة يكتسي طابعا تثاقفيا أحيانا وإيديولوجيا أحيانا أخرى. فقد أثارة نكسة انتخابات 07 شتنبر 2008 عاصفة من النقاش داخل الحزب الإسلامي المغربي، مما أرغم قيادته على إطلاق حوار داخلي موسع حول مشروعه، ووظيفة الحزب ومستقبله السياسي؛ لكن سرعان ما انتقل الحوار من الاجتماعات المغلقة إلى جريدة الحزب المسماة العدالة والتنمية عدد130 بتاريخ 4/5 يونيو 2008، حيث نشر الأمين العام ورقة تقدم بها للندوة الثانية المغلقة من الحوار الداخلي، المنعقدة داخل أحد الفنادق جنوب العاصمة الرباط تحت عنوان، "حزب العدالة والتنمية من الهوية إلى التددبير"؛ وتناولت أطروحة سعد الدين العثماني ضرورة تحول العدالة والتنمية، من الحزب الإسلامي المنافح عن الدين، إلى حزب تدبيري يحقق الانتصار لمشروعه السياسي انطلاقا من النزاهة والشفافية والصدق المحقق جراء إدارة البلديات والمشاركة البرلمانية.
وأحب أن أؤكد منذ بداية هذا المقال، أن الحلقات المترابطة بين النظام المعرفي للإسلاميين، وتعقد الواقع السياسي للدولة التسلطية الحديثة، تجعل الفعل السياسي للإسلاميين في حالة من الفصام بين النموذج المثالي، وإشكالية استبدادية الحداثة السياسية العربية المعاصرة.
ومن المهم كذلك أن نشير أن تناول الانتقالات الوظيفية للتنظيمات الإسلامية، تخضع لقانون الظاهرة الاجتماعية، وأن الفارق في النظام المعرفي لهذه التنظيمات مع غيرها، لا يعني تميزها في سيرورة الناموس الاجتماعي رغم توارثه التاريخي للدين والتدين. 
إن التعامل البحثي للإسلاميين مع الوظيفة التنظيمية لإطاراتهم السياسية، يجب أن يندرج في دائرة إدراك القصور، والتفكير بالمستقبل حسب منظور واضح، ومن هنا يصبح الجانب النظري العمود الفقري للفعل الواقعي، بينما يصبح الارتهان لضغوطات الواقع، والتكيف معه محض مساومات فكرية، وتأجيل للأزمة. تفترض الدراسة العلمية أن غياب المنهج عند التطرق لقضية ما، هو في حد ذاته أزمة في منهج التفكير، وبالتالي في منهج الموازنة والترجيح اللذين يقوم عليهما العمل السياسي العام، وامتلاك هذا المنهج يوثق الصلة مع مصادر التنظير الإسلامي قرآنا وسنة، وبالتراث السياسي المتصل بالنظام المعرفي الكسبي للأمة. 
كيف يمكن إذن النظر إلى وظيفة العدالة والتنمية كحزب سياسي ذي مرجعية إسلامية، في ظل الخصوصية المغربية المزعومة؟ سأحاول الإجابة عن هذا الإشكال بالتطرق لأطروحتين تخترقان أعضاء حزب العدالة والتنمية في قمة هرمه وقاعدته. 

الأطروحة التقنية /التدبيرية، وتعتمد على إثارة الوظيفة من الجانب العملي، وتهمش فلسفة الوجود لصالح فلسفة الإنجاز، كما تنشغل بآليات العمل وتجويده، ودرجة اختراق المؤسسات المستقبلة للعمل السياسي الحزبي كالجماعات المحلية، والبرلمان.. كما تستحضر الآخر ورؤيته عن الحزب، والصعوبات الناجمة عن اعتبار الحزب إسلاميا، وتنتهي إلى تقرير أن توسعة الحزب وفكرته السياسية إنما تتحقق وترتبط بنجاحات الحزب، و قدرته عمليا على تدبير الشأن العام. 

الأطروحة المعرفية، تتسم بالنظر إلى كلية الأمور السياسية قبل أجزائها، ودفاعها المستميت على أسبقية البعد النظري على الإنجاز العملي في العمل السياسي، كما أنها تنظر للحزب كمؤسسة من داخل المؤسسة الكبرى (بتعبير عالم السياسة ديفرجي)، وبالتالي فنجاح الحزب إنما يتحدد داخل النسق السياسي للدولة، وليس داخل جماعة محلية، أو في الإنجاز البرلماني. 

