مقدمة: يوسف القرضاوي والمرجعية
يشكّل الشيخ د. يوسف القرضاوي علامة على مرحلة تاريخية بارزة في الفكر والفقه والحركة معاً، والكتابة عنه أو دراسة مسيرته وأفكاره شديدة التركيب؛ إذ إنها -إلى حد كبير- دراسة لملامح الفكر الإسلامي المعاصر في تداخله مع الفقه من أجل خدمة هدف واحد هو مرجعية الشريعة، التي تشكل الأساس الذي قامت عليه الحركة الإسلامية التي دُعيت باسم "الإسلام السياسي".
ثم إن دراسة فقه القرضاوي من شأنها أن تقف على المآل الذي وصلت إليه مسيرة الإصلاحية الإسلامية التي بدأها الإمام محمد عبده (ت 1905م) في مصر، وتوارد عليها جيل من العلماء الكبار، يُعدّ القرضاوي من خاتمتهم؛ ففتاويه "تعكس التوجه الاجتهادي، والوعي العميق بالزمن والسياق التاريخي، ومتغيرات الاجتماع لدى الإصلاحية الإسلامية، بعد أكثر من قرن على نهوضها ... وهو أحد الشهود الكبار على تحولات الفقه والسياسة والفكر خلال النصف الثاني من القرن العشرين."
وإلى الشيخ القرضاوي -مع الشيخ محمد الغزالي رحمه الله- يرجع الأثر الكبير في ظهور ما سُمي بالصحوة الإسلامية، التي أعادت الطابع الإسلامي للحياة العامة، من خلال تحويل ميراث الإصلاحية الإسلامية إلى ميراث شعبي جماهيري، الأمر الذي أثار العلمانيين العرب، ودفعهم إلى سجال مكثف مع الإسلاميين. وتزعّم القرضاوي مع الغزالي بعض تلك المناظرات العلنية في مصر، وهي تشبه -من حيث الموضوع- ذلك الجدل الذي دار بين الإمام محمد عبده، والمفكر العلماني اللبناني فرح أنطون (ت1922م) في القرن التاسع عشر حول العلمانية أيضًا.
ومع تقادم الزمن وتطورات الحياة، تعاظم دورُ القرضاوي، حتى أصبح يمثل -إلى حدٍّ كبير- الفكر الإسلامي، فغدا فقيهًا مجتهدًا يملك من التأثير والمرجعية ما لا يتوافر لغيره. بل إن واحدًا من أعدائه يقرّ له بأنه يمثل "أباً روحيّاً" لحالة حركية سياسية إخوانية، وبأن اسمه راح يتكرس كـ "بابا للعالم الإسلامي." ويقرّ آخر بأن القرضاوي وآخرين -كالمودودي وقطب- "استطاعوا إشغال الفكر العربي الليبرالي المعاصر، وصرفه عن الاهتمام بقضايا أكثر حيوية وأكثر جدية ومصيرية."
والسؤال عن المرجعية المرتبطة بشخصٍ، سؤال غريب عن العالم السُّنِّي، فالفكر الإسلامي السُّنِّي مبنيّ على مرجعية فكر ومنظومة، وليس مرجعية أشخاص. وعلى فرْض تحقق المرجعية لبعض الأشخاص، فإن مرجعيتهم تبقى محصورة للمنتمين إلى جماعتهم أو حزبهم، مثل مرجعية تقي الدين النبهاني (مؤسس حزب التحرير) بالنسبة لأعضاء حزب التحرير مثلاً، أو مرجعية حسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين) للإخوان المسلمين، إلى غير ذلك. لكننا مع القرضاوي في مرحلة متجاوزة لتلك المرجعيات الجزئية أو الحزبية، ومرجعية القرضاوي ثابتة لدرجة أن شخصًا مثل حسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله) وصف القرضاوي بأنه "يمثل ما يشبه المرجعية عندنا"، ويقصد المرجعية الشيعية، وما هذا إلا لأن تأثيره شمل العالم الإسلامي كله، وبذلك تجاوز المرجعية الحزبية الضيقة، فهو يمارس سلطة راسخة في المجالات العلمية والحركية أيضًا، وعلى مستوى النخب والجماهير؛ إذ يحتفي الرؤساء والحكّام، بما يعكسه ذلك من قوة تأثير، وتحرص معظم المؤسسات أو النشاطات العلمية والخيرية على وجود اسم القرضاوي فيها، بما يمنحه من مصداقية ومشروعية لها، وجماهيرية عريضة.
ولعل مما له دلالة هنا: حضوره وتأثيره في ثلاث قضايا كبرى وقعت مؤخرًا: أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية، وتصريحات بابا الفاتيكان التي سببت أزمة في العالم الإسلامي، ثم المشكلة الشيعية السُّنية؛ إذ كان لتصريحاته النقدية حولها تأثير كبير، حتى تجرّأ بعدها الناس على انتقاد "محاولات التقريب بين السُّنة والشيعة"، لا سيما بعد أن تسلَّم الشيعة السلطة في العراق.
ومن المهم القول هنا: إن المرجعية تتلخص في قوة التأثير والحجم الجماهيري، وإن الأصول الفكرية والفقهية والثقافية للخطاب الإسلامي المعاصر، ترجع في قسمٍ كبير منها إلى صياغة القرضاوي نفسه، فاجتهاداته أصبحت تشكل معتقدات وقناعات جمهور عريض من المؤمنين، وتصدر عنها المشروعية الدينية السائدة.
وبناء على ما سبق، نرى أن مرجعية القرضاوي ليست من نمط المرجعية الشيعية، وهي ليست إلزامية تفرضها البنية (الكهنوتية) كما هو في المرجعية الشيعية، وإنما هي مرجعية اختيارية فرضتها عوامل عديدة كما سنشرحها في هذه الدراسة: شخصية وعلمية وإعلامية وسياسية. فالجمهور الذي يرجع إليه، اختاره طوعًا، دون أن يوجد في الإسلام -وفق المعتقد السنّيّ- ما يفرض اختيار القرضاوي دون غيره، فالأمر المقرر في الشريعة هو مرجعية "العلماء/ أهل الذكر"، لكن ذلك غير مختصٍّ بفرد دون آخر، ثم إن هؤلاء العلماء ينتمون إلى منظومة فكرية متحدة الأصول والقواعد، ومتواصلة مع تراث العلماء السابقين عبر القرون.
