آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

التجديد والنهضة  .  فلسفة التجديد

قضايا التجديد    |    إتجاهات الإصلاح    |    التعليم و المناهج

  •     

شرعية الاختلاف شرط للنهضة

محمد زاهد جول


لا يخفى على أحدٍ بأن قضايا التَّعدديَّة والديمقراطية وحقوق الإنسان تتصدر الخطاب العربي والإسلامي المعاصر، إلا أن هذه المطالب لا سبيل إلى نموِّها وازدهارها دون أن تتأسس على مبدأ حقِّ الاختلاف، ومبدأ حقِّ الحوار، لكن وعلى الرَّغم من وضوح هذين المبدأين، ورسوخهما في الخطاب القرآني، وكذلك في الممارسة الإسلامية، طالهما آفتا الغفلة والنسيان، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر وتجديده في هذين المفهومين، فالأصل في الكلام هو الحوار، والأصل في الحوار هو الاختلاف، فكما أنَّه لا يتم الكلام إلا بوجود ذاتين، فإنَّنا لا ندخل في حوارٍ إلَّا ونحن مختلفان.
 والناظر في الإنتاج التراثي الإسلامي يجده يتَّخذ من منهج الحوار أساسًا وأصلًا في النظر والاستدلال، حيث نشأ وتكوَّن علم المناظرة المستند إلى الجدل القرآني، قبل أن تسلك هذا الطريق القويم الفلسفات التداولية المعاصرة.
 أما الخصائص التي تؤسس لحقِّ الاختلاف، فإنها تبنى على مبدأين قرآنيين؛
 أحدهما: مبدأ اختلاف الآيات، وقد كثر استخدام هذا المبدأ في القرآن الكريم، وهناك عدد كبير من الآيات تبتدئ بقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ ..) ، ولعل أكبر شاهد على ذلك هو اختلاف الآيات الكونية، كما جاء في الآية الكريمة: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
 والثاني: مبدأ اختلاف الناس، كما جاء في الآية الكريمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم: 22] ، والآية الكريمة: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود: 118-119].
 ولعلَّ أكبر شاهد على ذلك هو اختلاف الأمم، كما جاء في الآية الكريمة: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].
 لقد أدَّى الحوار والجدال حول العقائد والأفكار بين المسلمين أنفسهم وبين غيرهم إلى نشأة علم "الملل والنحل" ، وظهر في القرن الثَّالث الهجريِّ فنٌّ وعلمٌ جديدٌ هو علم "المقالات" يحاول التَّعريف بمختلف العقائد والحوار معها، اتخذ هذا الجدل والحوار نمطين؛ الأول: يعتمد على الرَّد والنقض كما هو شأن المعتزلة. والثاني: اعتنى بذكر العقائد والآراء وبسطها كما هو شأن الشهرستاني والبيروني.
 أما الاختلاف في الدائرة الإسلامية، فقد كان يدور حول تأويل النُّصوص المختلفة، والمناهج المستخدمة في الجمع والتَّرجيح، وأدى ذلك إلى نشوء الفرق الإسلامية كالمعتزلة والأشاعرة والإباضية والشيعة والسُّنة وغيرها.
 وهذا الاختلاف هو الأساس في نشأة المذاهب الفقهية المختلفة كالحنفيَّة والشافعيَّة والمالكيَّة والحنبلية والظاهرية وغيرها، وقد نشأ بسبب اختلاف التَّأويل علم "الخلافيات" وهو بحثٌ مقارن بين الآراء الفقهية يعتمد على الاختلاف الاجتهادي.
 إن التأسيس لحق الحوار والاختلاف المؤصل في الخطاب القرآني والممارسة الإسلاميَّة، هو الشرط الموضوعي للدُّخول في أفق التَّعدديَّة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنَّ هذه المفاهيم لا تشكِّل المفتاح السِّحري، ولا هي مطلوبة لذاتها، ذلك أن التَّعددية المؤسّسة على الاختلاف، ليست أطرافًا منعزلة تنبني على رفض الآخر، وإنما هي إطارٌ لتجاوز النِّزاع والفرقة، تنتهج الحوار للتَّوصل إلى مشروعٍ مجتمعيّ، والديمقراطية وسيلة لإدارة التَّعدد عن طريق التَّوسل بمؤسسات تعاقديَّة تشكل المجتمع المدني، ولا هي شعارات ترفع لترسيخ الاستبداد والفساد، ولا كرامة لديمقراطية لا تحترم كرامة مواطنيها وتحفظ حقوقهم، وتضمن مشاركتهم الفعلية المبنيَّة على فضيلة الحرية.
 وفي بحثٍ قيِّمٍ تقدَّم به الباحث عمران نزال في كتابه «شرعية الاختلاف بين المسلمين» يرى أن شرعية الاختلاف تمثل معيار قوة الأمَّة الإسلامية وفاعليتها وقدرتها على التَّجديد في الحاضر والمستقبل، وأنه في اللحظة التي فعَّلت الأمة الإسلامية شرعية الاختلاف بين المفكرين والعلماء والمدارس الإسلامية بصورة صحيحة، كانت الأمة في قمة قوتها وفاعليتها بل وفتوحها الخارجية، وهو ما تزامن مع القرون الثلاثة الأولى، بينما أخذت شرعية الاختلاف بين المسلمين تضيق منذ القرن الرابع بشكل متزايد ، فكان من نتائجه إغلاق باب الاجتهاد ، وظهور كتب الفرق والملل والنحل ، التي تدين الآخر الداخلي قبل الآخر الخارجي.
 وفي النهاية كان إغلاق باب الاجتهاد هو الصورة العملية لفقدان شرعية الاختلاف بين المسلمين، وهو ما يتطلب معالجة كبرى من كافة القوى الفكرية والمدارس الاجتهادية، تتركز على تفعيل شرعية الاختلاف بين الاجتهادات الإسلامية، من أجل توفير شروط التجديد وفتح باب الاجتهاد ، ومن أجل تجدد في الفكر الإسلامي من جانب وتجديد فاعلية الأمة الإسلامية، فالأزمة التي تعاني منها الأمة اليوم هي أزمة إدارية قبل أن تكون أزمة فكري.
 


تاريخ النشر : 27-12-2008

6135 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com