أولا: الأطروحة التدبيرية التقنية

نسجل بداية أن أسباب نزولها تكمن في محاولة أصحابها الإجابة عن أسباب المسيرة المتعثرة للأحزاب الإسلامية داخليا، والتكيف مع التحولات الدولية "الضاغطة و الطارئة"، حيث تراجعت أمريكا في الدفاع عن الديمقراطية في العالم العربي. فقد وجدت الرؤية التقنية، أن زخم المشاركة للإسلاميين ودخولهم للمؤسسات التشريعية والتدبيرية، يتآكل عدديا في الأردن والجزائر والكويت؛ ومهمش في المغرب ومصر، كما أن العمل الجماعي يواجه بالفساد الصغير، والمتوسط، ويأكل من مخه، لذلك فإن العدالة والتنمية المغربي يجب أن يواجه الفساد، ويسير المصالح العامة بشكل جيد لرفع الحصار عن المشروع السياسي للحزب عبر الثقة الجماهيرية التي سيكتسبها جراء الإنجاز الميداني. 
والغريب أن هذه الرؤية لا تهتم كثيرا بسؤال الدولة الحديثة، وإفرازاتها الاستبدادية في العالم العربي؛ وترضى بالعمل من داخل نسق مهيمن على الوحدات الصغرى، مثل الأحزاب والمؤسسات الدستورية الشكلية؛ كما أن هذه الرؤية تهمش الجانب القانوني في علاقته بالمدبر الفرد أو الهيئة الحزبية، وتدعي القدرة على تحقيق الإنجازات بتطبيق سياسة عمومية مفروضة على الحزب، أو العمل محليا على أسس قانونية يتحكم فيه ما هو مركزي في اللامركزي، ولا يترك له إلا هامشا محددا ومتحكما فيه. 
وحتى لا تظهر هذه الرؤية كعارضة لقدراتها للعمل عند الدولة ونظامها السلطوي، تضرب مثالا بالنموذج التركي الناجح في التدبير، وما حققه من تجرد في السلوك السياسي من هاجس الهوية الإسلامية، ومن "قدرة فائقة" في إدارة الصراع الداخلي، والتكيف مع التحولات الدولية الضاغطة. يحصل كل هذا دون أن تخبرنا الرؤية التقنية عن كيفية وصول طيب أردوغان ..إلى هذه النتيجة؟ وكيف يرتبط مع قاعدته المتدينة؟ وما طبيعة الحزب الداخلية في علاقته بالقطاعات الموازية؟ 
إن إيَّ تحديد موضوعي لقدرة العدالة والتنمية المغربي على المستوى البنيوي، وعلاقة الدولة بالأحزاب تجعل المقارنة بين الحزبين مجرد تمنيات لا علاقة لها بالواقع ولا بالمستقبل المنظور. 
يبقى أن نشير أن هذه الرؤية للقيادات الإسلامية المغربية، هي تعبير عن أزمة المشاركة السياسية، وعدم توازن التكلفة الباهظة والمرودية المحدودة، وبالتالي تسعى للحفاظ على الحد الأدنى، وتزعم استثمار المشاركة للتقليل من قمع الدولة للفاعل الإسلامي، والظهور بمظهر المتمسك بالتغيير التدريجي السلمي، وهي رسائل سياسية تطمينية للنظام السياسي. وفي نفس الوقت حوار داخلي يعيد طرح سؤال الأولويات، والوظيفة السياسية، وعلاقة كل ذاك بالمرجعية الإسلامية للحزب. 