ثم إن المرجعية هنا نابعة من مركّبات عدة متضافرة معًا، من خلال الأدوار التي تقوم بها: الكتابة التي تتوزع على المجال العلمي الأكاديمي الذي يبني معرفة، والتنظير الحركي الذي يسدُّ فراغًا داخل الحركة الإسلامية السياسية، والكتابات الدعوية العامة التي تخاطب الجماهير العامة، والخطابة، والإمامة، والإفتاء، إضافة إلى الأدوار الاجتماعية العامة، والسياسية المتعلقة بالشأن العام، وهذه الأدوار أدت بالقرضاوي إلى ممارسة وظائف مهمة تشكّل "الرأي العام"، كانت تمارسها -تاريخيًّا- "طبقة" تسمى طبقة العلماء، وذلك قبل نشأة الدولة الحديثة، من خلال المكانة والسمعة التي يحتلها العالم بين أقرانه، ومكانته عند الجمهور الذي يستقبل آراءه وفتاواه، ويعتقد بصحة أفكاره. وفي هذين البعدين تكمن المنزلة الرفيعة، والتقدير، والاحترام الجماهيري الذي يحظى به العالم، ويكفل له نوعًا من الاستقلالية والسند الاجتماعي السياسي. وهذا نفسه متحقق للمرجعية الشيعية، خاصة أن المسلم الشيعي يُقلِّد المرجع في شأنه الديني اليومي، ويدفع له الخُمْس أيضًا، وبهذا تتحقق له الجماهيرية، والاستقلال المالي في موازاة السلطة. لكن ذلك يُوقعه في الوقت نفسه تحت سلطة الجماهير -التي تدفع الخُمْس- وأهوائها.
فالمرجعية التي نتحدث عنها -إذن- مفارِقة للمرجعية الشيعية من عدة أوجه، وأشد تعقيدًا؛ من حيث إن قبول أفراد الأمة للعالِم وتقليده في أقواله وفتاواه، هو قبول طوعي لا يوجبه قرآن ولا سنّة، ونابع من عوامل عدة تجعل من العالم صاحب رأي، وقادرًا على الجهر به، ولديه الاجتهاد الملائم للواقع العملي الذي يستجيب لحاجة الناس، وقادرًا على الإقناع، وبهذا كله يتحقق اختياره من قبل الناس طوعًا، ويحظى بثقة الجماهير، وهذا نفسه مصدر قوته في مواجهة السلطة نفسها، حين يتخذ موقفًا معارضًا لسياستها.
ثم إن المرجعية الشيعية تنقسم إلى نوعين: مرجعية تقليد وهذه هي السائدة بين جمهور الشيعة الإمامية، ومرجعية عامة وهي التي تسمى "ولاية الفقيه"، ونجد تمثلاتها في إيران، كما يؤمن بها حزب الله في لبنان؛ إذ يجب على المسلم الشيعي فيها أن يقلد "المرشد القائد" في شؤونه العامة (السياسية) وهو هنا علي خامنئي (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية). وربما يمكن مقابلة تلك المرجعية العامة بفكرة القرضاوي حول إنشاء مرجعية "عالمية"، تمثلت في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي لا يهتم بإصدار الفتاوى، بقدر ما يهتم باتخاذ موقف موحد من قبل العلماء تجاه قضايا الأمة الكبرى، فهو هنا يبحث عن سبل تعزيز المرجعية التي يتمتع بها؛ بضمها إلى غيرها فيما يخص قضايا الشأن العام.
واستناداً إلى ما سبق سندرس القرضاوي، ليس بوصفه شخصًا، بل بوصفه شاهدًا على تحولات الفكر الإسلامي المعاصر، وبروز حالة المرجعية كما تشخصت لديه، من خلال تتبع مسارات تكوينه، ومكونات مرجعيته. ولما كان شاهدًا على حالة عامة تمثل خلاصة ما انتهت إليه الإصلاحية الإسلامية في تطوراتها المتعاقبة، كان لا بد من بحث السياق التاريخي الذي جاء فيه، لنضعه ضمنه فكرًا ونشأة وتكوينًا.
أولاً: المرجعية في سياقها التاريخي
سقطت الخلافة الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين، وبعد الاستقلال عن الاستعمار نشأت الدولة الوطنية في العالم العربي، وحين صيغت الدساتير في تلك الدول، وُضع نصٌّ – في معظمها – يفيد بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، والشريعة الإسلامية هي مصدر رئيس أو المصدر الرئيس من مصادر التشريع فيها. ومع ذلك نشب صراع حادّ بين تلك السلطات والتيار الأصولي حول حقيقة "إسلامية" الدولة، ونشأت أطروحة "الدولة الإسلامية" التي تتلخص مهمتها في تطبيق الشريعة، وتتفق على هذا المطلب جميع حركات "الإسلام السياسي"، وإن اختلفت في وسائل تنفيذه.
وفي ظل ذلك الصراع والجدل الذي كان يدور معه، كانت فكرة المرجعية تشغل المركز فيه، ففي بعض الأحيان حافظت المؤسسة الدينية على استقلاليتها عن السلطة القائمة، ومارست سلطتها بموازاة السلطة السياسية، وفي أحيان أخرى لجأت السلطة السياسية إلى استتباع المؤسسات الدينية لأجهزة الدولة، فأنشأ منافسوها مرجعيات دينية موازية، كثيرًا ما اكتسبت شعبيتها من استقلالها عن الدولة.
وشكّلت تلك الشريعة الشغلَ الشاغل للشيخ يوسف القرضاوي، فمهمة "الدولة الإسلامية" تطبيق الشريعة، وألّف كتابًا سماه "المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية"، وآخر سماه "شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان"، كما سمّى برنامجه الشهير عبر قناة الجزيرة الفضائية "الشريعة والحياة".
والشريعة هنا هي النظام الشامل؛ بما يعني من إعادة الطابع الإسلامي للحياة، وهو ما يجسّده تعبير "الحفاظ على الهوية" الذي انشغل به الشيخ كثيرًا، فمصطلح "الشريعة" يحمل أبعادًا سياسية، خاصة مع استخدام الحركات الإسلامية له في ظل الصراع على المرجعية.
وقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين صراعًا على الإسلام: عقيدة وشريعة ومرجعية، ونشب بين الأنظمة القائمة وحركات ما سمي بـ "الإسلام السياسي"، كما نشب بين الإصلاحيين والتقليديين والأصوليين، ولا يزال ذلك الصراع قائمًا عبر أشكال مختلفة. ومردّ ذلك كله مساحة التصورات وعالم الأفكار، وفي القلب منه تقع مسألة المرجعية التي يتم التنازع فيها وعليها، وتحديدًا في العالم السُّنِّي.
وبالرغم من كل ما قيل وحدث من صراع حول المرجعية، بين دعاة العلمانية ودعاة "الإسلام الشامل"، فإن الدولة "الوطنية" التي أقرت في دستورها بأن الدين الرسمي لها هو الإسلام تبعًا لواقع مجتمعاتها، لم تستطع أن تلغي مرجعية الشريعة من دستورها مع جهودها في العلمنة لاحقًا، ولكن الذي حدث أنها قامت بتضييق مجال تطبيق الشريعة عمليًّا في حدود الأسرة والمواريث والوقف، وسعت إلى استثمار الدين في مجالين: الأول في حاجاتها السياسية لتدعيم سلطانها، وتأمين التوازنات السياسية اللازمة لاستتباب أمنها، وإضعاف القوى المناوئة لها، فهي تارة تستخدم المثقفين التحديثيين ضد الإسلاميين، وتارة تستخدم الإسلام ضد المثقفين التحديثيين، بحسب مؤشر التهديد الذي يشكله الخصم.
