في مؤتمر يختلف عن نظائره من المؤتمرات التي تنعقد باسم حوار الأديان في العالم العربي انعقد مؤتمر "ثلاث ديانات وإنسان واحد" « Trois religions, un seul homme »
في جامعة الكاسليك في لبنان بتاريخ 16 - 18 تشرين الثاني، جاء هذا المؤتمر بعد جهد كبير من القائمين عليه وهم أساتذة وعميدة كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية "هدى نعمة" في جامعة الكاسليك، وجاء هذا المؤتمر نتيجة لما رسمته كلية الفلسفة من إطار نقدي ومنهجي للدراسات الدينية واللاهوتية التي تتضمنها. وكان هذا المؤتمر مختلفاً عن غيره نظراً للخلفية المعرفية التي بُني عليها هذا المؤتمر، فالمؤتمر حاول أن يوجد مقاربات فلسفية ومعرفية وإنسانية واجتماعية للمفاهيم الدينية الكثر جدلا عبر الأديان الثلاثة. أغلب الأوراق المقدمة للمؤتمر كانت تحت غطاء العلوم الانثربولوجية والاجتماعية. محاور المؤتمر دارت بين ثلاثة بنود أساسية: الانثربولوجيا الدينية، بُنى الهويات الدينية، التعايش السلمي. وضمن هذه البنود الرئيسية جاءت العناوين الفرعية لتنقسم بين المقاربات الاجتماعية والنفسية والإنسانية والتأويلية. قدمت في المؤتمر أوراق مهمة على مستوى المفاهيم الدينية المتعلقة بالمطلق والنسبي والتأويلي، وإمكانيات التأويل في النصوص الدينية، ومفهوم الله "المطلق" العابر للأديان، وفكرة الخليفة والابن، والحرية والواجب. حاضر في مؤتمر عدة شخصيات من مختلف الدول: فرنسا وسويسرا ومصر وسوريا والجزائر وألمانيا وماليزيا وتونس وإيطاليا وكندا، وكان الغالب على أوراق المؤتمر ومداخلاته اللغة الفرنسية. حاضر في المؤتمر من الجانب العربي جورج قوم، حسن حنفي، جورج خوري، مريم أبو ديوان، مشير عون، فيكتور الكك، جورج خير الله، جون عقيقي، صبحي حبشي، جوزيف معلوف وآخرون، ومن الجانب الغربي أوليفر فينارد، إريك كورثاي، أندريه لاماريه، باول موريه، أوغطسين سان فراتلو، أندريه باشود.
تحدث الدكتور جورج قرم عن واكيم مبارك ومركزية القدس ورمزيته في مشاريع واكيم، كما تحدث الدكتور حسن حنفي عن النبي إبراهيم في النص القرآني والنصوص المقدسة التوراتية والإنجيلية وعن الاختلافات والتوافقات الحاصلة بين هذه النصوص، كما قدمت مريم أبو ديوان ورقة اتسمت بالجدل حول شخصية إسماعيل ومحوريته والعلاقات بين إبراهيم وإسماعيل وتشكل الدين، أخذت هذه الورقة حيزا لا بأس به من تساؤلات الحاضرين نظرا لأبعاد الموضوع السياسية والدينية في العلاقة مع اليهود.
ومن الأوراق المهمة في المؤتمر ورقة الدكتور مشير عون المتخصص في الفينومنولوجيا، حيث قدم ورقة حول فكرة الإنسان في الدين المسيحي والإسلامي، عنوان ورقته: "بين الابن والخليفة. في سبيل استجلاء لاهوتي لتصوّرات الإنسان في المسيحيّة والإسلام" حيث أسقط مجموعة من التصورات حول هذه العلاقة، ورسم حدود الحرية والواجب في مفهومي البنوة والخلافة. كما قدم الدكتور فارح المسرحي من الجزائر ورقة بعنوان "المشروعية والحق في الاختلاف، التدين في زمن العولمة" بيَّن فيها العلاقات بين النماذج المعرفية “paradigms”، وأشار إلى أن التدين في زمن العولمة يجب أن يخضع لمقاربة معرفية مشتركة بين الأديان حسب "باشلار" أو بإيجاد نموذج معرفي جديد حسب "توماس كون" في كتابه "بنية الثورات العلمية". كما قدمت الدكتور أميرة عيسى رؤية اجتماعية للنصوص القرآنية التي تعنى بالشأن الإنساني، وحظيت ورقتها بجدل بين الحاضرين بخصوص قضية الانتقائية في التعامل مع النص الديني عند متبعي الأديان. تناول آخرون (صبحي حبشي، سهيل القش، جوزيف معلوف، جورج خير الله) الشق التأويلي للنصوص الدينية حيث تعرضوا للنظريات النقدية في المجال التأويلي مستحضرين أفكار فوكو ودريدا ورولان بارت وهايدجر ...
وكنتُ ممن شارك في هذا المؤتمر بورقة تعرضت فيها لمفاهيم النسخ والدين والشريعة والمطلق والنسبي، من خلال تأويل النص القرآني "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم والآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" تعرضت من خلالها لمفهوم المطلق والنسبي، وحدود العلاقة بين مفهوم الشريعة والدين ونسبية الأول وإطلاقية الثاني. كما استعرضت ظاهرة الدين عبر تاريخها الممتد خلال الأديان الثلاثة. وتركزت الأسئلة حول صورة الله في الفكر الديني عبر الشرائع الثلاث، وهل هي صورة واحدة أم صورة مختلفة، وهل هي صورة محرَّفة أم صورة متعددة التأويلات ومتنوعة الزوايا.
أخيراً، فإن المؤتمر قدم رؤى جديدة في سياق الدراسات الدينية من زاوية العلوم الاجتماعية والانثربولوجية والتأويلية وخرج عن نطاق المؤتمرات والندوات المعهودة التي تبنى بشكل عام على التسامح والتعايش والمجاملات الجامدة، كما اتسم بمساحة كبيرة من النقد للنصوص والرؤى الدينية.
رابط المؤتمر:
http://www.usek.edu.lb/usek08/components/News/NewsDetails.asp?ItemId=747&id=1
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.