آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

فـَلْـسَفَةُ الإدَارِيَّات: تَحديات الإدَارة فِي القَرن الوَاحِد والعِشْرِين

أحمد الحمدي


بـيتر دركـر Drucker  Peter F(1919م- تـ 2005م)

•الـكتاب:]تـَحَدِّيـَات الإدَارة فِي القَرنِ الوَاحِد والعِشرِين [.

•الـمؤلف: بيـتر ف. دركـر.

•ترجمة: د. إبراهيم علي الملحم.

•مراجعة الترجمة: د. مساعد الفريان.

•الـناشر: معهد الإدارة العامة-مركز البحوث، الرياض-المملكة العربية السعودية.

•الـطبعة الأولى: 1425هـ- 2004م.

•عـدد الصفحات:(192).

 

 

 

 انـبِـلاَجَـة:

    «الإدارة ليست مُجرد عِلم واختصاص، بل هي حضارة لها قِيمُهَا ومُعتقداتها ومُعداتها ولُغتها الخاصة[1]».                                                         

                                                                                      بيـتر ف. دركـر.

 

                فِي واحد من أهم كتبه الأخيرة:]تـَحَدِّيـَات الإدَارة فِي القَرنِ الوَاحِد والعِشرِين[يستغوِرُ فَيلَسُوف الإدَارِيَّات الأمريكي المعروف بـيتر دركـر[2]  Drucker  Peter F(1919م-تـ 2005م) وبطريقتهِ الواضحة والعميقة أهم القضايا الراهنة[3]والـمُستَشْرَفَة في مستقبل علم الإدارة العامة الحديث. حيث يستنطق المستقبليات المليئة بالتحديات. مستقبل المنظمات والقادة الإداريـين في القرن الواحد والعشرين، ويحيلنا إلى إستراتيجيات لطرح حلول ممكنة تمكن من التعامل مع ما يُتوقع من تحديات.

               يبدأ المؤلف كتابه-وكذلك كل فصل- بـالتأسيس لفهم التحديات المستقبلية: كيف هو ماضينا؟ كيف تشكل حاضرنا؟ كيف نواجه مستقبلنا؟

               إنها أسئلة تتطلب وعيًا استمهائيًا بـظاهراتية اللحظة الإدارية وعيها ضمن نسيج وحَرَاك مُجتمعي عالمي، وعيٌ مُركَّبٌ من الإيمان بأثر العالمي في المحلي وعلاقة المحلي بالعالمي علاقة الجزء المؤشر على الكل. إنه سعي حثيث لفهم محراكات الفعل الناجع للنجاح في عالم ملؤه الطفرات السريعة لإحداث الفروق الكبيرة، وللقيام "السريع"في عالم المال والأعمال في كل نواحي الاقتصاديات والإداريات.

            فحوز الموارد في هذا العالم لم يعد هو المهم، كيف تُدار الموارد هو الأهم! لأن هذا الثاني يمكن مؤسسات العمل بكافة نشاطاتها من الإمساك بزمام "إدارة الإدارة"على المدى البعيد، وتلافي أكبر قدر من الأخطار على المدى الأبعد.

 

·   تحدي النماذج الحديثة للإدارة:

1.1   لماذا تعد الافتراضات مهمة؟:

            "بالنسبة لحقل ذي صبغة اجتماعية كحقل علم الإدارة، فإن الافتراضات(=المواضعات والنماذج العلمية التي تحدد مرتكزات الحقل) تعد بشكل عملي على درجة كبيرة من الأهمية، أكثر من نماذج العلوم الطبيعية لأن العلوم الطبيعية تتعامل مع سلوك الأشياء المدركة بالحواس. لكن العلوم الاجتماعية مثل الإدارة فهي تتعامل مع سلوك الناس والمؤسسات الاجتماعية الإنسانية. لذلك يميل الممارسون للإدارة للتصرف حسبما يملي عليهم فرع المعرفة.

         والأهم من ذلك أن حال العلوم الطبيعية والكون المادي وقوانينه أكثر رصدا من قوانين الكون الاجتماعي وهذا يعني أن افتراضات الأمس الاجتماعية بشكل أوضح يمكن أن تكون غير صالحة اليوم بل مضللة[4].

