يظن معظم ﭐلمسلمين -بمقتضى أن "ﭐلقرآن ﭐلكريم" كتاب ﭐلله ﭐللذي ﭐشتمل على ما أوحى به إلى رسوله (صلى ﭐلله عليه وسلم)- أن قراءةَ "نص ﭐلمصحف"، بآياته وسوره وأحزابه ومعها مُتُون "ﭐلحديث ﭐلنبوي"، كافيَةٌ لتحصيل ﭐلمُراد ﭐلْإلَاهي وﭐلتمكين من تَحَقُّق ﭐلِاتباع ﭐلعملي لسنة رسول ﭐلله؛ بل إن هناكـ من يُبالغ في ﭐلظن إلى حَدِّ تَوَهُّم أن مقاصد ﭐلشرع ﭐلْإلَاهي يُمكن أن يُحاط بها، على نحو قطعي وكُلِّيّ، بمجرد ﭐلتلَاوة لِآي "ﭐلقرآن" ومُتُون "ﭐلحديث".
ولعل هذا ﭐلظن ﭐلشائع لَا يُماثِلُه في سذاجته سوى ﭐلظن ﭐلْآخر ﭐللّذي يذهب ببعض ﭐلباحثين وﭐلمجتهدين من ﭐلمُحْدَثين إلى تأكيد أن "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" يمكن للمرء أن يتلقاه على نحو تام وخالص بمجرد ﭐلعُكُوف على ما رَاكَمَه ﭐلعلماءُ من ضوابط منهجية وقواعد تأويلية من شأنها –حسب ظنهم دائما- أن تُمَكِّن أي طالب من بُلوغ حقيقة ﭐلمُرَاد ﭐلْإلَاهي وﭐلعمل بحسب مقتضياته. لكننا، في ﭐلواقع، نعلم أن هذا كله إنما هو "رُكَامٌ من ﭐلنصوص" ﭐللتي تُضاف إلى "نص ﭐلقرآن" و"نصوص ﭐلحديث". ولعل أول ما يكشف عن عمق مشكلة "تلقي ﭐلنص" (وفي ﭐلحقيقة أي نص) أن "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" نفسَه لم يَتَلَقَّهُ ﭐلناسُ عبر ﭐلتاريخ ﭐلبشري ﭐلطويل إلَّا بواسطة ﭐلْأنبياء وﭐلرُّسل. إذًا لو كانت تكفي ﭐلتلَاوة ﭐلمجردة، لما كانت هناكـ أي حاجة إلى بعث ﭐلمرسلين مبشرين ومنذرين، وأيضا -بشكل أساسي- من أجل تعليم ﭐلناس "ﭐلكتاب" و"ﭐلحكمة". لهذا، نجد في "ﭐلقرآن الكريم" تأكيد ﭐلْأمر ﭐلمتعلق بأن رسالَات ﭐلله لَا يُمكن أن تصلنا إلَّا بواسطة بشر رسول، وليس من خلَال مَلَكـ أو مباشرة من دونه: ﴿وما كان لبشر أن يُكَلِّمه ﭐلله، إِلَّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء ؛ إنه علي حكيم.﴾ (ﭐلشورى:51). ومع هذا ﭐلتأكيد تتحدد ﭐلمفارقة ﭐلكبرى في "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" بـﭑلنسبة للبشر: ﴿ وما مَنَعَ ﭐلناسَ أن يُؤمنوا إذ جاءهم ﭐلهدى إلَّا أن قالوا: «أَبَعثَ ﭐللهُ بشرًا رسولًا؟!»﴾ (ﭐلْإسراء:94). فكيف لم يُمْكِن أن يتحقق ﭐلتدخل ﭐلْإلَاهي في ﭐلعالم ﭐلبشري إِلَّا من خلَال ﭐلفعل ﭐلبشري نفسه؟ وكيف يَصِحُّ أن يكون ﭐلكلَام، بمقتضى ما تحتمله بشرية "ﭐلنبي-ﭐلرسول"، حَامِلًا لـ"روح ﭐلوحي" في سُمُوِّه ﭐلْإلَاهي وكماله ﭐللَامتناهي؟