ثانيا: الأطروحة المعرفية

نقصد بالأطروحة المعرفية، النظر الكلي والشامل للفعل السياسي من حيث وجوب التأسيس على المنطلق النظري الحاوي للنموذج والمثال، والمحكوم بقيم عليا لا تخضع نواتها للتغيير ولا لضغوط الحراك السياسي، ولهذا فإن الرؤية المعرفية تنتج رؤية للعالم تؤطر كافة أشكال الفعل الاجتماعي، وتوجهه قيميا لخدمة المنطلق العقدي ونسقه المكرم للإنسان، سواء كان نظيرا في الخلق أو أخا في الاعتقاد. ولعل هذا الإحساس بقيمة البعد النظري هو ما دفع الفقه قديما للبحث عن تعريف للسياسة يتماشى والمذهبية الإسلامية التي تحض على النظر قبل العمل؛ ومن ذلك طرحه لمفهوم عام للسياسة، واعتبرها "أخذَ الناس إلى الصلاح، وإبعادهم عن الفساد"، أو هي "جلبُ المصلحة ودرء المفسدة"؛ حتى إن ابن عقيل الفقيه الحنابلي يقول: "لو أنك تقصد أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع؛ فهذا غلط وتغليط للصحابة..السياسة هي أي فعل يكون فيه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، ولو لم يفعله الرسول، ولو لم يرد فيه نص قرآني".
ولعل عمومية التعريف لا تعني ضبابية المنطلق العقدي وقيمه، وبالتالي فالفعل السياسي إنما يتحدد من خلال الاقتراب من القيم الإسلامية، وليس الاقتراب من التعريف الفقهي للسياسة. وخلق الآليات الحديثة مثل الأحزاب يندرج ضمن العمومية لا الضبابية الممارسة السياسية، ووظيفة الحزب الأولى هي تنشيط وتوسيع دائرة القيم بالاشتغال بالسياسة مؤسساتيا، ومن هنا فهو يشارك ويتحالف سياسيا على أساسها، بكلمة فالحزب ذي المرجعية الإسلامية حزب تفعيلي للقيم داخل النسق السياسي وليس فقط داخل مؤسسات الدولة .
ولأن الحزب السياسي يسعى دائما إلى أحسن صيغة لإدارة الشأن العام، فإن ذلك لا يكون برفع شعار التدبير ولا شعار الهوية، وإنما بإيجاد بناء نظري استقبالي لمعطيات الواقع السياسي، من خلال عمل الحزب على مستويات عدة تهم مباشرة مستقبل السياسة، والضرورات الشرطية للعمل العام داخل الدولة الحديثة. ومثال ذلك قيمة العدل، ومن العدل إعمال الديمقراطية، والدفاع عنها داخليا، وفي علاقة الحزب بالدولة ومؤسساتها.
فعندما نتحدث عن العدالة والتنمية المغربي، وعن مفهوم التدبير فذلك لا يعني تقزيم التدبير في العمل التقني داخل البلدية أو البرلمان المحاصرين أصلا ، وإنما وجب ربط وظيفة الحزب بالمرجعية العليا – القيمة- المتمثلة في العدالة؛ ففي جو الاختناق السياسي المغربي الحالي، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه على الحزب، هو هل يساهم كتنظيم سياسي شرعي في دمقرطة الحياة السياسية؟ وهل تخرج بنيته التنظيمية عن النظام الحزبي العربي القائم على الالتفاف حول الزعيم؟ وما دوره في إرجاع القيم إلى الحياة السياسية الوطنية؟
فقد عملت الدولة على استقطاب التدبيرين التقنوقراطين، وزورت لصالحهم في الانتخابات السابقة، أو منحت لكفاءات علمية منهم منصب الوزير، ورؤساء المؤسسات العمومية..، ولكن ظلت أزمة الفساد البنيوي قائمة وتتعاظم منذ الاستقلال، فلا يمكن الجزم أن المدبر المستقطب لا يتقن العمل التدبيري ، فماذا وقع أذن؟ لقد ظل العمل التدبيري بعيداً عن القيم المحققة للعدالة والديمقراطية، وخضعت مؤسسات الدولة المستقبلة للفاعل السياسي والتقنوقراطي لهيمنة سلطوية فوقية من طرف الدولة، مستغلة بذلك ترسانة قانونية موضوعة على المقاس. وبالتالي فإن الحديث عن التدبير هو في المقام الأول حديث عن المنظومة القانونية، وتبعا لذلك الحديث عن القانون الأسمى الذي يمثله الدستور، وصولا إلى القانون العادي؛ وسؤال التدبير في حوار العدالة والتنمية لم يطرح إلا في ظل الإحساس بالأزمة، أزمة محدودية سقف سلطة البرلمان، والمجلس البلدي، مما وضع خيار المشاركة السياسية في النفق المظلم. فهذا الخيار الذي أسس له معرفيا بنصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتعرض الآن لتشكيك من قبل قواعد الحزب استنادا لنتائجه الهزيلة، فلم يستطع حماية التدين والمتدينين، بل هدد الحزب نفسه بالحل بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، ولم توسع المشاركة من دائرة موائمة التشريعات مع الشريعة الإسلامية... كما أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية لمغرب اليوم سارت بشكل لا يمكن التأثير عليها، حتى ولو تسلم العدالة والتنمية رئاسة الحكومة، فلم يعد خافيا حتى على الطالب في السنة الأولى في الحقوق أن نظام السلطات في الدستور يضيق الخناق على التقنوقراط فكيف بالسياسي؟
إن توسيع دائرة الفعل السياسي، والحفاظ على بريق المشاركة السياسية لا يتحقق، في غياب مبادرات تنظيرية وعملية تحدد الخيارات بشكل واضح ونضالي، وتعلن تحيزاتها القيمية، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، حتى ولو تعارض ذلك مع استحقاقات الدولة المغربية التسلطية وخطابها الديني المحافظ.
إن الإحساس المستبطن بمحدودية المشاركة يلزم أن يصاحب، بخطة مستعجلة لتخطي الأزمة السياسية بالمغرب، وربط ذلك بوظيفة الحزب، وطبيعة تحالفاته، وعلاقة ذلك بمخططه على المدى المتوسط والبعيد المدى. فإذا كانت المشاركة السياسية لا تفعل الديمقراطية وحقوق الإنسان فإن المراهنة عليها لا يجب أن تنصب على جانبها التقني، بل على العوامل المتحكمة في المؤسسات وفصل السلطات دستوريا، أما الاستكانة لمخطط قتل السياسة باحتكار السلطة عبر الدستور الغير الديمقراطي، أو طرح الوظيفة الحزبية من جانبها التدبيري فلن يؤدي إلا إلى إضعاف دور الوسطية الإسلامية في الفعل السياسي مستقبلا.


تاريخ النشر : 05-08-2008

6359 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com