والمجال الثاني: أن الدولة لم تكن تهتم كثيرًا بامتلاك خطاب إسلامي، لكنها أدركت أن ثمة وعيًا إسلاميًّا خارج منظومة الدولة يؤسس خطابًا شاملاً وموازيًا لها، بل ويطرح مقولة "الدولة الإسلامية" ويريد الحلول محلها، ولا يمكن لها مواجهة هذا التهديد الذي تمثله الجماعات الإسلامية السياسية إلا بتكوين خطاب إسلامي خاضع لها، ومنتظم في جهازها، وبهذا فهي تسعى إلى احتواء الإسلام عن طريق الاستيلاء على المؤسسة الدينية، وإدارة الشأن الديني، وتحويل القيادة الدينية إلى "مناصب" حكومية مندرجة في جهاز الدولة الحديث. والدولة هنا تظهر من وراء المؤسسة الدينية صاحبة الخطاب المتسامح، والمنشغل بالشعائر اليومية، والعبادات التي تنحصر في إطار المسجد، ومن ثم فهي تواجه إسلام الحركات السياسية بإسلام المؤسسات الحكومية، على اعتبار أن ذلك مخالف لروح الإسلام الذي تحتويه هي في جهازها.
تاريخيًّا، انضوى الفقيه السُّنِّي التقليدي في مشروع دولتي الخلافة والسلطنة في تقسيمٍ للعمل؛ إذ قوّى من جانبه أحياناً وأضعفه أحياناً أخرى، بحسب تطورات الوضع السياسي وتعاملات السلطة معه. ومع ذلك فقد حافظ على استقلال كبير؛ لعوامل عدة، فلم يكن ثمَّ صراع على السلطة بالشكل الذي شهدته "الدولة الوطنية" الحديثة، ولم يكن ثمّ صراع على المرجعية المنقسمة التي هي من مواريث الاستعمار و"صدمة الغرب"، وكذلك لم يكن ثمّ "جهاز" للدولة يسيطر على مفاصل الحياة اليومية للناس، ويحوّل المسألة الدينية إلى "مناصب" حكومية، فضلاً عن أن الفقيه كان يتمتع باستقلال ماليّ عن طريق "الحُبُوس" والوقف.
لكنّ التراكم التاريخي ومنهج التلقي العلمي، وتوالي العصور ومتغيرات الوقائع، أرست تقليدًا علميًّا بناه السابقون وتوارد عليه اللاحقون، حتى تَشَكل في منظومة كلية مستقرة إلى حدٍّ كبير، سُمّيت بـ "التقليد"، الذي تمّ التنظير له أيضًا في كتب الفقه مع استقرار المذاهب السُّنية، وحين جاءت حركة الإصلاح الإسلامي اصطدمت بهذا التقليد، وكان أبرز من يمثله ويحميه، المؤسسة الدينية المتمثلة في الجامعات العريقة وخريجيها، كجامعة الأزهر وجامعة القرويين.
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، تعرّضت المؤسسة الدينية لتحديات تمثلت في: الإصلاحيين الذين أرادوها أن تنفتح على الغرب، والسلفيين الذين أرادوها أن تعود إلى إسلام القرون الأولى، واشتدّ الهجوم على المؤسسة الدينية في الستينات في ظل الصراع بين الإسلاميين والأنظمة، واستتباع الأنظمة للمؤسسة الدينية، أو ضعفها بسبب إلغائها عند بعض الأنظمة.
وبذلك ضعفت المؤسسة الدينية، مما هيَّأ لظهور مرجعيات موازية تحظى بجماهيرية واسعة، وتتسم بالمصداقية، وتستجيب لأسئلة العصر واحتياجات مسلمي اليوم، في ظل تلك الصراعات التي كانت دائرة، وتهديدات الهوية مع التغريب، وتهديدات الوجود مع إلغاء الخلافة، وغياب الإطار الجامع للأمة، وقد كانت المؤسسة الدينية التقليدية متهمة بالجمود، والمحافظة الشديدة، وعدم القدرة على مواءمة العصر، فضلاً عن اهتمامها بالشعائر فقط.
وفي هذا السياق تظهر دلالة محاولة الإخوان المسلمين إنشاء مرجعية فقهية مستقلة عن الأزهر الذي ضعف كثيرًا، وتحول إلى "مؤسسة للدولة" بعد أن كان -تاريخيّاً- أشبه "بمؤسسة للأمة"، وبدا ذلك مع الشيخ سيد سابق صاحب "فقه السنة"، الذي قدّم له حسن البنّا، ويُعدّه الشيخ القرضاوي من شيوخه، بل إن القرضاوي أوّل ما درّس الفقه في قريته درّسه "على طريقة فقه السنة،" وهي الطريقة الخارجة على "التمذهب" الذي كان سائدًا عبر عصور التقليد؛ إذ يتم فيها التقيّد بمذهب محدد من المذاهب الفقهية الأربعة التي كانت سائدة في الأزهر آنذاك. ومن الجدير بالذكر أن كتاب "فقه السُّنَّة" كان يلقى نقدًا عنيفًا من قبل التقليديين، بل إن بعض أساتذة القرضاوي كان يحذِّر منه، وما تحمّس لتلك الطريقة إلا السلفيون الذي خرجوا على التقليد المذهبي، حتى إن الشيخ ناصر الدين الألباني المحدّث السلفي كان قد خرّج أحاديث كتاب "فقه السُّنَّة."
وتبدو فكرة المرجعية كذلك حاضرة في وعي الشيخ القرضاوي في ثنايا رفضه لمنصب "المرشد العام للإخوان المسلمين"؛ إذ كانت علة رفضه أنه يريد أن يكون مرشدًا للمسلمين وليس للإخوان المسلمين فقط.
والمرجعية التي يتم الصراع عليها، تقوم في الإسلام السُّني -في تكوّنها ومسارها التاريخي- على مرجعية فكرية غير مرتبطة بأشخاص. وأسهم في ذلك وجود السلطة الإسلامية -تاريخيّاً- التي يتمتع فيها الفقه الإسلامي -على اختلاف مذاهبه- بسلطة واسعة وفاعلية كبيرة في المجتمع، واتسع نطاق تلك المرجعية المرتبطة بمنظومة فكرية تشكلت نتيجة تراكم معرفي تاريخي، تَوَارَد عليه علماء كثيرون. لكن ممارسات الإصلاحية الإسلامية أدت إلى خلخلة تلك المنظومة، ثم جاءت ممارسات "الإحيائية الإسلامية" في ظل "الدولة الوطنية"، فأدت إلى نشوء اجتهادات وأطروحات عديدة، بعضها عنيف.