1. حدود ﭐلخطاب ﭐللغوي
حينما يتعلق ﭐلْأمر بتلقي نص معين، يجدر بمن يشتغل به أن يقف على حدود ﭐلخطاب ﭐللغوي كما قررتها نظريات ﭐلخطاب في أكثر من مستوى (لسانيا، فلسفيا، منطقيا، ﭐجتماعيا، إلخ.). ذالكـ بأن "ﭐللُّغة" تُعَدُّ، بشكل عام، نسقًا من ﭐلْأدلة ﭐلصُّورِية ﭐللتي تقبل أن يأتلف بعضها مع بعض تركيبيا ودلَاليا لتوليد ما لَا نهاية له من ﭐلجُمَل ﭐللتي يُمكنها أن تُستعمل تداوليا على نحو لَانهائي حسب ﭐلظروف وﭐلْأحوال ﭐلمتفاوتة للمتخاطبين في مقامات ﭐستعمالية شديدة ﭐلتعقيد. وعلى هذا ﭐلْأساس، فإن ﭐلخطاب ﭐللغوي تبادلٌ رمزي يتحدد، في ﭐلواقع، بـﭑلنسبة إلى شروطِ تداوله ﭐلخاصة ﭐللتي تختلف بحسب ﭐلسياقات وﭐلمجالَات تاريخيا وﭐجتماعيا، وليس فقط بحسب مُحدِّدات ﭐلبنية ﭐلصورية للخطاب كما يُراد لها أن تتجلى فيما يُسمى "ﭐلسلَامة ﭐلنحوية" أو، على ﭐلْأكثر، "ﭐلمَقْبُولية ﭐلدلَالية". ومن هنا، فإن "ﭐلخطاب ﭐللغوي" لَا يملكـ، بما هو مجموعة من "ﭐلْأسماء"، أن يَنْفَكَّـ عن تجريده ﭐلصوري لِيُلَامِس ﭐلتَّعَيُّن ﭐلوجودي لمجموع "ﭐلمُسَمَّيات"، كما أنه لَا يستطيع أن يتجاوز أشكال ﭐلِالتباس وﭐلتشويش ﭐلمرتبطة بتفاوت ﭐلْأحوال وﭐلطِّباع ﭐلتَّكَلُّمية للمتخاطبين ﭐلمُحدَّدة بدورها بواسطة تفاوتات ﭐلواقع ﭐلِاجتماعي وﭐلتاريخي لِاكتساب كفاءة ﭐستعمال ﭐللغة. ومهما تكن أهمية ﭐلتحديد ﭐلِاجتماعي-ﭐلتاريخي في إعطاء تفسير مُناسِب للنجاعة ﭐلتَّكَلُّمية-ﭐلتكليمية للخطاب في ﭐلواقع ﭐلتداولي للبشر، فإن روح ﭐلفاعلية -على مستوى ﭐلمتكلم (قدرة ﭐكتساب وﭐستعمال ﭐللغة ككفاءة طبيعية وكلية) وعلى مستوى ﭐلتبادل ﭐلتخاطبي (قدرة ﭐلتكليم في ﭐللغة ككفاءة ﭐجتماعية وتاريخية)- لَا يمكن أن تنكشف بـﭑلكامل إلَّا بـﭑفتراض فاعلية كُبرى ومُتعاليةٍ فيما وراء ﭐلشروط ﭐلطبيعية-ﭐلتاريخية-ﭐلِاجتماعية ﭐلمُحدِّدة، بشكل واقعي وعادي، لِـﭑستعمالَات ﭐللغة. ومن دون هذا ﭐلِافتراض ﭐلجريء تبقى ﭐلقوة ﭐلتكلمية-ﭐلتكليمية شبيهة بـ"ﭐلسلطان ﭐلسحري" ﭐللذي يُعتقد أنه يَبُثُّ في ﭐلكلمات ﭐلروح ﭐلفاعلة للتأثير في ﭐلْأشياء وﭐلْأشخاص[1].
