آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

تفكيك الاستشراق:قراءة واقعية نقدية

بتول الجابري


تفكيك الاستشراق:قراءة واقعية نقدية

تأليف الدكتور صلاح الجابري

نشر في ليبيا ـ طرابلس، 2005

يتألف الكتاب من خمسة فصول، تناول الكاتب في الفصل الأول طبيعة الخطاب الاستشراقي والسلطة الثقافية التي يرتكز عليها، منطلقا في ذلك من تحليلات إدوارد سعيد. يقول الكاتب: ((ما الاستشراق إلا تعبير عن تخارج الثقافة الغربية، فإذا كان تسلط الثقافة يرسم صورة الثقافة الغربية في الداخل، فإنّ تسلط الاستشراق يرسم صورة تلك الثقافة في الخارج، وبتعبير آخر؛ إنّ العلاقة التي ترسمها ثقافة التسلط، أو سلطة الثقافة الغربية مع الثقافات، التي تقع خارج حدودها الجغرافية، ليست علاقة حوارية أيضا، بل علاقة قمع وإلغاء أو إقصاء، وهذا الإلغاء يتم تنفيذه عن طريق إعادة تقديم الآخر بصورة تمثيلية تحقق القناعات والأحكام المسبقة، التي تحملها ذهنية الغربي عن الشرق، إنّه نوع من التحريف والتزييف للآخر، وإذا علمنا أنّ الأسطورة هي إسقاط المحتوى النفسي على الواقع العيني، فإنّ الاستشراق، والشرق الغربي، ممارسة فكرية أسطورية غربية)).

ويفسر الكاتب علاقة الغرب بالشرق باستخدام مفهومي ((التمثيل)) و((التماثل))، ويقصد بالتمثيل التخيل الغربي لصورة الشرق خارج الإطار الواقعي للشرق كما وصفه إدوارد سعيد، أما التماثل فهو السياسة الاستعمارية الغربية التي استهدفت محق خصوصية الثقافات الشرقية واستبدالها بالثقافة الغربية لتسهيل تنفيذ المخططات الاستعمارية وحماية مصالح الدول الكبرى. ويرى الكاتب: إن التماثل هو الغاية النهائية للإمبريالية، وتتمثل بدخول المجتمعات كافة محور المدنية الغربية. وبحسب النظرية التطورية يشكل التماثل نهاية الاستعمار، لكن ذلك لا يعني إنهاء الإمبريالية بمعناها السياسي أو القضائي

وفي الفصل الثاني حاول الكاتب الربط بين الاستعمار والإنثروبولوجيا والاستشراق، منطلقا من واقع ارتباط الإنثروبولوجيا، في بداية نشوئها، بالسياسات الاستعمارية للدول الكبرى، ولذلك كانت جزءا من البحث الاستشراقي ولهذا السبب وضعت في قفص الاتهام من لدن بعض كتاب الغرب أنفسهم مثل جيرار ليكرلك. ومن أجل إثبات أطروحته ناقش الكاتب مختلف النظريات الإنثروبولوجية مفككا أطروحاتها، وكاشفا عن أغراضها السياسية والاستعمارية المستبطنة فيها، وموضحا التطورات المنهجية والعلمية التي طرأت عليها مؤخرا فأكسبتها رؤية موضوعية عزلتها بشكل واضح عن الاستشراق والأيديولوجيات السياسية نسبيا مفرغة الاستشراق من تسويغاته الكلاسيكية.

ويقول الكاتب: إن الأنثروبولوجيا نمت في عصر الإمبريالية الغربية فكانت خادما مطيعا لها، لكن هذه الخدمة مرت بأطوار انتهت بها إلى نقد الاستعمار ومحاولة إزالته، فالنظريات الأنثروبولوجية المعاصرة مثلا لا تسوغ الاستعمار والأيديولوجية الإمبريالية. لكن مع ذلك فإن فهم الاستعمار، وفهم الأنثروبولوجيا يقتضي الكشف عن العلاقات المتبادلة بينهما، فضلا عن أن الاستشراق ظل أمينا لأطروحات الأنثروبولوجيا الغربية في تحليله وتقييمه لشعوب العالم الثالث.