1.2   من أسئلة الإداريات الحديثة والمعاصرة:

         (1) هل علم الإدارة هو إدارة الأعمال؟:

        ما إن يتناهي إلى سمع كُتاب علم الإدارة وممارسي علم الإدارة وسواد الناس كلمة"إدارة" إلا فهموها على أنها إدارة الأعمال لا غير -ولا يزال هذا الاعتقاد مستمرا- لكن الأمر لم يعد كذلك "فقد سلم أكثر العلماء خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية أن إدارة الأعمال ما هي إلا نوع أو فرع من فروع حقل الإدارة العامة. كما أن الطب ليس هو علم النساء والتوليد[5]".

          (2) هل هناك تنظيم إداري واحد صحيح؟:

            فرضيات الإدارة هي من سِنخ فرضيات العلوم الاجتماعية التي وُصفت طبيعتها سابقا "فـنموذج الفريق" القائل بأن الفريق هو الافتراض الأساسي الذي تبناه بشكل عملي كل منظري علم الإدارة أصبح من الفرضيات التقليدية؛ فالافتراض الأساسي لوجود تنظيم واحد صحيح ومطلق لم يعد من الممكن الاحتفاظ به والدفاع عنه. الصواب هو أن نعرف ما هي المهام التي تتناسب مع كل تنظيم؟ وما هو الواجب فعله؟ فربما يكون الحل لأداء بعض المهام هو استخدام نموذج الفريق"المختلط" التشكيل بدلا من استخدام نموذج "واحد" من هيكلة الفريق وتنظيمه. فالإدارة في حاجة لتتعلم كيف تبحث وتطور وتختبر التنظيم المناسب للعمل[6].

      (3) هل هناك طريقة وحيدة صحيحة لإدارة العاملين؟:

           من المرجح أن تصبح "الإنتاجية" هي محور إدارة العاملين تماما كما كان عمل العامل اليدوي هو محور إدارة العاملين منذ مئة عام خلت، وذلك منذ أن أوضح فردريك تايلور(1856- تـ1915م) أن هذا يتطلب افتراضات مختلفة تماما عن العاملين مثل: أن الشخص لا يدير الناس بل المهمة قيادة الناس، والهدف هو تحويل قوة ومعرفة كل فرد إلى عوامل إنتاجية. لذا فقد تصبح نقطة البداية في كل من النظرية والتطبيق هي"الإدارة من أجل الأداء" وليست"إدارة عمل العاملين". أي أن الإدارة سترتكز على "الشَّـرَاكَة" لتصبح الإدارة من ثم عبارة عن عملية "تـسويق" وليست أوامـر!. وفي التسويق لا يبادر الشخص بطرح سؤال:"مـاذا تريد؟" بل بطرح السؤال الآتي:"مـاذا يريد الطرف الآخر؟ مـا هي قيمه؟ مـا هي أهدافه؟"[7].

    (4) هل مجال عمل الإدارة محدد قانونيا؟:

         المفهوم التقليدي للإدارة فيما يتعلق بالنظرية والتطبيق يتعامل مع كينونة قانونية والسبب في ذلك أن المفهوم التقليدي للإدارة بُني على أساس(=فرضيةسالبة-{) السيطرة والضبط وهمها محددتان قانونيا، فليس للمدير التنفيذي-الذي يدير عملا تجاريا-ومدير المستشفى أن يتجاوزا الحدود القانونية لمؤسساتهم.

          لكن هذا التعريف القانوني للإدارة لم يعد ملائما لإدارة مؤسسة ضخمة. ويرجع الفضل  لليابانيين لابتكارهم >الكيـريتـسووهو المفهوم الإداري الذي يحتم على الموردين الذين يتعاملون مع المؤسسة التجارية أن يظلوا مرتبطين بعميلهم الرئيس. لكن الكيريستو بني أصلا على فرضية أن الإدارة تعني السيطرة والتحكم. ولم يكن مبنيا على فرضية الشراكة المتساوية بل مبني على خضوع إحدى الجهات للأخرى. وليس التمتع بالاستقلالية، والتساوي في القوة. وعليه فلن تكون السيطرة والتحكم ولا الكيريستو التقليدي مفيدة. أي أن مجال الإدارة سيكون بنحو ما غير قانوني على النحو الذي ذكر. ما يجب هو التركيز على نتائج وأداء منظومة الاقتصاد ككل لتتخذ الإدارة من ثم الاستراتيجية التي تناسبها[8].

