تحتفل منظمة اليونسكو يوم 21 شباط/فبراير منذ عام 2000 سنوياً بيوم "اللغة الأم" تأكيداً على تنوع الثقافات إذ تفيد التقديرات – حسب اليونسكو- بأن أكثر من 50% من اللغات المحكية في العالم، ويبلغ عددها 6700 لغة، مهددة بالاندثار، وبالتالي فإن هناك لغة واحدة تتوارى كل 15 يوما. وهذا يعني أن لغة واحدة تتعرض للزوال كل خمسة عشر يوماً. وعلاوة على ذلك، يعتبر الخبراء أن 96% من هذه اللغات محكية من جانب 4% فقط من سكان العالم.
ينبغي أن تكون منظمة المؤتمر الإسلامي معنية بالاحتفال بهذا اليوم وتشجع على الأقل ال 57 دولة أعضاء في المنظمة من أجل تخصيص يوم للاحتفال ب "لغة القرآن" كدعوة لتشجيع 1300 مليون مسلم ليتعرفوا على لغة القرآن "بلسان عربي مبين" (الشعراء 195) "قرآناً عربياً غير ذي عوج" (الزمر 28) "كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً" (فصلت 3) ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، واللغة التي احتضنت تاريخ المسلمين على مدى قرون.
إن الحماة المعاصرين للغة العربية القابعين في حصون مجامع اللغة العربية، وكليات الأدب العربي المنتشرة في العالم العربي معنيون بأخذ زمام المبادرة لتبسيط قواعد اللغة العربية وتقديمها بأحلى حلة تتناسب والعصر، حتى يسهل على الناطقين بالضاد – فضلاً عن غير الناطقين بها- استخدامها وعدم تفضيل لغات أقل منها بالاً، أو تحاشي استخدامها عن طريق استخدام العامية المحكية.
إن صعوبة القواعد العربية ربما يعود إلى الشرط الذي وضعه علماء اللغة الأفذاذ من أمثال أبي عمر بن العلاء (توفي 154هجرية) وحماد الراوية (توفي 155 هجرية) والخليل ين أحمد (توفي 170 هجرية) ، فيمن يصح أخذ اللغة عنه حيث يجب أن يكون خشناً ومحروماً من الترف وليونة الجلد كما ينقل محمد عيد في كتابه "الرواية والاستشهاد باللغة" بحيث بات اللغويون والنحويون أمام مشكلة تركيب "قوالب جامدة" خشنة بخشونة الأعرابي عصية على التأقلم مع تغير الواقع.
إن كلمة "نحو" لم تكن معروفة عند العرب الأوائل – حسب ماأورد الدكتور حسن نور الدين في كتابه "الدليل إلى قواعد اللغة العربية" – بل أطلقوا عليه اصطلاح العربية تارة، وأخرى كلاماً، وأحياناً الإعراب، حتى استقر الرأي أخيراً على تسميتها بالنحو (فتحي عبد الفتاح الدجني " أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي"). والنحو – برأي مهدي المخزومي في كتابه "في النحو العربي" - هو الإعراب وتكوين الجملة، وبالأحرى هو عارضة لغوية تخضع لما تخضع له اللغة من عوامل الحياة والتطور، فهو متطور أبداً، لأن اللغة متطورة أبداً". ولكن المراقب يجد تقصير اللغويين بيّناً فيما يخص تبسيط اللغة وتطوير أدائها، وخاصة عدم بذلهم الجهد في تبسيط قواعدها.