كما أن التقنيات الحديثة للدولة أوجدت علاقة جديدة بين الأفراد والقانون، ونشأت ثنائية القانون والشريعة، في حين كانت الشريعة الإسلامية أفضل تعبير عند الناس عن تلك الثقافة القانونية، و"في ظل الأنظمة القانونية الجديدة التي طبقتها الدول، وسهّلت بموجبها حصول الفرد على المواطنة، أصبحت الثقافة الإسلامية أقلَّ وضوحًا في المجالات العامة التي تشرف عليها الدولة، وفقدت الشريعة جانباً من قوتها كمرجعية جماعية أساسية،" وهو ما جاءت الصحوة الإسلامية لتعيد بناءه، وكان أحد مجالات تكوّن المرجعية الناشئة والموازية للمؤسسة التي اندمجت في ذلك النظام، وقبلت بتحجيم دورها، والاختصاص بالشعائر، حتى إن التسمية التي أطلقتها بعض الدول -كسوريا مثلاً- على أولئك الذين يقومون بتلك المهام هي "أرباب الشعائر الدينية".
ثانياً: القرضاوي .. بدايات النشأة ومسارات التكوين
نشأ القرضاوي في قرية متواضعة من قرى الريف المصري، كان يغلب عليها "التقليد" الفكري والاجتماعي والمدني، لكن ملامح النجابة كانت بادية عليه منذ صغره، حتى إن عددًا ممن حوله تفرّسوا له بمستقبل جيد، ورافقه هذا سائر حياته؛ ففي المرحلة الثانوية لم يستبعد أحد شيوخه أن يصبح القرضاوي شيخًا للأزهر، وبعد رجوعه من رحلته الشامية قال له الشيخ الفضيل الورتلاني أحد علماء الجزائر: "إن حسن البنا عنده قدرات ليست عندك، وأنت عندك قدرات ليست عنده، ومجموع مواهبك يؤهلك لتقوم بدور، فلا تنسحب منه ولا تبخس نفسك حقها." وعندما قرأ الدكتور محمد المبارك (عميد كلية الشريعة بدمشق ومن مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين فيها، ت1981م) مسودة كتابه "الحلال والحرام" قال: "قد تعرفت على عالم جديد له مستقبله إن شاء الله."
إن العامل الأول من مؤهلاته الشخصية ماثلٌ في نبوغه الذي بدت ملامحه مبكرة في حياته، من الجِدّ والاجتهاد والانصراف إلى العلم، ثم ممارسة الدعوة، فهو تصدى للقيادة مبكرًا في مناسبات عدة، وكان زملاؤه في المعهد يحتكمون إليه، ويعدّونه مرجعًا لهم إذا اختلفوا في مسألة علمية، كما اختاره طلاب كلية أصول الدين رئيساً لاتحاد الطلبة. وهذه الزعامة التي بدت أماراتها عليه منذ نشأته، تتطلب مؤهلات كانت متوافرة فيه؛ من القدرة على مخاطبة العقل الجمعي للناس، والمقدرة الخطابية على التأثير فيهم واستمالتهم.
ومما يدخل في المؤهلات الشخصية أيضًا، تلك النوازع "غير التقليدية" التي بدت لديه، ونمت بعد ذلك لعوامل عديدة.
ومما يلفت النظر، أن القرضاوي تعرّف مبكرًا على الإمام المتكلم الفقيه الصوفي أبي حامد الغزالي (ت505ﻫ)، فأول ما قرأه القرضاوي هو كتاب "إحياء علوم الدين" -وهو كتاب في التصوف وتربية النفس- وداوم على قراءته زمنًا، واصطحبه معه عندما اعتقل لأول مرة سنة 1949م، بل إن القرضاوي يرى الإمام الغزالي "شيخه الأول." وفي ظل الأجواء التقليدية التي كان يعيشها القرضاوي، وفي مثل هذه السنّ المبكرة، لم يكن متاحًا له أن يخرج عن محيطه كثيرًا؛ إذ إننا نجد أن أول درس ألقاه في السنة الثانية الابتدائية من المعهد الديني كان عن "التوبة من المعاصي،" وأول خطبة ألقاها كانت في السنة الرابعة عن "الشكر لله،" وواضح تأثير كتاب "إحياء علوم الدين" فيهما، من حيث الموضوع والمضمون. واستمر هذا التوجه الوعظي حتى المرحلة الثانوية، التي بدأ فيها بتدريس الفقه في القرية، وأدخل على تدريسه بعض التعديلات؛ إذ ابتعد عن الحشو والتطويل، وتبنى التيسير والتخفيف، ولم يلتزم بمذهب أهل القرية الشافعي، بل لم يلتزم بمذهب على طريقة الشيخ سيد سابق.
إن هذه التطورات في تَشَكُّل الشيخ القرضاوي ونشأته، تكشف عن نزعة نقدية واضحة، ابتدأت من نقده لكتاب "إحياء علوم الدين" أثناء قراءته له؛ إذ كان يعترض على بعض ما جاء فيه من مبالغات وغلو، ومن ذلك مناقشاته مدرسيه في المعهد الديني التي استمرت لاحقًا إلى الكلية، فهو يصف نفسه فيقول: "أنا بطبيعتي أحب أن أفهم، وأحب أن أناقش، ولا آخذ كل شيء قضية مسلّمة،" ويقول في موضع آخر: "وكنت على فطرتي وطريقتي أناقش وأسأل في كل ما لا يقتنع به عقلي أو يطمئن إليه قلبي،" وقد صاحَبَتْهُ هذه النزعةُ سائرَ حياته في مواقفه وآرائه.
إلى جانب النزعة النقدية، ثمة نزعة نحو المعاصرة، وهي التي بدت من طريقته في تدريس الفقه في المرحلة الثانوية، فلم يكن مرتاحًا للكتب المؤلفة في علم الفقه، وطريقة تدريسه في المرحلة الابتدائية؛ ففقه المعاملات كان "لا صلة له بما يجري في الحياة وما يحدث في واقع الناس،" بل "بعض العبادات أُدّيت إلينا ميتة مثل الزكاة والحج." وكذلك علم التوحيد أو العقيدة؛ فالمنهج الذي يدرس على أساسه "منهج قديم من آثار عصور التراجع والتخلف في الحضارة الإسلامية، وهو يقوم على افتراضات معينة وفلسفة معينة لم تعد موجودة أو مؤثرة في حياتنا العقلية ... وهي مكتوبة بلغة لا تلائم هذا العصر، ولا تعالج مشكلاته العقلية." وكذلك التفسير.
إن نزعة المعاصرة تلك، إلى جانب النزعة النقدية، حالتا دون أن تكون ثمرة معايشة القرضاوي لكتاب "إحياء علوم الدين" هي العزلة، فهو قد استصحب من "الإحياء" الأثر الرباني بمعنيَيْه: التربوي والروحاني، فولّد لديه تلك النزعة الربانية، التي نمّاها شيوخه من بعدُ. فمنذ نشأته في القرية ثم التحاقه بالمعهد الديني، وكلية أصول الدين، وانتظامه ضمن الإخوان المسلمين، نجده يحتكّ بأشخاص لهم نزعة صوفية واضحة، وأعتقد بأن كتاب "الإحياء" الذي عايشه، والإمام حسن البنا الذي أعجب به أيما إعجاب، تركا أثرًا كبيرًا في تنمية الجانب الرباني لديه، فهو يصف حديث البنا بأنه "حديث نوراني، يحمل نفحة روحية، تخاطب القلوب، وتزكّي النفوس، وتسعى إلى الرقي بالإنسان من دنيا الطين والحمأ المسنون، إلى عالم فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، (الحجر: 29)" ويصف علاقة البنّا بأنصار دعوته بأنها "علاقة الشيخ بمريديه من الناحية الروحية."