     (5) هل مجال عمل الإدارة محدد سياسيا؟:

            يرى دركر  أنه لم تعد الإدارة والحدود القومية منسجمين وأنه لم يعد مجال عمل الإدارة محدد سياسيا. وستستمر الحدود القومية لتشكل أهمية كبيرة. إلا أن الافتراض الجديد يجب يبنى على أساس: أن الحدود الوطنية مهمة لأنها في الأصل عبارة عن "قـيود"وأن ممارسة الإدارة(ليس في مجال التجارة فقط)يجب بشكل متزايد أن تُعَرَّف عمليا وليس سياسيا[9].

     (6) ميدان الإدارة الباطن أم الظاهر؟:

         اهتمام الإدارة ومسؤوليتها التي تتصدى لها يتمثلان في كل شيء يؤثر على أداء المؤسسة ونتائجها، سواء كان ذلك داخليا أو خارجيا، وسواء كان ذلك تحت سيطرة المؤسسة أم خارجا عن سيطرتها تماما. أي أنه يتحتم عليها أن تبدع نفسها بشكل مستمر وتقوم بتصميم قراراتها الداخلية على أساس(=فرضية) أن التغيير هو قاعدة ومعيار رئيس، بدلا من العمل على أساس ردود الفعل والاستجابة الانفعالية فقط[10].

 

·   تحدي الإستراتيجيات وفق الثوابت الجديدة:

2. 1 لماذا الإستراتيجية؟:

      ما الذي يمكن أن تبنى عليه الإستراتيجية في عهد يتسم بالتغير السريع والغموض الشامل؟ هل هناك افتراضات تبنى عليها إستراتيجيات المؤسسات؟ بمعنى أوضح: هل هناك أي ثوابت؟

      هناك بالتأكيد خمس ظواهر يمكن اعتبارها ثوابت وهي ليست اقتصادية أساسا وإنما اجتماعية وسياسية في المقام الأول. وهذه الثوابت الخمسة هي:

      (1)انهيار معدل المواليد في العالم المتقدم.

       (2)التحولات في توزيع الدخل لمتاح.

       (3)تعريف الأداء.

       (4)التنافس العالمي.

     (5)تزايد التنافر بين العولمة الاقتصادية والانقسام السياسي.

2. 2 فـهم الثوابت:

       (1)انهيار معدل المواليد:

            يرى دركر-وغيره-أن العالم المتقدم يعاني من "شيخوخة سكانية" -مع كونها ليست ظاهرة جديدة-وهي الظاهرة الديموغرافية التي تشغل بال الاقتصاديين والسياسيين وكل شعوب الدول المتقدمة، ويصفها بأنها حالة انجراف نحو الانتحار القومي الجماعي بنهاية القرن الواحد والعشرين، فانهيار معدلات المواليد ليس لها سابق على مر التاريخ، فقد تدنت معدلات المواليد في أوروبا الغربية والوسطى وكذلك اليابان إلى أدنى من النسبة المطلوبة لتكاثر السكان، ويحذر قائلا:"يجب من الآن فصاعدا أن تبنى كل استراتيجيات المؤسسات في الدول المتقدمة على أساس افتراض نسبة السكان المتدنية، وخاصة نسبة السكان صغار السن والآخذة في الانكماش"[11]. وهناك بعض المؤشرات ستكون واضحة على هذه الأزمة: (1) من المتوقع أنه خلال العشرين أو الثلاثين سنة القادمة ستهيمن المشكلات السكانية على سياسات الدول المتقدمة. وعلى ذلك (2) سيكون عدم الاستقرار الحكومي هو السائد. وهذا ما ستعنى به إستراتيجية الإدارات في الدول المتقدمة: البدء بدراسة المشكلات السكانية في ظل انهيار معدل المواليد.

         وعلى مستوى المؤشرات الفردية فإن الانكماش في أعداد الشباب والنمو الثابت في عدد كبار السن يجعل استراتيجيات الدول تأخذ منحى مغاير لبناء مستقبلها: ربما تكون اليابان المثال الأوضح على ذلك، فاليوم هي الدولة الرائدة حتى الآن التي فهمت: أن العنصر الأساسي لقدرة الدولة على الأداء يتركز في حسن تعليم نشئها، وبالتالي يعتبر معلم المرحلة الابتدائية في الواقع هو الجزء المهم في العملية التعليمية، ومن الأهمية بمكان أن يعامل ويحترم ويدفع له وفقا لهذا المفهوم.