ونجد أن "ﭐلقرآن ﭐلكريم" و"ﭐلحديث ﭐلنبوي"، بما هما مُتُون مَصُوغةٌ في ﭐللسان ﭐلطبيعي للمتكلم ﭐلعربي، خاضعان للشروط نفسها ﭐللتي يخضع لها ﭐلخطاب ﭐللغوي، ليس فقط من حيث كونهما "نَظْمًا" جاء وفق أساليب ﭐلعرب في ﭐلكلَام، وإنما أيضا من جهة كونهما لَا يتم تلقيهما من طرف ﭐلمخاطب إلَّا في حدود إمكانات ﭐلخطاب ﭐللغوي رمزيا وتداوليا وشروط ﭐلتلقي ﭐجتماعيا وتاريخيا. فلَا يمكن، إذًا، أن يُمتلَكـ محتوى "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي"، كما هو في "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث"، إلَّا بـﭑعتبار أن ﭐلْأمر يتعلق بـ"وحي" (بـﭑلمعنى ﭐلحقيقي وﭐلكامل لمفهوم "ﭐلوحي") عبر ﭐلتداول ﭐللغوي كما يحدث في ﭐلواقع ﭐلبشري بشروطه وحدوده، من دون أن يَفْقِد "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في ذاته أي صفة من ﭐلصفات ﭐللتي تجعله مُتعاليا، كاملًا، ولَانهائيا ؛ وحتى مع إمكان ﭐفتقاد ذالكـ ﭐلواقع ﭐلبشري للشروط ﭐللتي تُحَقِّق فعليا تلقي خطاب ﭐلوحي بصفاته تلكـ كلها.
وهكذا فإن مذهب كثير من ﭐلدارسين، خصوصا بين ﭐلمعاصرين، يتمثل في حصر "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في حدود ما يعطيه "ﭐلخطاب ﭐللغوي" بكل شروطه ﭐلمُقَوِّمة، مما يَجْعلُهم يبدون غير مستعدين للذهاب إلى أبعد ما يُمكِّن منه ﭐلواقع ﭐللغوي لـ"ﭐلنص" بما هو واقع تاريخي وﭐجتماعي في نسبيته وتعدده وتناهيه[2]. وﭐلغريب في ﭐلْأمر أن معظم ﭐلمسلمين، حتى بين ﭐلعلماء، يقفون في واقع ﭐشتغالهم عند حدود "ﭐلنص" كبناء لغوي، لكن بإضافة أنه "وحي مقدس"، وهي ﭐلْإضافة ﭐللتي تُمَثِّل كامل ﭐلفرق بين "ﭐلوحي" كفعل إلَاهي وغيره من أشكال ﭐلفعل ﭐلبشري. غير أن من يؤكد هذا ﭐلفرق ﭐلمُهم يبدو، في غالب ﭐلْأحيان، عاجزًا عن تَبيُّن وتبيان خصوصية وأبعاد تَجَلِّي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في "ﭐلنص ﭐلمقدس" ﭐلمتداول بين أيدي ﭐلناس. وهذا ﭐلعجز هو نفسه ﭐللَّذي يُقَرِّب هؤلَاء من أولَائكـ ﭐللذين يقفون بـ"ﭐلْأصل ﭐلمُقوِّم" للنجاعة ﭐلتداولية للخطاب ﭐللغوي عند "سببية ﭐجتماعية وتاريخية" من دون أي تَعَالٍ يَسمُو على كل ما يبدو طبيعيا ويتجاوز ما يتحدد واقعيا. وبهذا ﭐلوقوف يزداد تأكيد حدود أي خطاب لغوي، بما في ذالكـ "خطاب ﭐلخطاب" كما يُمارسُه أولَائكـ ﭐلدارسون، وهو أمر يَغْفُل عنه كثير منهم إلى ﭐلحد ﭐللذي يجعلهم يعتقدون أن خطابهم لَا كُفُؤَ له.
2. أهمية "ﭐلرسالة ﭐلنبوية"
إن "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي"، كما يتجلى في "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث"، يُمَثِّل حقيقةَ "ﭐلرسالة ﭐلنبوية". و"ﭐلنبي-ﭐلرسول"، بما هو وسيطٌ بين ﭐلله وﭐلبشر، ليس مجرد أداة إيصال تضع -بين مَداركـ وأسماع ﭐلمُخاطَبِين بـﭑلوحي- ﭐلمُرادَ ﭐلْإلَاهي في صورة أمر ونهي، وإنما هو بـﭑلْأساس تَجَلٍّ فِعْلي للقدرة ﭐلْإلَاهية بما هي قدرة مُطلقة على "ﭐلوحي"، لَا بمعنى "ﭐلكلَام" كفعلٍ لقاصدٍ نحو مقصوده، وإنما بمعنى "ﭐلتكليم" كفعل حيٍّ وبمعنى "ﭐلذكر" كإيقاظ وإحياء للروح. فـ"ﭐلنبي-ﭐلرسول"، بما هو بَشَرٌ مُصطنَعٌ على عين ﭐلله وبما هو شَخْصٌ مُصْطفى يُوحى إليه، له ﭐلقدرة على خرق حدود "ﭐلخطاب ﭐللغوي" كما يخضع لها واقع ﭐلتبادل ﭐلكلَامي بين بني ﭐلبشر. ومن هنا كانت ﭐلمشكلة كلها في إدراكـ "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في علَاقته بـ"ﭐلرسالة ﭐلنبوية". ذلكـ بأن تصور "ﭐلنبي-ﭐلرسول" كمجرد بشر له قدرة متميزة على مخاطبة ﭐلناس بلسانهم يجعله خاضعا لسُنَن ﭐلناس في ﭐلتميز ﭐجتماعيا وثقافيا (ﭐجتماعيات فيبر وبورديو[3]). ومن ثم، فكل مُحتوَى "رسالة ﭐلنبي"، بما هي فقط مجرد "نص"، يُمكن (ويجب) وفق هذا ﭐلظن أن يُدرَكـ ويُفسَّر بـﭑلشروط ﭐلِاجتماعية وﭐلتاريخية ﭐلمُحدِّدة بـﭑلضرورة لِإنتاجه وتداوله.