وهذه النزعة كادت تسترها نزعته النقدية، حتى إن شيخه البهي الخولي (من الإخوان المسلمين) فوجئ بكتابَي القرضاوي: "العبادة في الإسلام" و"الإيمان والحياة"، وقال له: "كيف خبّأت عنا هذه الروحانية العميقة بمناقشاتك القديمة التي جعلتنا نفهمك على غير حقيقتك؟" وكان البهيّ قد تحدث عمّا أسماه "الروحانية الاجتماعية" في كتابه "تذكرة الدعاة"، وهو ما أفاد منه القرضاوي الذي انتظم معه في "كتيبة الذبيح"؛ إذ كان همّ البهي فيها توجيه الطلبة توجيهًا روحيًّا وسلوكيًّا. وحين نقد القرضاوي تعليم الأزهر قال: إن دروسه "كلها تشكو من الجفاف الروحي."
وممن تأثر بهم القرضاوي في هذه النزعة سعيد رمضان، صهر البنا، الذي وصفه القرضاوي بأنه "يتمتع بروحانية دافقة، وعاطفة قوية،" ومن شيوخه الشيخ عبد الحليم محمود (أحد شيوخ الأزهر، تخرج في فرنسا) "وقد كان رجلاً متصوفًا: فكرًا وعاطفة وعملاً،" والشيخ محمد الأودن (أستاذ الحديث في كلية أصول الدين) الذي يقول عنه: "كان يتدفق إيمانًا وروحانية، ... وهو يعطي جليسه شحنة روحية قوية."
لم تكن المؤهلات الشخصية وحدها كافية، ما لم تتوافر لها البيئة المساعدة على تنميتها واستثمارها، وهو ما توافر للقرضاوي حين التحق بحركة الإخوان المسلمين، فانجذب إلى مؤسسها حسن البنا منذ وقعت عينه عليه، واستمع إليه. فالقرضاوي الذي كان يتململ من النمط التقليدي في قريته، صادف مع حسن البنا حديثًا جديدًا أصيلاً لا عهد له بمثله. ونراه يقول: "لقد وعيته وهضمته وأكاد أحفظ كلامه كله لشدة وضوحه وتركيزه وبلاغته،" و"كان الرجل مشرقًا متألقًا كأن كلامه تنزيل من التنزيل، أو أقباس من أضواء النبوة،" وبلغ من تأثره به أنه "منذ تلك الليلة بات حريصًا كل الحرص على الاستماع إلى الشيخ البنا،" بل إن القرضاوي منذ سمع البنا في السنة الأولى الابتدائية من المعهد الديني، عدّ نفسه واحداً من الإخوان، لكنه انضم إليهم في السنة الرابعة الابتدائية. وكان يحرص دوماً على اللقاء بالبنا لشدة تعلقه به "تعلق المريد بالشيخ،" وكان قلما يجده.
وفي الحقيقة أن التحول الذي طرأ على القرضاوي الذي كان يقرأ "إحياء علوم الدين"، ويخطب عن "الشكر لله"، و"التوبة"، ويجدّد في الفقه في حدود عدم الالتزام بمذهب معين، واختصار الحديث عن أحكام المياه والطهارة ونحوها، إلى الحديث عن "الإسلام الشامل"، إنما طرأ عليه بعد انتظامه في سلك الإخوان المسلمين، وتحديدًا منذ أن استمع إلى حسن البنّا.
والقرضاوي نفسه يقرّ بذلك حين وقف "وقفة تأمل مع الإخوان"؛ إذ رأى أنه حقق -بانضمامه إليهم- "مكاسب دينية ومعرفية كبيرة"، فدعوة الإخوان يصفها بقوله: قد "وسّعت أفقي بفهم الإسلام فهمًا شاملاً كما شرعه الله تعالى، ... ولم يعد مقصورًا على أداء الشعائر كما كنت أتصور من قبل ... وأسقطت عني فريضة العمل الجماعي لنصرة الإسلام ... لتحقيق الأهداف الكبرى للأمة الإسلامية بعد أن هدمت الخلافة الإسلامية، ولم يعد للأمة خليفة ولا إمام، ولا رباط ولا نظام... وانتقلتُ من مجرد واعظ ديني في القرية أو القرى المجاورة إلى داعية إسلامي. فلم يعد همّي محصورًا في الحفاظ على التدين الفردي في نفس المسلم ... وبانضمامي انتقلتُ من الهموم الصغيرة إلى الهموم الكبيرة، ومن المطامح التي تتعلق بشخصي إلى الآمال التي تتعلق بأمتي ... ومما استفدته الخروج من العزلة التي فرضت على أبناء الأزهر نتيجة التعليم المزدوج." أي: الديني والمدني.
ويتبدى من أطروحة "النظام الشامل" كل مقولات الخطاب الإسلامي المعاصر، وهي كذلك تختصر أمرين: خطاب الشيخ القرضاوي المحكي والمكتوب، وكذلك دوره ونشاطه العملي، وهو ما يعكس مدى التحول الكبير منذ أن استمع إلى البنّا، ثم انضمامه إلى دعوته بعد ثلاث سنوات.
وحين سأل الصحفي والروائي المصري إحسان عبد القدوس (ت 1986م) حسنَ البنا عن فكرة الإخوان سنة 1945م، أجابه بأنه "وجد القائمين على أمر الإسلام قد عجزوا عن تطبيقه تطبيقاً صحيحًا، فالإسلام ليس دينًا فحسب، ولكنه نظام سياسي واقتصادي واجتماعي." وفي سنة 1947م أصدر البنّا مجلة "الشهاب" التي بيّن في مقدمتها أن أول ما تعنى به من القضايا: "عرض الأحكام الإسلامية عرضًا مبسطًا شاملاً يوافق أسلوب العصر، ومحاولة تقديم الإسلام بوصفه نظامًا اجتماعيًّا كاملاً (في مقابلة الرأسمالية والشيوعية) لا ديناً نظرياً لاهوتياً فحسب، والدفاع عن أحقية عقيدة الإيمان بالله (في مواجهة الفلسفات المادية) ..." وكان الهدف من هذه المجلة تثقيف الإخوان ومن تأثر بهم. وفي الواقع إن هذه البنود نفسها تلخص توجهات القرضاوي نفسه، فحين بدأ يدرس الفقه في المرحلة الثانوية -وكان قد انتظم في سلك الإخوان- اتجه به إلى حياة الناس وبلغة العصر، ثم انصرف لاحقاً لنصرة "الإسلام الشامل"، ومقارعة الفلسفات المادية التي تناهض الإيمان، والعلمانية التي تناهض فكرة النظام الشامل.