لنطرح بعض الأمثلة التعجيزية في الإعراب والتي لم نسمع اعتراضات من مجامع اللغة العربية على تعقيدها لابل يُمتحن الطلاب بها إلى الآن في مدارسهم، من مثل إعراب "ضمير نصب منفصل مبني على السكون، في محل نصب مفعول به مقدم للاختصاص،!" وهاكم إعراب : "وما هم بمؤمنين": الواو حالية، "ما" نافية تعمل عمل ليس؟. والباء في "بمؤمنين" زائدة؟، والاسم معها مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر "ما"! أليس هناك مجال لتبسيط هذا الإعراب.؟
إن إعراب "من" في جملة "من قابلت" يتجاوز السطر، فإعراب من: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به ( لأن بعده فعلاً متعدياً لم يستوف مفعوله!) أما إعراب قلبين في جملة "ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه": قلبين اسم مجرور لفظاً منصوب محلاً على أنه مفعول به. انظر صعوبة إعراب "لدنه" الآية 1 و2 من سورة الكهف كما ورد في "مشكل إعراب القرآن":
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا
"قيما" حال من الضمير في لَهُ ، والمصدر المجرور "لينذر" متعلق بـ أَنْزَلَ ، "لدنه" اسم ظرفيّ مبني على السكون في محل جر متعلق بنعت ثانٍ لـ "بأسا"، والمصدر المؤول "أن لهم أجرا" منصوب على نـزع الخافض الباء. ؟! ألا يمكن تبسيط هذا الإعراب؟
لماذا لايقف عباقرة لغتنا العربية على تطوير النحو وإيجاد "بدائل إعرابية" لكل الحروف الزائدة، أو تغيير طريقة إعراب "المحذوفات" من الإعراب، من مثل إعراب"بسم": الباء حرف جر، "اسم" اسم مجرور بالكسرة. والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف! لمبتدأ محذوف!، تقديره: ابتدائي كائن بسم الله،! وجملة التقدير ابتدائية! لامحل لها من الإعراب. "المفلحون": خبر مرفوع بالواو لاسم الإشارة "أولئك". وجملة "أولئك على هدى" مستأنفة لا محل لها من الإعراب!، فإذا كان المبتدأ محذوف والخبر كذلك محذوف والجملة لامحل لها من الإعراب فلماذا لايتصدى عباقرة اللغة العربية من أجل "استنبات" قواعد يسهل فهمها، وقريبة من اللسان العربي المعاصر، عندها يكون لها محل من التداول اليومي في الشارع العربي؟
لو أن طالباً كتب الكلمات الآتية كما في جاء في الرسم القرآني بحذف حرف الألف والاكتفاء بألف قصيرة فوق الحرف كأنها حركة(مثل الفتح والضم) لحُسبت له خطأ إملائياً، من مثل يويلنا (بمعنى ياويلنا) يأيها، ءاتية (بمعنى آتية سورة الحج 7) لأمنتهم (المؤمنون 8)سللة (سلالة السجدة 8) إبرهيم (إبراهيم الزخرف 26) الئ (المجادلة 2) لاتسئلوا (المائدة 101) فقد قام اللغويون بكتابتها بالطريقة الحالية متجاوزين الرسم القرآني، ولكن عندما تسأل ألايمكن أن نسهل قواعد الأعداد - مثلاً- حيث 1و2 يطابقان المعدود في التذكير والتأنيث، و3-10 تخالف المعدود، و 11-12 يطابقان المعدود، ألا يجوز أن يصبح الجميع مطابق أو مخالف؟ يسرع اللغوي للاستشهاد بالقرآن "إني رأيت أحد عشر كوكباً" (يوسف 4)" "اثنتا عشرة عيناً" (البقرة 60) فلماذا تساهلنا في الإملاء ولم نتساهل في تعديل قواعدي طفيف هنا؟
ولعلّ لعلماء العربية في الخطاب القرآني أسوة حسنة، فرغم أنه من المنطقي أن يُلزم الخالق عباده بقراءة واحدة فقط للقرآن المجيد، إلا أن عظمة "واقعية" القرآن وصلت لدرجة أن يتنزل على أكثر من سبعة قراءات، حتى ليحسب الناظر أن لسان ولغة وفهم المسلم مقدم على الخطاب القرآني لا بل ويتأقلم معه وليس العكس، وهذا درس في المرونة والواقعية علّ المجامع اللغوية تلتفت إليها، وتشمر السواعد للعمل على تبسيط القواعد اللغوية لجعلها أكثر معاصرة.
لقد تساءل الدكتور عابد الجابري في كتابه "بنية العقل العربي": "إذا كان المقصود هو حماية القرآن من اللحن فلماذا لم يعتمد اللغويون القرآن نفسه أساساُ وحيداً لعملهم، مع أنه باعتراف الجميع أفصح وأبين" ، لماذا يكون الحاكم على القرآن "قوالب" الأعرابي" و مشتقاته ومرادفاته وليس "عالمية وواقعية" الخطاب القرآني.
"لنفترض أننا لم نجد كلمة الفاكس والكومبيوتر في "ديوان العرب" هل نتبع قول ابن عباس رضي الله عنه فيما يروى عنه "إذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربي" أم أنه علينا أن نتبع الخطاب القرآني الذي لم يتوانى عن استخدام كلمة سندس واستبرق وكان يمكن استبدالها بكلمة الحرير أو أية كلمة غير فارسية لكنه آثر على استخدام مفردة "واقعية " و "مُستخدمة" دون حرج.
إن علماء كل العلوم يتسابقون فيما بينهم لتبسيط علومهم حتى يكتب لها الشيوع وتقترب من عقل الناشئة، ويُسخّروا كل الوسائل المعرفية لتحقيق هذا الغرض، ولعلنا لشدة حبّنا وحرصنا على تداول هذه اللغة وتقريبها من عقول وقلوب الناشئة، وتخفّظنا على انتشار العاميات في العالم العربي، يجعلنا نتقدم بطلب إلى علماء لغتنا العربية الذين نعتزّ بهم أن يُفَعّلوا مجامع اللغة العربية، و"ينحتوا " لنا قواعد أبسط ويبدعوا لنا طرقاً تسهل هضم عبقرية هذه اللغة، وهذا ليس عصياً على علماء أفذاذ من أمثالهم.
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.