ذالكـ قصارى ما تَشْرَئِبُّ إليه هِمَمُ ﭐلباحثين غربا وشرقا ﭐلواقفين دون إدراكـ أن "ﭐلرسالة ﭐلنبوية" تَجَلٍّ فعلي للتدخل ﭐلْإلَاهي في واقع ﭐلحياة ﭐلبشرية، وهو ﭐلْإدراكـ ﭐللذي يجعل رسالة محمد بن عبد ﭐلله (صلى ﭐلله عليه وسلم) -بما هي "نص" لَا يقبل ﭐلفصل عن "ﭐلتنزيل" كتجسيد حي- "رسالةً نبويةً" تستعصي على ﭐلِاختزال في حدود "ﭐلخطاب ﭐللغوي" وأشكال تبليغه وتَلَقِّيه. وإن أهمية "ﭐلرسالة ﭐلنبوية"، كعمل حيٍّ يُحيط بـﭑلنص ويتجاوز حدوده ﭐللغوية في ﭐلخطاب، لَا تبدو إلَّا حينما نُدركـ أن "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" يُعَبِّر عن ﭐلقدرة ﭐلْإلَاهية على ﭐلتوجيه ﭐلعزيز وﭐلحكيم لمقاصد ومداركـ ﭐلعباد عبر ﭐلحضور ﭐلدائم وﭐلبالغ للتَّعَيُّن ﭐلواقعي للرسالة، وهو ﭐلحضور ﭐللذي ينبغي إدراكه لَا فقط كما يُمثله "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" وإنما أيضا، وبـﭑلْأساس، كما يتجسد من خلَال "ﭐلسُّنَّة" ﭐللتي هي ﭐلتنزيل ﭐلحي للوحي ﭐلْإلَاهي. لَاكنَّ "ﭐلسنة ﭐلنبوية" بهذا ﭐلمعنى تتجاوز في واقع ﭐلممارسة ﭐلِاشتغال ﭐلسائد لدى معظم ﭐلناس، وحتى لدى خاصتهم من ﭐلعلماء، أي "ﭐلسنة" كـ"كطريقة معينة في ﭐلِاتباع ﭐلعملي" تُطلب فقط من خلَال "ﭐلنظر ﭐلمجرد في ﭐلنصوص". ذالكـ بأن "ﭐلسنة ﭐلنبوية" في صلتها بـﭑلحضور ﭐلفعلي وﭐلدائم للعلم وﭐلقدرة ﭐلْإلَاهيين تتعين كـ"ممارسة حية" مرتبطة بتجدد "ميراث ﭐلنبوة" عبر تاريخ ﭐلتجربة ﭐلدينية ﭐللتي ﭐكتملت بعد ختم ﭐلنبوة برسالة محمد (صلى ﭐلله عليه وسلم)، فصارت تجربة مفتوحة بين يدي ﭐلعالَمين وفق ما تُحدِّده ﭐلوراثة ﭐلعَمَليّة للعلم وﭐلحكمة ﭐلنبويين كـ"سُنَّة" ضمن سنن ﭐلله في ﭐلخلق وﭐلْأمر.