ولم يقتصر التأثر على البنّا وحده، فهذه الأفكار أضحت فلسفة جماعة عريضة، تقودها نخبة مفكّرة، ومن بينها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله -شيخ القرضاوي- الذي كان يكتب في مجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية مقالات عن قضية العدالة إسلاميّاً، في مواجهة ما يكتبه الشيوعيون والماركسيون عن فقدان العدالة، ثم في كتبه "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" و"الإسلام والمناهج الاشتراكية"، و"الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين"، و"تأملات في الدين والحياة"، وغيرها. بل كان الغزالي مع بعض الأزهريين قد أنشؤوا "لجنة النشر للأزهريين" شعارها "الدين في خدمة الشعوب"، ردًّا على الماركسيين الذين يقولون: "الدين أفيون الشعوب." والغزالي نفسه كان قد انتقد المؤتمر الوطني الكبير الذي دعا إليه عبد الناصر سنة 1962م لتأييد التحول الاشتراكي، وتحدث الغزالي عن "وجوب تميزنا بتشريعنا وقيمنا وآدابنا وأزيائنا،" وكتابات الغزالي هذه تركت أثرًا في كتاب المفكر والأديب الإخواني سيد قطب أيضًا "العدالة الاجتماعية"، فقد كانت مراجع مهمة استند إليها.
ومن الشيوخ الذين كانت للقرضاوي صلة قوية بهم، المفكر الإخواني د. محمد البهيّ، وقد عمل معه القرضاوي حين كان البهي مديرًا عامًّا للثقافة الإسلامية بالأزهر في عهد شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، وكان البهي من أنصار فكرة "الإسلام الشامل" أيضًا، بل من أبرز دعاة الحل الإسلامي، فهو يربط بين ثلاثة من أبرز كتبه، وهي: الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي، والفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، والفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر، فقد رأى أن الأول يوضح مواجهة المسلمين للفكر الإغريقي في القرن التاسع الميلادي، والثاني يوضح مواجهة المسلمين للفكر العلماني الصليبي في القرن التاسع عشر، والثالث يوضح مواجهة المسلمين للفكر الماركسي اللينيني الإلحادي في القرن العشرين. وقد حارب ما أسماه "هجوم الأيديولوجيات القادمة أو المستقدمة" في كتابه "الإسلام في الواقع الأيديولوجي المعاصر" الذي صدر سنة 1968م، أي قبل كتاب القرضاوي "الحلول المستوردة".
وكان أحد أهم تجليات فكرة "النظام الشامل" هو الاهتمام بالمسألة الوطنية، التي كانت مدخلاً للمسألة السياسية، والتفريق بينهما هو ما ألحّ عليه حسن البنّا في حواره مع الكاتب الصحفي محمد التابعي سنة 1946م، حين قال له التابعي: "ولكنكم دون شك تحولتم في السنوات الأخيرة إلى ناحية النشاط السياسي!. قال البنّا: النشاط الوطني تقصد، فما لنا بالسياسة علاقة. ولقد حرصنا دائمًا على ألا نحتكّ بالأحزاب ولا بالهيئات، فلما نشبت الحرب حرصوا هم على أن يحتكوا بنا، وتولدت من الاحتكاك الشرارة التي لفتت إلينا الأنظار."
وشغل الاهتمام الوطني مكانًا بارزًا في فكر البنّا ودعوته، فقد كان يتحدث عن واجب الأمة المسلمة نحو مقاومة المشروع الصهيوني، ومثّلت قضية فلسطين بالنسبة له قضية مركزية، وكان يعقد مؤتمرات للإخوان المسلمين في عواصم المديريات في مصر؛ لشرح الأهداف الوطنية التي كان الشعب يطالب بها بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أحد تلك المؤتمرات تحدث نصيف ميخائيل -وهو باحث قبطي مصري كان يصطحبه البنّا معه في مؤتمراته المختلفة– عن قناة السويس وحق مصر فيها، وكان البنّا أشرك بعض الأقباط في اللجنة السياسية لجماعة الإخوان، وقد شرح البنا في ذلك المؤتمر ثلاثة أمور عبّر عنها بقوله: "قضيتنا، وسيلتنا، دعوتنا"، قال: "أما قضيتنا فأقصد بها الوطن الصغير والكبير والأكبر" وعنى بالوطن الصغير وادي النيل: مصر والسودان، وحدد الهدف القومي بالنسبة لهما بأمرين: جلاء الإنجليز عن وادي النيل، وتركه لأهله يحكمونه، وقصد بالوطن الكبير الوطن العربي من الخليج (الفارسي) إلى المحيط الأطلسي، والوطن الأكبر قصد به الوطن الإسلامي من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، أو من جاكرتا إلى الرباط، وتحدث البنّا عن أندونيسيا وضرورة تحريرها من الاستعمار الهولندي، وضرورة تحرير تونس والجزائر ومراكش (أي المغرب).
أما وسيلتنا فإنها تبدأ بالمفاوضة، إلى المقاطعة، إلى الجهاد إن لم تُجْدِ الوسائل الأخرى.
وقد أوردتُ هذا الكلام -على طوله- لشدة أهميته في عمق الوعي الوطني والإسلامي فيه، كما أن هذه الكلمة كان لها أبلغ الأثر عند القرضاوي الذي كان يستمع إليها في ذلك الحين، ومن اللافت جدًّا تعليقه على كلام البنّا بخصوص الوطن الكبير؛ إذ قال: "وكان كلام البنا أول كلام محدد أعرف به حدود الوطن العربي" وتعليقه على كلام البنا عن الوطن الأكبر؛ إذ قال: "وكان هذا أول تحديد للوطن الإسلامي أسمعه."
وما كان الإلحاح على المسألة الوطنية قاصرًا على المؤتمرات، فالبنا كان يستثمر المنابر المختلفة لشرح ذلك، فقد خطب الجمعة في "كفر المصيلحة" في "المسجد العباسي"، وذهب القرضاوي وراءه ليستمع إليه، وتحدث البنا "عن هدفين أساسيين يجب أن تنصبّ جهود العاملين عليهما وهما: الفكرة الإسلامية، والأرض الإسلامية، ولا بد أن يكون أكبر همنا: تحقيق الفكرة الإسلامية وتحرير الأرض الإسلامية." وكذلك كانت روح جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية التي ظهرت سنة 1946م، التي كان القرضاوي وإخوانه يحرصون على شرائها على الرغم من فقرهم.
فالقضية الوطنية كانت "الشغل الشاغل والهم الأول" للإخوان في تلك المرحلة، وكان القرضاوي منخرطًا فيها، متتبعًا لذلك النشاط الثقافي، ومساهمًا فيه عبر الخطب الثورية، والقصائد الشعرية التي كان يَنْظمها، كما "كانت قضية فلسطين طيلة المرحلة الثانوية قضية مهمة وحيّة وساخنة في نفوسنا." لهذا كله حين يتحدث القرضاوي عن مكاسبه من الإخوان المسلمين، يقول: بانضمامي إلى دعوة الإخوان "أصبحتُ أطمح إلى تحرير وادي النيل وديار العرب والإسلام من كل سلطان أجنبي، وأطمح إلى طرد الأفكار والأنظمة والقوانين المستوردة، وإحلال الأفكار والأنظمة والأحكام الإسلامية محلها، وأطمح إلى أن تتقدم الأمة المسلمة، ... وأن تتوحد الأمة ... وأن تعود الخلافة الإسلامية."