       (2) التحولات في توزيع الدخل لمتاح:

             إن التحولات التي تحدث في حصص الدخل المتاح تعتبر في غاية الأهمية، شأنها شأن التحولات في السكان، وأهم أربع قطاعات نامية في القرن العشرين يجب رصد توجهاتها لتكون صلب أعين الإستراتيجية التي توضع وهي: (1) توجه الحكومات(2)توجه الرعاية الصحية(3)توجه التعليم(4)توجه صناعة الترفيه. وهذه التوجهات في القرن العشرين يجب أن نعرف ماذا تعني بالنسبة للقرن الواحد والعشرين. وهذا يتطلب أولا تحديد ما الذي يجعل الصناعة مثلا صناعة نامية أو صناعة ناضجة أو صناعة هابطة: فالصناعة النامية هي التي يكون الطلب على منتجاتها سواء كانت بضائع أم خدمات تنمو بشكل أسرع من الدخل القومي أو السكان أو كليهما. والصناعة الناضجة هي التي يكون فيها الطلب على منتجاتها أو خدماتها ينمو بنفس سرعة نمو كل من الدخل القومي أو السكان أو كليهما. والصناعة الهابطة هي التي يكون فيها الطلب على منتجاتها أو خدماتها ينمو بسرعة أقل من نمو الدخل القومي أو السكان أو كليهما، حتى لو كانت مبيعاتها تواصل نموها. وقد تنقلب الصناعات الناضجة أو الهابطة وتصبح مرة أخرى صناعة نامية وهذه تستطيع أن تخلق المستقبل أيضا إذا ما صعدت[12].

     (3) تـعريـف الأداء:

            طرح جيمس هارينغتون(1611-تـ 1677م) والذي يعتبر أبا الفلسفة السياسية الإنجليزية في كتابه]الأوقيانوس[مفهوم أن"السلطة تعقب الملكية". إنه الانتقال في الملكية من النبلاء العظماء إلى ملاك الأرض الرئيسيين. وعل ضوئها يفسر الثورة الإنجليزية التي جاءت في عام (1640م). فقد فسر الأداء السياسي بالتحول السكاني الديموغرافي وظهور الطبقة الوسطى من العمال الميسورين. وعليه فإنه على المؤسسات التفكير بروية عما يعنيه الأداء، فالإستراتيجية بشكل متزايد يجب أن تبنى على المعنى الجديد للأداء[13].

    (4) الـتنافس العـالمي:

         يجب على جميع المؤسسات أن تجعل التنافس العالمي هدفا إستراتيجيا، لذا ما لم تقس نفسها وفق المعايير التي فرضتها المؤسسات الرائدة في مجالها في أي مكان في العالم، وتجعل منها معطيات تنطلق منها نحو فضائها الإبداعي فإنها لن تحافظ على بقائها، ناهيك أن تنجح. فالإدارة دون المقاييس الدولية الرفيعة المستوى سيكون مصيرها التقزم تماما، ولعل أفضل مثال على ذلك المكسيك: فقد انتهجت سياسة متأنية على مدى خمسين عاما أي منذ عام (1929م) لبناء اقتصادها المحلي بشكل مستقل عن العالم الخارجي، فمنعت شركاتها من التصدير لكن هذا الأسلوب فشل فشلا ذريعا بل أصبحت المكسيك فيما بعد تعتمد على الاستيراد بشكل متزايد[14].

    (5) تزايد التنافر بين العولمة الاقتصادية والانقسام السياسي:

            المبدأ الخامس والأخير الذي يجب أن تُبنى وفقه الإستراتيجية في ظل فترة تتسم بالتغيير الهيكلي عالميا هو تنامي التنافر المتزايد بين الواقع الاقتصادي والواقع السياسي: فاقتصاد العالم يتجه لاتخاذ الصبغة العالمية بشكل متزايد، والحدود القومية أصبحت تمثل معوقات ومراكز تكلفة. وذلك لأن المال والمعلومات باتت"متخطية للحدود القومية" وتوجد ثلاث مجالات يتشابك بعضها مع بعض: (1)أن هناك عولمة اقتصادية حقيقية(2)أن هناك اقتصاديات إقليمية(3)أن هناك حقائق قومية ومحلية ذات صلة بالاقتصاد. وهذا هو الواقع الذي يجب أن تبنى عليه الإستراتيجية. لأنه من الآن، فصاعدا سيُبنى النمو على الشَّرَاكَات والـأحلاف والدخول في مشاريع مشتركة بدلا من الاندماج والامتلاك والأوامر والسيطرة. أيضا ستبنى الإستراتيجيات على أساس افتراض التأقلم في التقلبات وعدم الاستقرار[15].