3. إحراجات ﭐلفهم ﭐلتأويلي وﭐللَّهْو ﭐلنَّقْضِيّ
أن يكون ﭐلْإسلَام إذًا "رسالةً نبويةً" تُجَسِّد واقعيا وتاريخيا "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في ﭐكتماله وتجدُّدِه، فهذا يقتضي ﭐلتعامل مع "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" على نحو مختلف تماما عما هو مُكَرَّسٌ في ﭐلمنظور ﭐلسائد، لَا فقط بين علماء ﭐلرُّسوم من ﭐلمسلمين (ﭐللذين يكتفون برسوم ﭐلنص تِلَاوةً وتفسيرًا) وإنما أيضا بين دارسي "ﭐلنص" ﭐلمعاصرين (ﭐللذين يَعْكُفُون على ﭐلخطاب ﭐللغوي للنص تأويلًا ونَقْضًا). فـ"ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث"، بما هما وحي إلَاهي، لَا سبيل إلى تلقيهما بالوقوف فقط عند رُسُومهما بما هما مجرد "نُصوص" تُتلى وتُأوَّلُ. ذلكـ بأن كونَهما يُمَثِّلَان خطابَ "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" للبشر (ﭐلخطاب ﭐلْإلَاهي في لَاتَنَاهِيه ﭐلمُعجِز) يُعْطيهما كلَّ صفات ﭐلْأمر ﭐلْإلَاهي كأمر يَخْرِقُ حدود ما هو بشري (ﭐلبشري بصفته فعلًا مُحدَّدا بشروط معلومة وكلَامًا محدودا في أَمْدَائِه ﭐلمكانية-ﭐلزمانية). ولِأنَّ ﭐلْأمر ﭐلْإلَاهيَّ يبدو في حقيقته على ذالكـ ﭐلنحو، فإن تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" كان بـﭑلفعل "تَنْزيلًا" على سيد ﭐلمرسلين (صلى ﭐلله عليه وسلم)، تنزيلًا إلَاهيا جَسَّدته "ﭐلرسالة ﭐلنبوية" كتجربة حية ومَعيشة وفق أمر ﭐلله، ومن ثم كانت "ﭐلسنة ﭐلنبوية" جِمَاعًا لِأفعال "ﭐلنبي-ﭐلمرسل-خاتمًا-للنَّبِيِّين" ﭐللذي "كان خُلُقه ﭐلقرآن" (صحيح مسلم)، فـﭑستحق بذالكـ -صلى ﭐلله عليه وسلم- أن يُثْنى عليه بـﭑستعظام خُلُقه ﭐلنبوي ﴿وإنكـ لَعَلى خُلُقٍ عظيم﴾ (ﭐلقلم:4)، "خُلُقه ﭐلنبوي" كَتَجَلٍّ لِـﭑزدواج "ﭐلخَلْق" و"ﭐلْأمر" ﭐلْإلَاهيين.
ومن ثم، فإن تلقي "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" كمجرد "نُصوص" تُتْلى فتطلب معانيها إما بواسطة تَوَسُّل "ﭐلتأويل" (على أساس كفاية وأصلية "ﭐلخطاب ﭐللغوي") وإما بِتَوَسُّل "ﭐلنَّقْض" (بـﭑعتبار مركزية وشمولية "ﭐلكتابة" كتجربة بشرية من داخل ﭐلعالم وبعيدًا عن كل تَعَالٍ حَاجِبٍ) لَا يُؤكد فقط تعطيل "ﭐلرسالة ﭐلنبوية" في ﭐرتباطها بـ"ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي"، وإنما يَسِيرُ في ﭐتجاه ﭐلعمل على تأنيس "ﭐلفاعلية ﭐلتاريخية-ﭐلِاجتماعية" بحصرها