إن قرضاويّ الإخوان ما عاد قرضاوي القرية والكتّاب، فقرضاوي القرية كان يتثقف على كتابَي أبي حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، ومنهاج العابدين، لكن قرضاوي الإخوان أصبح - إلى جانب العلوم التقليدية التي تعلمها في الأزهر وكتب الأدب: "العقد الفريد" وكتب الأديبين المصريين مصطفى المنفلوطي (ت1924م) ومصطفى الرافعي (ت 1937م) – يتثقف على مجلة الإخوان الأسبوعية، وجريدة "الإخوان المسلمون" اليومية، ثم مجلة "الشهاب" التي أنشئت لتثقيف الإخوان وتجلية فكرة "النظام الشامل"، ومحاضرات البنا ورسائله، وكتابات الشيخ الغزالي، وغيره من دعاة الإخوان كالبهي الخولي صاحب "تذكرة الدعاة." وأثناء كونه طالبًا في الكلية قرأ كتاب الداعية الهندي أبي الحسن الندوي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، ودلّ عليه بعض الأصدقاء ليقرؤوه، كما قرأ بعض رسائل الندوي، وقال: إن الندوي "أول من نبهنا إلى قيمة موقف رَبْعِيّ بن عامر حين قال: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده." وكذلك أهداه الفقيه الداعية د. مصطفى السباعي (مؤسس الإخوان في سوريا) كتابه "اشتراكية الإسلام" في الخمسينات.
لقد شكّلت مجلة "الشهاب" الإخوانية رافداً مهمّاً لبناء ثقافة الإخوان، وتعميق فكرة "النظام الشامل"، وكذلك بناء شبكة علاقات ضمن باب أسمته "سجل التعارف الإسلامي"، الذي تذكر فيه جملة من أعلام العلم والدعوة والفكر، مع صورة كل واحد، وتعريف موجز به، وكان من تلك الأسماء: المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي، والفقيه المصري محمد أبو زهرة، ومصطفى السباعي، والفقيه السوري مصطفى الزرقا، والأديب المصري عباس العقاد، والفقيه المصري عبد القادر عودة، والسياسي والقانوني السوري معروف الدواليبي، والمفكر السوري محمد المبارك، وغيرهم، وكان لهؤلاء إسهامات فكرية وفقهية مهمة ومؤثرة.
وكانت أول رحلة له إلى بلاد الشام في عام 1952م، بأمر من حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان، زار خلالها لبنان وسوريا والأردن، وتعرف خلالها على الكثيرين، وألقى العديد من المحاضرات، إلى جانب رحلته إلى أنحاء مصر التي كلفه بها المرشد أيضًا، لتوعية الإخوان وتوجيههم "للثبات على دعوتهم وعدم الذوبان في الآخرين، وتجنب الصدام معهم،" وجاب خلالها مدناً كثيرة في مصر، ألقى فيها محاضرات عامة ودروساً، والتقى الكثيرين. ومما يلاحظ -كذلك- حرصه الشديد على السعي إلى اللقاء بالعلماء باستمرار، بالروح نفسها التي كان يستصحبها للقاء البنّا من قبل، فهو قد حرص على لقاء أبي الحسن الندوي في مصر، وتأسف أنه لم يلق الإصلاحي السوري الذي كان من مؤسسي الإخوان في مصر، ومن رموز "الصحافة الإسلامية" محب الدين الخطيب (ت 1969م) رغم محاولته ذلك. وكان أستاذ القرضاوي محمد البهي قد عرّفه بكثير من أصدقائه الكبار، ومن أهمهم علماء سوريا: مصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، ومحمد المبارك، ومعروف الدواليبي، وهؤلاء جميعًا مع محمد البهيّ ساهموا في لجان تطوير الأزهر، واقترحوا تدريس طلاب الأزهر مادة "نظام الإسلام" ليقدَّم فيها الإسلام نظامًا متكاملاً (شاملاً).
ومنذ جاء القرضاوي إلى قطر سنة 1961م، بدأت تتسع علاقاته مع صنفين من الناس: أهل العلم وأهل الحُكْم؛ فمن الصنف الأول زار الشيخ عبد العزيز آل محمود قاضي المحكمة الشرعية، والشيخ عبد الله الأنصاري من مشايخ قطر، والقاضي أحمد بن حجر، وآخرين. ومن الصنف الثاني، تعرّف في مصر على سحيم بن حمد ابن عمّ حاكم قطر وأخي ولي العهد، وقد تعرّف عليه عن طريق الشيخ علي شحاته، أحد الإخوان، وبعد أن جاء إلى قطر بدأ بزيارة وزير المعارف في قطر قاسم بن حمد، بصحبة شيخه عبد المعز عبد الستار، من شيوخ الإخوان، وصديقه من الإخوان أحمد العسال، كما زار نائب حاكم قطر خليفة بن حمد بخصوص رواتب طلبة العلم، بصحبة مفتش العلوم الشرعية عبد الله بن تركي، وزار حاكم قطر أحمد بن علي باقتراح من عبد البديع صقر، من دعاة الإخوان، وكان عبد البديع مقربًا من الحاكم.
ومن قطر انطلق لزيارة باقي الخليج، فبدأ بالبحرين وحرص على لقاء العلماء والقضاة فيها، وكان قد سافر إليها بدعوة من إخوان البحرين، ثم زار الشارقة وأقام بضيافة حاكمها صقر بن سلطان، الذي زاره القرضاوي بصحبة عدنان سعد الدين، أحد الإخوان السوريين، وزار حاكم دبي راشد بن سعيد بترتيب من بعض الإخوان، كما زار حاكم عجمان، وتعرف على بعض الشخصيات العلمية والدينية من القضاة في الإمارات، وزار السعودية ومفتيها وعددًا من علمائها.
لكن مع إبراز هذا الدور الجوهري والمركزي لفكر الإخوان المسلمين، في تكوّن مرجعية القرضاوي، هل يمكن أن تُردَّ مرجعيته إلى الإخوان؟ لا أعتقد ذلك، فشأن البدايات ليس كشأن النهايات، صحيح أن الفكرة الإخوانية شكّلت تحولاً جذريًّا في مسار القرضاوي ابن الكتّاب، إلا أن ذلك لم يكن ليثمر ما لم تتوافر في الشخص نفسه مؤهلات ذاتية وشخصية للإثمار، فضلاً عن أن الإخوان -بحسب ما يتبدى من قراءة مذكرات الشيخ على الأقل- لم يدركوا هذا التشكل لمرجعية القرضاوي، فقد ظلوا يفكرون في إطار جماعة الإخوان وليس جماعة المسلمين، وهو الترميز الذي يمكن أن تحمله فكرة عرض منصب المرشد العام عليه في المرتين. وكذلك يتبدى هذا من خلال وقفته النقدية مع الإخوان، التي يعيب فيها عليهم أنهم لم يوجهوه، وأنه بنى نفسه بنفسه عن طريق اختياراته الشخصية.