وينتهي الكاتب في هذا الفصل إلى القول: ((إذن الاستشراق والأنثروبولوجيا والاستعمار مركب ذهني غربي ترجم ذلك التناقض الكبير الذي يشعر به الإنسان الأوروبي تجاه الآخر، وهو تناقض افرزه المحتوى الفكري والقيمي للإنسان الأوربي، الذي وجد انه يتضارب ويتناقض مع المحتوى الفكري والقيمي للإنسان الشرقي، والإسلامي منه بالتحديد. هو إذن تناقض حتمي يفرضه واقع تضارب المبادئ الفكرية والعقائدية بين الطرفين، لكن إذا كان تناقض منظومتين واقع حتمي، فهل أن أسلوب التعامل مع هذا التناقض هو أسلوب وحيد ونمطي وحتمي بالمستوى عينه؟ الجواب بالسلب؛ فالوجود الواقعي لمنظومتين فكريتين متضاربتين شيء، وأسلوب ومنهج التعامل مع هاتين المنظومتين شيء آخر. من هنا فإن الاستشراق والاستعمار والأنثروبولوجيا الموجَّهة بالأيديولوجيا ميادين بحاجة إلى دراسة نقدية، بل إلى تفكيك يتفاوت حسب موضوعية الطرح والفهم في كل منهما. ولا نستطيع القول بالرفض المطلق، فقد انطوى الاستشراق على جوانب موضوعية مفيدة، وكذلك الأنثروبولوجيا لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من عدم وجود ما يبرر الاستعمار حتى على المستوى النسبي أو الجزئي؛ لأن الاستعمار بما ينطوي عليه من التهديد بالقوة العسكرية وممارسة الإكراه ضد الآخر، أمر لا يوجد ما يبرره ثقافيا وفكريا، حتى ضمن المقاييس الثقافية الغربية نفسها، كما شاهدنا ذلك في تطور الاثنولوجيا في القرن العشرين خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. ومع ذلك لا يعدم الغربيون التماس مبرر جديد للاستعمار، قد لا يستند إلى المقاييس الثقافية التي طرحتها الأنثروبولوجيا، ويستند إلى مبررات سياسية وأمنية أخرى، مثل الديمقراطية ومحاربة الإرهاب والاستبداد الشرقي. ومن هنا يمكن أن نسأل هل أصبحت الديمقراطية مبرراً جديداً لاستعمار جديد؟ وهل يعبِّر هذا الاستعمار الجديد عن نفس التناقض الذي افرز الاستعمار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟ ربما يكون الجواب إيجابا، إذا قارنا الوضع الراهن بالوضع الدولي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي؛ فعندما كان الغرب مشغولا بتناقض أكبر طرفه المقابل هو الاتحاد السوفيتي ضعف الشعور بتناقضه مع العالم الثالث، بل تم تذويب هذا العالم ضمن ذلك الصراع الأكبر، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تغير الوضع الدولي تماماً، فبرز الطرف التقليدي السلبي في التناقض من جديد، فأصبح العالم الإسلامي يمثل الطرف النقيض البديل عن الاتحاد السوفيتي، هكذا تظل الذات الغربية تبحث عن موضوع سلبي تكتشف ذاتها من خلاله)).

في الفصل الثالث يصف الكاتب منطق الاستشراق ومنهجه في التعامل مع الشرق، ويكشف عن التحولات السلبية والتطورات الإيجابية التي خضع لها هذا المنطق، من الانفعال، إلى التفكير الهادئ والمنمذج الذي لايخلوا من الغرضية، إلى المناهج الاجتماعية اللسانية الحديثة ، مقارنا ذلك بمنطق البحث لدى الإسلاميين بين السلب والإيجاب أيضا. إذ يعكس ذلك المنطق واقع العلاقة التي تربط الغرب بالشرق وتحولاتها أيضا حسب المستجدات والظروف.

