آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

الحركة النسائية العربية: النشأة والتطور والمعوقات

فاطمة حافظ


حين تذكر الحركة النسائية ترد إلى الأذهان مفاهيم من قبيل تحرير المرأة، ومساواتها بالرجل، والتغريب وهذه الاستدعاءات الذهنية تنم عن قصور في إدراك ثنائية الحركة وأنها تشكلت منذ نشأتها من تيارين متباينين أحدهما لا يرى بأسا في محاكاة الغرب وتبني مرجعياته، والآخر ذو توجه إسلامي يدعو لإعمال العقل والاجتهاد في قضايا المرأة من داخل المرجعية الإسلامية وليس من خارجها. ونسعى هنا إلى بيان تلك الطبيعة الثنائية من خلال استعراض المراحل الأساسية في تاريخ الحركة، والتشكيلات التي تعبر عنها، وأهم المعوقات التي تعترضها.

وقبيل أن نتعرض لذلك ينبغي أن نشير أننا نستخدم صيغة "نسوي" للدلالة على التيار العلماني، على حين نميل إلى استخدام صيغة "نسائي" للإشارة إلى التيار الإسلامي، وذلك انطلاقا من أن مصطلح "نسوية feminist" يرتبط ببعض الدلالات والسمات المميزة التي لا تنطبق على التيار الإسلامي.

 

مراحل تطور الحركة النسائية

تُعرف الحركة النسائية بأنها حركة اجتماعية تنشأ خارج إطار مؤسسة الدولة وتستهدف إحداث تغيير في واقع النساء. ووفقا لهذا التعريف يمكن أن نميز بين عدة مراحل أساسية في تاريخ الحركة لكل منها سماته ومطالبه الخاصة، أخذا بعين الاعتبار أنه ليس هناك تاريخ يحدد بدقة بداية كل مرحلة ونهايتها وإنما هي تتداخل فيما بينها ، كما أن هذه المراحل قد لا تتواجد في كل البلدان العربية على هذا النحو، و هذه المراحل تقسم المراحل على النحو التالي:

المرحلة الأولى: مرحلة النهضة وتمتد من أوائل القرن العشرين وحتى ثلاثينياته تقريبا، وفيها تم التركيز على حزمة من المطالب الاجتماعية كحق النساء في التعلم والعمل، ونوقشت بعض القضايا ذات الارتباط، مثل: الحجاب، والضوابط التي يمكن أن تحكم خروج المرأة ، وطبيعة الدوائر التي يمكن أن تشتغل فيها وما إلى ذلك من القضايا، وقد انقسم الفاعلون الرئيسيون في هذه المرحلة إلى تيارين أحدهما يميل إلى محاكاة الغرب واقتباس تشريعاته ونظمه ورؤاه بشأن المرأة وتيار آخر يدعو إلى النهل من معين الشريعة الإسلامية وإعمال النظر والاجتهاد فيما استجد من تطورات.

 

المرحلة الثانية: وتشغل حقبتي الأربعينات والخمسينيات وفيها ترسخ حقي النساء في التعليم والعمل ولم يعودا مطروحين للنقاش، وقد تجاوز الخطاب النسوي في هذه المرحلة مطالبه الاجتماعية إلى الحقوق السياسية حيث انخرطت النساء في حركات التحرر الوطنية آنذاك في مصر وفلسطين والمغرب ومن ثم تعالت الأصوات منادية بحق النساء في الاقتراع والترشح لعضوية المجالس التمثيلية (البرلمانات) وهي دعوات تبنتها قيادات نسوية تحسب على الأحزاب الليبرالية أو الماركسية القائمة على حين أحجمت الإسلاميات عن المناداة بمثل هذه المطالب رغم انخراطهن بقوة في حركات مقاومة الاحتلال.

 

المرحلة الثالثة: هي مرحلة صعود الدولة القومية وفيها امتلكت الدولة ناصية العمل النسائي وأخضعت كل التنظيمات النسائية تحت سلطتها، وقد أقدمت على تقنين أوضاع النساء عبر إصدارها قوانين العمل وقوانين الأسرة. وبصفة عامة شهدت هذه المرحلة تراجعا في المطالب النسوية على خلفية احتداد الصراع مع الدولة الصهيونية والذي غطى على كثير من المشكلات القائمة آنذاك.

 

المرحلة الرابعة: مرحلة انسحاب الدولة وبروز سلطة العولمة ويؤرخ لها منذ الثمانيات ولا تزال ممتدة إلى الآن، وفي مستهلها شهدت البلاد العربية قاطبة صحوة إسلامية كرد فعل على عملية التحديث على النسق الغربي التي انتهجتها الدولة. وقد أفرزت الصحوة بدورها تيارا نسائيا إسلاميا تشكل من نساء الطبقة الوسطى وقد عبر هذا التيار عن ذاته في شكل عودة موسعة لارتداء الحجاب، وتأسيس جمعيات نسائية على أسس ومرجعيات إسلامية، وانخراط في التيارات والأحزاب الإسلامية القائمة ومشاركة النساء في الترشح على قوائمها الانتخابية واحتلالهن مراكز متقدمة في هياكلها التنظيمية.

 

وفي الجهة المقابلة برز تيار نسوي نخبوي استقى أطروحاته وبرامجه من جهات عولمية واستفاد كثيرا من الاهتمام العالمي بقضايا المرأة وهي الاستفادة التي تجلت في احتكاره تمثيل النساء في المؤتمرات والمنتديات الدولية المعنية بالمرأة وفي الحصول على تمويل مالي ضخم يدعم التنظيمات النسائية التي أنشأها.