فيما هو إنسي و، بـﭑلتالي، تطبيعها دُنيويا بِرَدِّها إلى ما هو ممكن بـﭑلنسبة إلى شروط هذا ﭐلعالم (كحياة دنيا)[4]. ومن هنا فإن تَوَجُّه "ﭐلتأويليات"(Hermeneutics) ينحصر في حدود نظره إلى "ﭐلخطاب" كما لو كان موقوفًا حصرا للفهم ﭐلمجرد ومفصولًا عن ﭐستحضار إكراهات ﭐلوجود ﭐلبشري في خضوعه للصراع وﭐلتفاوت ﭐجتماعيا وتاريخيا وثقافيا، وهو ﭐلِاستحضار ﭐللذي يجعل ﭐلتبادل ﭐللغوي يندرج في إطار مجموع ﭐلتبادلَات ﭐلقائمة ضمن مجال ﭐجتماعي معين بكل أبعاده ﭐلمادية وﭐلرمزية، ﭐلْأمر ﭐللذي يجعل "ﭐلفهم ﭐلتأويلي" في نُزُوعه ﭐلذاتي وﭐلشكلي محكومًا بشروط موضوعية لَا سبيل لِلْإحاطة بها إلَّا بإقامة "علم ﭐلتفسير" كعلم يشتغل أساسًا بتناولٍ موضوعي لسببية إنتاج وتداول كل ظواهر ﭐلوجود ﭐلِاجتماعي للناس، وهو ﭐلتناول ﭐللذي من شأنه أن يُمَكِّن من حُصُول فهم حقيقي لسيرورة ﭐلوعي في خصوصيتها ﭐلبشرية وعمقها ﭐلروحي. وللسبب عينه، فإن "ﭐلتوجه ﭐلنَّقْضي" (Deconstructivism) لَا يستطيع أن يتجاوز عبثيةَ ونِسبيَّةَ "ﭐللهو" ﭐللذي يؤول إليه ﭐلعمل على تأكيد ﭐلطابع ﭐلتناسلي للنصوص كمغامرات تتبادل "ﭐلنقض" مَبنًى ومَعنًى إلى ما لَا نهاية وخارج كل مرجعية مُؤسِّسة أو مُوجِّهة، وبعيدا عن كل تَعَالٍ يَميل نحو حضور واقعي أو فوقي أو جدلي لقطب من ﭐلْأقطاب ﭐلكبرى في ﭐلوجود (ﭐلعقل، ﭐلكلَام، ﭐلله).
وهكذا يتبين أن ضرورة حفظ مشروع ﭐلمعقولية في إطار ﭐلفاعلية ﭐلبشرية يقتضي ﭐلعمل على تجاوز كل ﭐلمساعي ﭐللتي تَعْجِز -من جهة- عن تفادي إحراجات ﭐلِاختزال ﭐللَّاموضوعي وﭐللَّاتاريخي للخطاب ﭐللغوي في صورة نسق حكائي ذي مرجعية أو إحالة ذاتية وداخلية، وتعجز -من جهة أخرى- عن تجنب مزالق ﭐلْإفراغ ﭐللَّاإنساني وﭐللَّاعقلَاني لواقع ﭐلتداول في صورة كتابة هي، في آن واحد، ﭐنتساخٌ دائمٌ لِوُجُوهٍ مُنْتثِرة ومُنتقِضَة بلَا مبنًى ولَا معنًى، وشتات من أحداث مائعة وسائبة لصيرورةٍ تَجْرِبية خارج كل تحديد أو تعيين.
ومن ثم فإن مَطالِب ﭐلفهم وﭐلتفسير ﭐلمتعلقة بـ"ﭐلخطاب ﭐلْإلَاهي"، كما يتجلى في "ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث"، تُشير إلى فاعلية مزدوجة بين "ﭐلحق" سبحانه و"ﭐلخلق" من عباده، في إطار نوع من ﭐلمعقولية ﭐللتي لَا تَعْرِف لَا ﭐلِاختزال ﭐلمُعَطِّل للحق تعالى ولَا ﭐلِاعتلَال ﭐلناقض للِأْمر ﭐلمتنزل هدى وحكمة لمن شاء من ﭐلناس فوُفِّقَ للعمل وَفْقَهُ.
