آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

فلسفة الموت عند الإمام باقر الصدر من خلال كتابه" المدرسة القرآنية"

سهام عبد الرزاق


يعد الإمام باقر الصدر- رحمه الله- من علماء هذه الأمة الشاهدة الذين غذوا العلم من أعمارهم المباركة وسعوا في الأرض مجاهدين بأنفسهم في سبيل رفع لواء التوحيد. ويعد كتابه:" المدرسة القرآنية "من الكتب التي لها سبق الفكرة وجدة الموضوع ، فقد عمل الإمام فيه على إبراز المفاتيح العلمية والمنهجية فيما يختص بموضوعي: سنن التاريخ والتفسير الموضوعي. وأثناء طرحه –رحمه الله- لفكرة السنن التاريخية تعرض لفكرة الموت على أساس أنها مساحة لا تتحكم فيها السنن التاريخية، والحقيقة أن طرحه كان غريبا جدا؛ ولا أقصد بذلك قوله أن الموت لا تتحكم فيه السنن التاريخية –فهذا مجال آخر- وإنما تكمن الغرابة في تفسيره للموت في حد ذاته.

يقول الإمام: "(.... هناك حوادث لا تنطبق عليها سنن التاريخ بل تنطبق عليها القوانين الفيزيائية, أو الفسلجية أو قوانين الحياة أو أي قوانين أخرى لمختلف الساحات الكونية. مثلا موت أبي طالب. موت خديجة في سنة معينة, حادثة تاريخية مهمة تدخل في نطاق ضبط المؤرخين وأكثر من هذا هي حدث ذات بعد في التاريخ ترتبت عليها آثار كثيرة في التاريخ ولكنها لا يحكمها سنة تاريخية, تحكمها قوانين فسلجية, تحكمها قوانين الحياة التي فرضت أن يموت أبو طالب (رضوان الله عليه) وأن تموت خديجة (ع) في ذلك الوقت المحدد, هذه الحادثة تدخل في نطاق صلاحيات المؤرخين ولكن الذي يتحكم في هذه الحادثة هي قوانين فسلجية جسم أبي طالب و جسم خديجة, قوانين الحياة التي تفرض المرض والشيخوخة ضمن شروط معينة ...)(1).يبدو تعبير الإمام باقر الصدر عن فكرة الموت تعبيرا متناقضا تماما, متناقض مع الحقيقة القرآنية من جهة,و متناقض مع الواقع الملموس من جهة أخرى. إلى جانب ما يحويه من أفكار غريبة عن تحكم الحياة في الموت وارتباط الموت بفسلجة جسم الإنسان.

إن الحياة لا تتحكم بأعمار الناس, بل المتحكم هو الله سبحانه الذي قال في محكم تنزيله: ( هو الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور)(2). فإذا كانت الحياة مخلوقة و الموت مخلوقاً فكيف يتحكم أحدهما بالآخر.إنه لا يمكننا على الإطلاق أن نجعل الموت كالولادة و النمو، ذلك بأن الولادة و النمو بالانتقال من مرحلة إلى أخرى يمكن تعليلها وربطها بأمور محسوسة. أما الموت فمن المستحيل على أي مخلوق أن يربطه بأي قانون, أو أن يتنبأ بحدوثه بناء على أي ظاهرة من الظواهر, حتى وإن كانت هذه الظاهرة وجود خلل كلي في جسم إنسان ما أدى إلى توقف معظم نشاطاته الفيزيائية.إن الموت مرتبط فقط بشيء واحد, وهو الإرادة الإلهية. يقول تعالى:( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت...)(3). ويقول

تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا)(4) .إننا لا نستطيع أبدا ربط موته- صلى الله عليه وسلم- بعد تمام التبليغ الرسالي بأي قانون فيزيائي يرتبط بفسلجة جسمه الشريف –صلى الله عليه وسلم –، وليس مرضه الأخير بذلك السبب الفيزيولوجي الذي يمنع استمرار حياته -صلى الله عليه وسلم – ولكنها الإرادة الإلهية التي اقتضت ذلك.

إن القوانين الفيزيائية التي تحدّث عنها الشيخ باقر الصدر ليس لها أدنى دور في موت أو في بقاء الأشخاص, فنحن نرى أن الصبي ابن العام والعامين يموت وجسمه في أوج نشاطه,فلا مرض و لا شيخوخة, ونرى بالمقابل الشيخ ابن الثمانين وابن المائة يبقى حيا رغم أن نشاط جسمه ضعيف جدا. وبهذه الحقيقة ينطق قوله تعالى:( و الله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير)(5).

إن مثل هذا التفسير الذي تقدم به الإمام باقر يبعدنا تماما عن حقيقة قرآنية خالصة, وهي أن الحياة ليست جهازا عضويا قائما تؤول إلى النهاية بمجرد عطب هذا الجهاز. إن الحياة هي تلك النفخة الربانية التي لا يمكن أن يتحكم بها أي قانون فيزيولوجي, وإنما المتحكم فيها هو الله سبحانه وتعالى بإرادته و بمشيئته وحسب حكمته التي يقتضيها. وهذه النفخة يقول الله عز وجل عنها:( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)(6). و فقه هذه الحقيقة فقها سليما يجعل الفعل الإنساني يتجه نحو الجدية في تحقيق إرادته وفق ما تقتضيه الإرادة الإلهية, فتصبح بذلك حقيقة الموت ذات " قيمة إيجابية فاعلة في تاريخ البشرية وتحد خطير يضع الإنسان دائما في موقع التوتر و الرد و الفعل والإبداع"(7).

إن القرآن الكريم بطرحه لهذه الحقيقة ينبه الفكر الإنساني إلى أن هناك إرادة فاعلة في هذا الوجود لا يستطيع ردها حتى عن أخص شؤونه. ليس هذا من أجل إذلاله و تحقيره, وإنما من أجل ربطه وربط إرادته بتلك الإرادة الإلهية, فيكون عطاءه الفعلي في مستوى مكانته في هذه الحياة.

الهوامش:
1-المدرسة القرآنية،محاضرات سماحة الإمام محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات-بيروت-، ط:02، 1981م، ص: 87. 
2- الملك: 02.
3- لقمان: 34.
4- آل عمران: 145.
5- النحل: 70.
6- الإسراء:85.
7- عماد الدين خليل، التفسير الإسلامي للتاريخ، ، دار العلم للملايين، ط 2، 1981م، ص: 136.


تاريخ النشر : 17-08-2008

6152 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com