آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  العقيدة و الكلام

دراسات قرآنية    |    دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول

  •     

في نعي علم الكلام وتحقيق شروط ثورة القرآن

محمد عمر سعيد


جاء الكتاب في ظرفه تتمة لنقاش بدء على الصفحات الالكترونية لكنه لم يشذ عن المنحى المتعال في مؤلفاته، فقد بلغ فيه أبايعرب مجمع البحرين فدبجه على غير مثال من سابق ما ألف من كتب، بلغ فيه الغاية في التبيين والتوضيح، لقد قرر فيه أفول "علم الكلام" وأعلن انتهاء صلاحيته، إننا بحسبه لم نعد بحاجة إليه بل نحن بالمقابل في أمس الحاجة إلى أن نقلبه إلى "كلام العلم"، فما المعنى المراد من ذلك؟

ليس الدين إلا تخليصا للإنسان من السلطان الروحي إلا سلطة الضمير في مناخ الحرية الدينية (لا إكراه في الدين) الضامن لحيوية الإيمان والإبداع الرمزي، حتى النبي لم يخول أن يكون رقيبا على عقائد الناس وسلوكهم (وما أنت عليهم بمسيطر)، فكيف بأفراد ينصبون أنفسهم على رقاب الناس يحاسبونهم زاعمين الإحاطة بأحسن الحديث الذي جاء ثورة ليس فقط على الشرك المنتشر في عرب الجاهلية، بل جاء ثورة على كل الأنماط الحضارية السائدة آنئذ وهو ثورة في كل زمان على كل محاولة تزعم أفضلية كلامها على الكتاب المفصل المبين.

لقد تواطؤ أصحاب الدين مع أصحاب الفلسفة فأخرجوا كلاما هجينا في العقائد أنسنوا به الخالق وألّهوا به الإنسان، بعد عدم إدراكهم للحدود التي ليست تدرك أصلا فـ (ليس كمثله شيء)، فاندرجوا دون وعي في الجحود واتباع المتشابه الدال على فساد النوايا بالسعي الزائغ لبعض الأفراد لتصدر جماعات الكلام، بهذا يندرج ضمن الفرقة الناجية كل من لم يسع لاحتكار نيابة الخالق في بيان الدين للناس الذين هم كلهم مستخلفون، وهم الغالبية، بهذا الفهم يقلب أبايعرب مفهوم القلة الناجية إلى الكثرة الناجية وهو التفسير الوحيد المقبول لمعنى الحديث النبوي، وذلك لنتيجة عملية وحيدة لكنها مضاعفة تخفف من حدّة الشحناء في ابتغاء النجاة أولها كون الأغلبية هي الناجية والثانية تفيد بأنه لن يتسلق أسوار الصدارة إلا أهلها.

إن تحقيق قيم القرآن لن يتأتى إلا بوعي ضرورة التخلي عن الدخول في المهاترات العقائدية والغيبية التي لن تسمن ولن تغني من جوع، والسبيل إلى ذلك الوعي إنما هو مجاهدة النفس بالصبر على عدم التحديد، والإسلام في جوهره قدرة مستمرة ومتواصلة في المراتب الأخلاقية الحقّة، أخلاق (مخمومية القلب) كما نتصورها فهي سلوك الحواس الباطنة في استسلامها لأمر ربها وذلك في سبيل تحقيق الاستخلاف الرمزي والعمراني، والعودة إلى علَمي الإصلاح العقدي ابن تيمية والإصلاح الاجتماعي ابن خلدون كفيل بفهم الأمر وإن كانا قد قصّرا في أمرين اثنين الأول هو اندراجهما فيما كانا يحاربان، كاندراج ابن تيمية في الكلام من رغم نقده للمدارس الكلامية، والثاني اعتمادهما جرعة زائدة تؤدي بالاقتضاء إلى الضرر إن لم يكن إلى الموت وربما عادت القيمة الزائدة إلى غفلة الرجلين عن الجمع الواعي بين الظروف والمتعاليات الأمر الذي عمل المرزوقي على تفاديه كما أبرزنا في المفتتح.

أنهى مؤلف الكتاب كل حديث ومزاعم عن أي تجديد لعلم كلام، فليس علم الكلام في جوهره إلا دفاع مبطن عن عقائد بالية وتفكير أسطوري لعصور الانحطاط والتأثر السلبي بالفكر اليوناني كما يمثل ذلك ابن رشد وإخوان الصفا أحسن تمثيل، والحديث عن التجديد فيه هو محاولة لتأصيل القديم والبالي في زماننا، فيكون مجرد التسليم بإمكان علم الكلام اندراجا في إحيائية فجة وفكر غير فاعل إلا سلبا، بل لا علاقة بين علم الكلام والفكر وإن كان هناك من علاقة ممكنة فهي كعلاقة المحكم بالمتشابه، لم يبق حتى كلام عن أهل السنة والجماعة، بل الصيغة المقبولة هي السن والجمع فليس هناك مما قد تم مسبقا في الدين سوى أمر وحيد هو ختم النبوة أو الوجه الآخر لتمام الدين (اليوم أكملت لكم دينكم).

فالكتاب جاء ثورة ليس فقط في وجه المتكلمين بل هي ثورة الإنسان على نفسه بنفسه، فهو وإن كان قد جاء بلغة أمة وبالتالي توجه خطابه إلى أمة إلا أنه قدم في رأيي علاجا للإنسانية جمعاء أو على الأقل أرخ لبداية جديدة في الفكر عامة ـ مسلمين بأن الفكر في جوهره واحد فليس من فواصل فيه بين أمة وأمة ـ، فهنيئا للثقافة الإسلامية في لسانها العربي بهذا الحدث الفكري الذي حاول صاحبه فيه قدره المستطاع معادلة الكفة في جهد عزيز لتحصين الأمة وعصمها من الاندراج ضمن الأنساق الحضارية المستفردة بالزمان الاندراج الذي واسطته المثلى هو "علم الكلام".

لكن ومادام للكلام وجود تاريخي فليس لنا أن نقبل إلا بدرسه التاريخي مصممين على عزله فلسفيا، فيه نستقرئ الماضي ونستفيد منه متحفيا فعلى المتكلمين أن لا يدخلوا أنفسهم في المتحف وهم أحياء يدبون على الأرض، كل ذلك وأكثر جاء في آخر مؤلفات أبي يعرب المرزوقي وأكثرها إثارة من سلسلة الكوثر الصادرة عن الدار المتوسطية للنشر بيروت، تونس 2008 "الثورة القرآنية وأزمة التعليم الديني"؛ و(إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).


تاريخ النشر : 05-02-2009

6135 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com