ويدخل الكاتب في الفصل الرابع في بناء رؤية إسلامية ومنهج موضوعي يناقش الاستشراق بشكل علمي وهادئ من دون تشنج أو تحيز، ولهذا السبب عنون فصله بـ ((بناء الرؤية)).

وانطوى الفصل الخامس، على موقف نقدي فكك المنهج التاريخي الذي استندت إليه الرؤية الاستشراقية الكلاسيكية، ويصف الكاتب الموقف النقدي قائلا: ((يتطلب البحث النقدي إذن وعيا تاما بمناهج المستشرقين، بجوانبها السلبية والإيجابية، فضلا عن الحذر من الوقوع في مزالق عديدة قد يقود إليها التطبيق غير الواعي لتلك المناهج، ولذلك أشدد على أن الاستفادة من البحث الاستشراق ينطوي على مخاطرة كبيرة إن لم يكن مسبوقا بوعي دقيق بمناهجه، وبموقف نقدي تفكيكي لعناصره البنائية. ومن دون ذلك قد يتعرض الباحث إلى الوقوع في محذورين، الأول: الانسياق الأعمى مع تلك المناهج ونتائجها السلبية، والثاني الرفض المطلق لكل بحث استشراقي سواء كان علميا عقلانيا أو كان مغرضا وليس موضوعيا. وكلتا النتيجتين سلبية بل وخيمة الأثر على الفكر الإسلامي الناهض، والذي بحاجة إلى ثورة نقدية من داخله. وأن أبناءه اكثر وعيا بعيوبه لو أصروا على أن لا يبقوا مغلقي الأعين، ومنقادين إلى مجموعة اجتهادات وآراء تحكمية تجاوزها الزمن فغدت غريبة عن الواقع الراهن. ولذلك فالمسلمون مدعوون إلى ثورة نقدية لتاريخ الإسلام السياسي والتشريعي، تتلوها نقلة نوعية إلى مصاف الحداثة الحقيقية المواكبة للعصر والملتزمة بأصول ثابتة)).

ويقف الكاتب موقفا وسطا بين الرفض والإذعان المطلق، ويقدم نقدا مزدوجا لكل من الممارسة التاريخية الإسلامية السلبية في كثير من مواقعها التاريخية وللاستشراق الذي تبنى موقفا مسبقا من الحضارة الإسلامية والشرق عموما، وتَمَثَّل صورة كاريكاتورية عن الشرق مستقاة من أساطير ألف ليلة وليلة، وحكايات ابن المقفع، والمواقف والسلوكيات الفوضوية لبعض الخلفاء والأمراء في تاريخ الإسلام، متجاهلا العناصر التنويرية والمحطات التاريخية التقدمية التي رسمها الفكر الفلسفي والعلمي في تاريخ الإسلام. كما كشف الكاتب عن تراجع الفكر السياسي في العالم الإسلامي ووقوعه تحت نير التسلط والديكتاتورية الدينية والعلمانية.

وقد كشف الكاتب عن حقيقة عدم تناقض الوحي وحركة التاريخ، ومسوغا من الناحية الفلسفية دور العامل الميتافيزيقي في تحريك البنى التاريخية الفوقية. ويرى بأن سبب تناقض المستشرقين هو محاولاتهم دراسة الجانب الإلهي بمنهج مادي فانتهوا إلى نتائج مشوهة، والحقيقة إن ما يتسع له المنهج التاريخي والمادي هو الجانب البشري التاريخي أما الجانب المتعلق بالوحي أو البعد الإلهي فلا يمكن تحديده بشكل دقيق عن طريق خطة مادية، يقول الكاتب: ((فالبحث العلمي يجب أن ينحصر إذن في الجانب البشري، أما البعد الإلهي فلا يمكن استكشافه بالمنهج العلمي؛ لأنه أكبر من أن يحتويه منهج بشري، فهو مسألة تتجاوز العقل البشري، فلا يعثر العقل فيه على محددات دقيقة لانطلاق البحث فضلا عن أنه غير مشخّص في حد ذاته في الواقع، ولذلك يؤخذ مأخذ المسلمات المصدق بها بقرينة النبوة. والنبوة بوصفها فعلا تاريخيا مجاله الميدان الاجتماعي فهي تخضع للسنن التاريخية والكونية، ولذلك يمكن بحث هذا الجانب البشري باستخدام المنهج العلمي بقطع النظر عن مصدره الإلهي)).