 

التيارات والأيديولوجيا

وفقا لهذا يمكن أن نصنف تيارات الحركة النسوية بحسب نوعية مساهمتها وكيفية معالجتها لقضايا المرأة إلى الأنماط التالية:

التيار النسائي الإسلامي: وتعبر عنه الجمعيات النسائية الإسلامية وهي تقدم خدماتها إلى نساء الطبقات الدنيا، ولذا فهي توصف بأنها جمعيات خيرية إلا أنها لا تتقيد في برامج عملها الصفة، وهي تتخذ من الدين إطارا مرجعيا لها، وبرامج عملها تراعي الأنساق الدينية والثقافية ولا تستعديها؛ ولذلك تقف موقفا سلبيا من دعاوى عولمة قضايا المرأة القادمة من الخارج، وتقدم نفسها باعتبارها بديلاً للنسوية الغربية لا يشكل تهديدا للهويتين الدينية أو الثقافية. وقد استطاعت هذه الجمعيات بفعل تمسكها بالثوابت الدينية وتبنيها خطابا غير طبقي يؤكد على الفاعلية النسائية استقطاب الأجيال الجديدة من المثقفات الجامعيات المنتميات للطبقة الوسطى، ممن وجدن في الانتماء للإسلام صيغة مثلى للتعامل مع الحداثة دون تعريض الميراث الديني والثقافي للخطر. وقد حرم انضمام الأجيال الجديدة لهذه الجمعيات المنظمات النسوية الحقوقية من رافد مهم من الروافد البشرية اللازمة لتجديد دمائها وتنفيذ برامجها.

 

التيار العلماني النسوي برافديه الليبرالي والماركسي: وتجسده الجمعيات النسوية الحقوقية التي تأسست بفعل التوسع المطرد في إتاحة فرص التعليم والعمل أمام المرأة، وإطارها يتسع ليشمل الجمعيات الحقوقية التقليدية وكذلك الأنماط الحديثة من الجمعيات كجمعيات سيدات الأعمال وجمعيات مكافحة العنف ضد المرأة، وهي تتخذ من الإطار الحقوقي الغربي مرجعًا لها، وتصطبغ بصبغة نخبوية واضحة؛ إذ تنحصر عضويتها في سيدات الطبقة العليا والنخب الفكرية، وبفعل نخبويتها أقامت هذه الجمعيات جسوراً من التواصل مع المنظمات النسوية الدولية، واحتكرت تمثيل النساء في المؤتمرات والمنتديات الدولية، وقد انعكس هذا على خطابها الذي أخذ بالمرجعية الغربية وتبنى معالجاته للقضية النسائية

 

التيار النسوي الحكومي: وتجسده الاتحادات القومية للمرأة وهي تجمعات نسوية نشأت مؤخراً تحت رعاية الدولة، وجاء إنشاؤها تعبيرا عن رغبة الدولة في امتلاك منابر التعبير عن قضايا المرأة، خصوصا في المنتديات العالمية، وكذلك بسط سيطرتها على المنظمات النسوية الحقوقية التي أجبرت في بعض الدول على الانضمام لهذه الاتحادات. وهي تتبنى المنظور الحقوقي تجاه قضايا المرأة إلا أنها تظل محكومة بألا يتجاوز طرحها السقف الرسمي في تعامله مع هذه القضايا.

 

المعوقات والتحديات

إن نظرة تقييمية للحركة بشقيها الإسلامي والعلماني تفيد بأنه رغم مرور قرن ونيف على نشوئها لا تزال تعاني بعض المشكلات التي تكاد تكون مزمنة لعل أهمها عدم تخلصها من الطابع الفئوي الذي يتجاوز المطالب النسائية إلى المطالب والحقوق العامة. كما تعاني الحركة من نخبوية واضحة إذ لم تستطع الوصول إلى الشرائح الدنيا إلا في حالات محدودة للغاية، أما خطابها فلم يبرح مناشدة مؤسسة الدولة أو بعض القوى الاجتماعية التدخل لرفع الغبن عن المرأة، وبعبارة أخرى يعاني الخطاب حالة عجز كلي تتمثل في عدم مبادرته لطرح حلول لمشكلات النساء وعدم امتلاكه أدوات فعلية لتغيير الواقع النسائي.

أما عن التحديات - ونقتصر هنا على ما يواجهه التيار الإسلامي- فيأتي على رأسها محاولة تأصيل طرح نسائي إسلامي عصري، وللحق فإننا نلحظ أن مجمل الأطروحات الإسلامية هي ردود أفعال على ما يطرحه التيار العلماني موسومة بطابع الانفعال، ويبدو أنه بفعل محاولة التصدي للأطروحات العلمانية انصرف التيار عن مهمته الأساسية المتمثلة في بلورة طرح إسلامي أصيل ترتب أولوياته وموضوعاته وفقا للاحتياجات النسائية الفعلية ويلامس قضايا عموم النساء، وهذا الطرح ينبغي عليه أن يدرس تجارب الفاعلية النسائية في التاريخ الإسلامي، فيبحث في تجربة الوقف وظاهرة المحدثات والفقيهات ودور النساء في تحصين الأمة إبان الهجمات الشرسة التي واجهتها ومحاولة تفعيل هذه الظواهر مجددا في حياتنا. وبهذه الكيفية فقط يكون طرحا إسلاميا مقبولا وليس انجرارا لأجندات قادمة من الخارج. 


تاريخ النشر : 30-03-2009

6566 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com