· 3  تحديات قائد التغيير:

3. 1 لا يستطيع الفرد وحده إدارة التغيير:

      "لا يستطيع الفرد وحده إدارة التغيير، بل يمكنه فقط أن يقوده" هكذا يقول دركر، لأن قادة التغيير في إدارة القرن الواحد والعشرين مهمتهم الرئيسة هي النظر إلى التغيير باعتباره فرصة سانحة، حيث سيكونون في عملية بحث دؤوب عن هذه الفرص وصناعتها لجعلها فعالة داخل مؤسساتهم وخارجها وهذه المهمة تتطلب الآتي:(1)وضع السياسات المناسبة لصناعة المستقبل(2)إيجاد منهجية منتظمة للبحث عن التغيير وتوقع حدوثه(3)الأسلوب الصحيح لإدخال التغيير داخل المنظمة وخارجها(4)إيجاد سياسات لتوازن التغيير وضمان استمراريته. وترتكز هذه المتطلبات الأربع على الإجابة عن سؤال: كيف تصبح قائدا للتغيير؟ وما هي سياسات التغيير الكبرى[16]:

3. 2 سياسات التغيير:

        (1) التـخلي المنـظم:

             لا يكفي جعل المنظمة منفتحة ومتقبلة أن يجعلك قائدا للتغيير. بل ربما يكون هذا إلهاء عن العمل، ومن أجل أن تكون قائدا للتغيير يتطلب ذلك وضع سياسات لجعل الحاضر قادرا على صناعة المستقبل، فالعمل المختلف يصطدم دائما بصعوبات غير متوقعة. لذلك أول سياسة تغيير يجب أن تعمم على سائر المؤسسة هي عملية التخلي المنظم عن الماضي الروتيني في عمل المؤسسة. ربما تكون الإجابة الصحيحة هي فعل الكثير من الأمر نفسه، لكن يجب فعله بشكل مختلف[17]. ثمت مثل طبي قديم يقول: «لا يوجد شيء أصعب وأكثر تكلفة، بل لا طائل منه، أكثر من محاولتك منع جثة من التعفن!»[18].

      (2) التـحسين المنتـظم:

               السياسة الثانية لقائد التغيير هي التحسين المنتظم والمستمر وهو ما يسميه اليابانيونالكايـزن<. وما من شك أن إدخال التحسينات لمستمرة في أي مجال يؤدي في النهاية إلى تحول العملية، وبالتالي إحداث تغيير جوهري[19].

      (3) استـثمار النـجاح:

               السياسة الثالثة لقائد التغيير هي استثمار النجاح فلكي تصبح المؤسسة قائد تغيير يجب أن تركز على الفرص. وإن جاز التعبير يجب أن تقوم بإماتة المشكلات وتشجيع الفرص. إن شركة "سونـي" اليابانية والتي تعتبر من أكبر الشركات المتماسكة والمتناغمة والناجحة على مستوى العالم، بنت كل منتجاتها الإلكترونية الاستهلاكية على منتج لم تكن هي التي ابتكرته: جهاز التسجيل على الشريط، أحد منتجات شركة سوني المبنية على المسجل والذي قاد إلى تصميم منتج آخر ...وهكذا نجاح يُستثمر في نجاح ليقود إلى ابتكار جوهري وحقيقي. وكل ذلك من أجل الاستمرارية التي أحد أهم أركانها الشَّرَاكَة[20].

      (4) خـلق الابتكار والتـغيير واغتنام الفرص:

               السياسة الرابعة لقائد التغيير هي وضع سياسة منهجية للابتكار وذلك يعني أن يكون لديها سياسة ابتكار منتظمة لخلق التغيير. فكل شيء يتم تحسينه وتطويره من المهم أن يُختبر على مستوى محدود كعملية استرشاد ذاتي مستمر، لأن ذلك يجعل كل المنظمة تنظر إلى التغيير باعتباره فرصة يجب اغتنامها. إن الابتكار ليس عبارة عن "ومـضة من الـعبقرية" إنه عمل شاق. لذا يجب تنظيمه كجزء طبيعي من قِبَل كل وحدة داخل المؤسسة، وأي مستوى إداري آخر[21].

      (5) نـظام الـمحاسبة:

           السياسة الخامسة والأخيرة لقائد التغيير هي وضع نظام محاسبي وسياسات للميزانية تكون ملاءة للإستراتيجية العامة للمؤسسة، وهذه الميزانية تنقسم إلى قسمين: (1)ميزانية تشغيل تكون من 80 إلى90% (2)وميزانية للمستقبل تتراوح من 10 أو12% من إجمالي الإنفاق الكلي للمؤسسة. قليل من الإنفاق للمستقبل (مثل تطوير العاملين)يؤدي إلى نتائج عالية![22].