ويستنتج الكاتب من ذلك بأن: الوحي لا يمكن اصطياده إلا من خلال الترجمة البشرية له إلى واقع عملي. الوحي في التاريخ هو ليس كالوحي في السماء، الوحي في التاريخ، بوصفه مجموعة الجهود البشرية لصياغة نظام الحياة وفقا لمبادئ محددة، يخضع للسنن التاريخية، ولذلك يمكن دراسته وفق المنهج العلمي. أما الوحي كما هو في السماء فلا يمكن أن يمسك به البحث العلمي ولا يمكن طرحه كموضوع قابل للإدراك. فهذا الجهد البشري سواء الذي بذله الرسول (ص) أو الصحابة الكرام أو الأئمة الأطهار من بعده هو عبارة عن أنسنة الوحي، ذلك إن من دون هذه الأنسنة لا يمكن أن يتحول الوحي إلى مبادئ عمل. كما أنه إذا افترضنا إن أولئك البشر هم بمستوى الوحي أو بمستوى الملائكة أو الإله كما تدعي المسيحية، لكان من غير المجدي دعوة البشر إلى تلك المبادئ لأنها سوف تكون دعوة إلى طبيعة أخرى غير الطبيعة البشرية، وهذا أمر متعسّر تكوينيا، فضلا عن الاستحالة التشريعية.

يطبق الكاتب في الفصل السادس ذلك المنهج بتلك الرؤية على مواقف الاستشراق من ثلاث مواضيع مهمة هي: القرآن الكريم، والنبوة، والوحي. ويخرج الكاتب بنتيجة مؤداها بأن تلك المواقف ليست موضوعية، كاشفا عن الخلل العلمي الذي ينتاب التفسير التاريخي الاستشراقي، وأن معظم نتائج المستشرقين فيما يخص القرآن أو النبوة مجرد تخمينات وليست حقائق علمية مستندة إلى المنهج رصين، يقول الكاتب: ((إن العلم لا يقوم على تخمينات غير مدعَّمة بأدلة تجريبية كافية، بل يرفض المنهج العلمي الموضوعي استبدال قضية مدعومة بأدلة ساحقة بقضية أخرى أضعف، وغير مدعومة بأدلة كافية)) وهذا هو ما فعله المستشرقون فيما يخص المسائل المذكورة أعلاه. وناقش الكاتب في هذا الفصل موضوعات شيقة بنى من خلالها أحكام موضوعية تتعلق بالمقارنة بين القرآن والإنجيل والتوراة، والاختلاف في الرؤية والحقائق بين القرآن وتلك الكتب المحرفة. من خلال تحليل الموقف من المرأة، وتفسير الشجرة التي أكل منها آدم، والرؤية الفلسفية في القرآن، وأخيرا الموقف من الوحي وتفسير المسترقين الوحي عن طريق علم النفس المرضي وبيان الكاتب تهافت الدليل الاستشراقي وعدم انسجامه مع أطروحات علم النفس.

وفي الفصل السابع ناقش الكاتب التحول الثقافي في الغرب ومدى الإسهام الكبير والمباشر للحضارة الإسلامية في ذلك التحول، فقد كشف أولا عن الموقف النقدي للفلاسفة الإسلاميين من الفلسفة اليونانية، والإضافات الفلسفية الكبيرة التي قدموها، لاسيما ما قدمته مدرسة الحكمة المتعالية بزعامة صدر الدين الشيرازي. كما كشف عن الجوانب العلمية التي نقلها الغرب عن العرب، فيما يتعلق بعلوم الرياضيات والفيزياء والطب والهندسة والفلك، وبشكل مفصل مدعم بالنصوص والشواهد التاريخية. ثم طرح المواقف الإيجابية لبعض المستشرقين من الحضارة الإسلامية والعلم العربي والإسلامي.


تاريخ النشر : 23-08-2009

6370 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com