لقد أدى إرساء فكرة "النظام الشامل" بكل روافدها ورموزها، إلى ما سمي لاحقًا باسم "الصحوة الإسلامية" في السبعينات من القرن العشرين، بعد أن سيطرت الفكرة الوطنية على المجتمعات العربية فترة الحربين الأولى والثانية، ثم سيطرت الفكرة القومية العربية التي انتعشت في الستينات. وقد كان الإسلاميون فاعلين ومساهمين بقوة في الفكرة الوطنية كما أوضحنا سابقًا، لكن في الوقت نفسه كانوا يخوضون صراعاً على المرجعية أولاً، ثم صاروا إلى الصراع على المرجعية والسلطة لاحقًا في ظل الصراع مع القومية العربية، والذي مال إلى الحسم في السبعينات مع سيطرة الحركة الإسلامية عقيدة وتنظيمًا وانتشاراً اجتماعيّاً، وجاء ذلك على حساب العقائد والتنظيمات السياسية الأخرى، التي صار يُطلق عليها –جملة– الحركات العلمانية، التي يراد بها كل الحركات ما عدا الإسلامية.
ومهما قيل من تفسيرات "للصحوة الإسلامية"، فإن الإسلام شكّل إمكانية شرعية وتعبوية وتنظيمية كبيرة، خاصة مع وجود نخبة مفكرة حوّلته إلى "مذهبية سياسية اجتماعية"، من خلال إعادة تفسير الإسلام بما يستجيب للحاجات الجديدة في ظل نشأة الدولة الحديثة، وغياب السلطة الإسلامية، وهذا ما قامت به –حقيقة- جماعة الإخوان المسلمين، عبر "النظام الشامل" الذي شكّل القرضاوي أحد أكبر منظريه، بما يمتلكه من رصيد تراثي وفقهي كبيرين.
وساعد على ذلك اهتلاك الرأسمال الرمزي للمذاهب الأخرى الليبرالية والاشتراكية، ذات المنشأ الغربي. وهنا تحديدًا يمكن تفسير التوجهات التي نشأت في السبعينات لإعادة قراءة التراث الإسلامي، والمشاريع التي قام بها علمانيون ويساريون.
وما كان لهذا الانتشار الكبير للفكرة الإسلامية الجديدة أن يمرّ دون صراعات جديدة، وهنا يحضر الصراع مع العلمانيين الذين يقيمون تعارضًا بين العلمانية والدين، بما هو حامل لغائية سياسية. وقد كان القرضاوي أحد الوجوه البارزة التي خاضت مناظرات في هذا المجال، فقد خاض -مع شيخه الغزالي- مناظرةً مشهودة في الثمانينات حول العلمانية، مع شيخ العلمانيين العرب فؤاد زكريا، أثارت جدلاً كبيرًا في الصحافة المصرية، بل إن القرضاوي كتب بعدها كتابًا كاملاً، حوّل فيه المناظرة من مناظرة مسموعة إلى مناظرة مكتوبة استمرّ تأثيرها حتى الآن. وقد شكّل القرضاوي أحد أبرز رموز "الصحوة الإسلامية" تلك، بل منظِّرها الأبرز، كما ظهر في مناظرة أخرى مع المفكر السوري العلماني الماركسي صادق جلال العظم في التسعينيات عبر قناة الجزيرة، ثم تصدى للرد على محاضرة البابا المثيرة للجدل عام 2006م، كما تصدى لحوارٍ (ممثلاً للسُّنة) مع الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني (ممثلاً للشيعة) سنة 2007م عبر قناة الجزيرة أيضًا. وقد شكلت هذه المواقف والسياقات التي جاءت فيها مواقع رمزية بالغة الدلالة؛ فقد مثّل الإسلام في مقارعة العلمانيين، ومثّل "بابا المسلمين" في مقارعة مقولات بابا الفاتيكان.
وعلى مستوى الحركة الإسلامية نفسها، والإخوانية تحديدًا، فأحسب أن القرضاوي شغل فراغًا كبيرًا عانى منه الإخوان، من حيث "غلبة الجانب العملي والجهادي على الجانب العلمي والفكري." وهذا الفراغ كان الدافع لمحاولة دمج فكر الإخوان المسلمين بفكر "الجماعة الإسلامية" في شبه القارة الهندية. بل إن جهد القرضاوي يتضح بجلاء في تنظيره للحركة الإسلامية، وتأصيله لقضاياها تأصيلاً "شرعيّاً" يصل التراث بالمعاصرة، وفق مسلكيته الوسطية، وهذا ما يميزه عن كاتب بحجم محمد الغزالي -رحمه الله- على عمق أفكار الغزالي، ووضوح اتجاهه الإصلاحي.
ويتضح هذا الفراغ الذي شغله القرضاوي، في مجيئه بعد سيد قطب، وهو الكاتب الكبير الذي كسبه الإخوان في صفوفهم، لكنهم غصّوا به وبفكره، فالفراغ الذي عانوا منه، والتلاقح الذي حصل من فكر أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند، تَوَّجَهَ انضمام سيد قطب إليهم، وتطويره لأفكار المودودي: الحاكمية والجاهلية، وهو ما أحدث انتقادًا واسعًا داخل جماعة الإخوان نفسها، وبقي محلّ جدل حتى الآن؛ إذ لا تزال تُنسب ظواهر العنف والتكفير إلى سيد قطب، بوصفه الأب الروحي لها.
وفي الواقع، ساهمت جهود القرضاوي في رأب الصدع الذي أحدثته أفكار سيد قطب، التي بدا فيها مخالفاً لدعاة الحركة الإسلامية قبله، وأبرزها أربعة أفكار بالغة الخطورة؛ الأولى: "الحاكمية السياسية" التي استعارها من المودودي، وعنها برزت فكرة تكفير الأنظمة القائمة، والثانية: أنه بنى على فكرة الحاكمية تكفير المجتمعات المسلمة، وأنها لا بد أن تدخل الإسلام من جديد عبر شهادة أن لا إله إلا الله على معنى الحاكمية المطلقة، والثالثة: أنه قدّم مفهومًا جديدًا للجهاد رآه حرباً على العالم بأسره، والرابعة: أنه لا معنى –برأيه– لما يحاوله علماء العصر من تطوير الفقه الإسلامي أو تجديده أو إحياء الاجتهاد فيه، ما دام المجتمع المسلم غائبًا من أصله، فإيجاد المجتمع المسلم يسبق الاجتهاد له لحل مشكلاته.
ولم يكن القرضاوي في تلك المرحلة قد برز كاتبًا مشهوراً، فهو حين خرج من مصر 12/9/1961م، لم يكن له إلا كتابان هما: "الحلال والحرام"، و"العبادة في الإسلام،" وهما كتابان لا يبدو فيهما الب
تاريخ النشر : 30-09-2008
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.