· 4  تحدي المعلومات:

4. 1  ثورة المعلومات الجديدة:

         إن ثورة المعلومات الجديدة آتية لا محالة. إنها ليست ثورة في المعلومات، ولا الآلة، ولا التقنية أو البرمجيات ولا السرعة فحسب، إنها ثورة في الـمفاهيم. وهي ليست حادثة في تـقنية المعلومات: Information Technology(IT)، أو في إدارة نـظم المعلومات:Systems Information Management (MIS) فثورات المعلومات المفاهيمية الجديدة ستركز على طرح السؤال التالي:"ما معنى المعلومات؟ وما الغرض منها في أعمالنا؟" وليس فقط توفير البيانات المبعثرة. وعليه سيتم التحول –بعد التشبع التقني- خصوصا في مجال التعليم والرعاية الصحية من التقنية(T) في تقنية المعلومات إلى المعلومات(I) بينما تتغير في العمل التجاري[23].

4. 2  استراتيجيات في التعامل مع التحدي المعلوماتي:

         ثورة المعلومات الحالية هي في الواقع ثورة المعلومات الرابعة في التاريخ البشري بعد الثورات الثلاث:(1)الأولى اكتشاف الكتابة (2)والثانية اختراع الكتاب المكتوب(3)والثالثة اختراع آلة الطباعة ومجموعة الحروف المطبعية القابلة للتحريك بين عامي(1450م و 1455م)[24].

        والآن وسائل الإعلام المطبوعة استولت على القنوات الإلكترونية. ويعتبر اليوم أسرع بائع كتب إلكتروني في العالم هو موقع أمـازون دوت كوم Amazon.com . أصبحت الطباعة تستخدم التقنية الإلكترونية قناة لتوزيع المعلومات المطبوعة وغيرها[25]. وهذه تحديات تتطلب استراتيجيات تدرك الراهن المعلوماتي كمورد رئيس لوجودها وقيامها. لكن ما المعلومات ذات الأولوية التي تحتاجها المؤسسات اليقظة؟:

(1)      من محاسبة التكاليف إلى مراقبة النتائج:

أي أن العمل على قاعدة التكلفة على أساس النشاط لا يوفر ضبطا أفضل بكثير للتكلفة فحسب، بل يوفر بشكل متزايد مراقبة النتيجة[26].

(2)      من الخيال القانوني إلى الواقع الاقتصادي:

أصبح من الضروري ضبط منظومة التكلفة الاقتصادية، فحاجة المدراء لا تقتصر على تنظيم إدارة تكلفة المنظومة فقط، بل أيضا كل شيء آخر-خاصة إستراتيجية الشركة وتخطيط المنتج-ككل اقتصادي كامل، بغض النظر عن الحدود القانونية لكل شركة[27].

(3)      معلومات من أكل تكوين الثروة:

تدفع المؤسسات لتكوين الثروات على اختلاف أنواعها، وليس لضبط التكاليف، هذا ما يجب أن يكون واضحا وعليه فإن هذا التشخيص يتطلب أربع أدوات -هي أدوات المدير التنفيذي-:

(أ) مـعلومات أساسية: هي المقاييس المعيارية للتشخيص الإداري.

           (ب) مـعلومات الإنتاجية: وهي ما نحتاج إليه من بيانات منظمة عن العوامل الكلية للإنتاجية. و أحدث الأدوات التي استُخدمت للحصول على معلومات الإنتاجية هي "المقارنة المرجعية" لمقارنة أدائك مع أفضل أداء في مجالك.

(ج) مـعلومات الكفاءة: أي المتابعة اليقظة للأداء التنافسي وأداء منافسيك، ويتيح هذا التحليل للأداء إدراكا مبكرا للفرص. فعَالَم الإداريات يحتاج إلى أهم الكفاءات الجوهرية وهي "الابتكار" الذي يؤشر على جودة الأداء.

(د) مـعلومات توزيع الموارد: لا توجد طريقة أفضل لتحسين أداء منظمة من قياس نتائج رأس المال مقابل الوعود والتوقعات. لكن عامل رأس المال هو عامل واحد، لأن العامل الأكثر ندرة في أي منظمة
تاريخ النشر : 23-08-2009

6148 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com