4. أهمية "ﭐلوراثة ﭐلعِلْمية-ﭐلعَمَلية"
يبدو أن ﭐلوجود ﭐلْإنساني في تَمَيُّزه يُمْكن توصيفه بـﭑلقول إن ﭐلمرء لَا يكون إنسانا حقًّا إلَّا بـﭑلقدر ﭐللذي يكون به "وارثا" على ﭐلمستوى ﭐلعضوي-ﭐلطبيعي (ﭐلوراثة في علم ﭐلْأحياء) وأيضا على ﭐلمستوى ﭐلِاجتماعي-ﭐلثقافي (ﭐلوراثة في علم ﭐلِاجتماع و، بـﭑلخصوص، ﭐجتماعيات ﭐلتربية وﭐلثقافة عند بورديو[5]). ولذا فإنَّ كَوْنَ متلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" يطلب بلوغ مقاصد ﭐلمُوحِي بواسطة تَفَهُّم ﭐلخطاب يجعلُه يتحدد ضرورةً بصفته "وارثا" من خلَال مجموع ما ﭐكتسبه في مجاله ﭐلتداولي ﭐلخاص من ﭐستعدادات تُؤهِّلُه بهذا ﭐلقدر أو ذاكـ لتلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي". وإذا كان ﭐلناس، في أحسن ﭐلْأحوال، لَا يُلَاحظون سوى "ﭐلوراثة ﭐللغوية" كما تتمثل في ﭐلقدرة على فهم وﭐستعمال لسان ﭐلتنزيل، فإن هذه "ﭐلوراثة" رغم أهميتها لَا تشتغل إلَّا على أساس "وراثة ﭐجتماعية-ثقافية" هي ﭐللتي تجعل "ﭐلْإرث ﭐللغوي" مُمْكِنًا و، بـﭑلتالي، ناجعًا في وسطه ﭐلخاص. ومن هنا، يتبين أن أيَّ تَلَقٍّ للوحي ﭐلْإلَاهي لَا يُمكن أن يكون مباشرا، وإنما هو -بحكم ﭐلوراثة ﭐلِاجتماعية/ﭐلثقافية- تَلَقٍّ يتم عبر جملةٍ من ﭐلوساطات ﭐلكثيفة ﭐللتي تَقِفُ بين ﭐلمتلقي ومحتوى ﭐلوحي ﭐلْإِلَاهِي فتحول بينه وبين حُصول ﭐلتلقي ﭐلخالص كما يحدث لِلْأنبياء وﭐلرسل. وإنه ليجدر بنا، في هذا ﭐلصدد، أن نَتَبَيَّن أن "ﭐلنبي" نفسه لَا يتلقى "ﭐلوحي" إلَّا بعد عناية إلَاهية خاصة تُهيِّئُه لتلقي ذالكـ "ﭐلوحي" ﭐللذي يتنزل "قَوْلًا ثَقِيلًا" يُلقى به في قلبه وقد أُعِدَّ لِأمر ﭐلله سبحانه. ولهذا فإن تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإِلَاهي" يتحدد بـﭑلْأساس كـ"وراثة ربانية" تتم خارج ﭐلعادة فتنتهي إلى تسديد "ﭐلوراثة ﭐلْإنسانية" وَفْق ﭐلعبادة.
ولقد ورد في "صحيح ﭐلبخاري" أن «ﭐلعلماء ورثة ﭐلْأنبياء، [إذ ﭐلْأنبياء] وَرَّثُوا ﭐلعلم، من أخذه أخذ بحظ وافر[...]». (ﭐلبخاري، كتاب ﭐلعلم، مستهل ﭐلكتاب 10). ونجد عند ﭐبن ماجة «إن ﭐلعلماء هم ورثة ﭐلْأنبياء، إن ﭐلْأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارا ولَا درهما، إنما وَرَّثُوا ﭐلعلم. فمن أخذه أخذ بحظ وافر.» (سنن ﭐبن ماجة: ﭐلمقدمة، ﭐلباب 17). وعلى هذا ﭐلْأساس ينبغي أن نُدرِكـ أن "ﭐلرسالة ﭐلنبوية" عِلْمٌ يُوَرَّثُ بـﭑلِاتباع ﭐلعملي لـ"ﭐلسنة" بما هي "تنزيل واقعي للوحي ﭐلْإلَاهي"، تنزيل يتعين في "ممارسة عملية" أو "تجربة حية مَعِيشَة" تُسَدِّد ﭐجتهاد ﭐلمؤمن في طلبه ﭐلِاستقامة على أمر ﭐلله. وبفضل وراثة "ﭐلعلم ﭐلنبوي" يحصل تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" من دون تحريف ولَا تعطيل ولَا تأويل، أي بعيدا عن مكتسبات "ﭐلوراثة ﭐلِاجتماعية-ﭐلثقافية" (وهي ليست فقط لغوية) ﭐللتي تجعل ﭐلناس، في غالب ﭐلْأحيان، يقرأون نصوص "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" من خلَال عُيُونٍ غير مجردة وقلوب غير خالصة ولَا مُخْلصة، خاضعة على نحو عميق ومعقد جِدًّا لجملةٍ من ﭐلمَوْرُوثات ﭐلخفية في نفوس أصحابها وﭐلبديهية بـﭑلنسبة إليهم.
إننا حينما نتأمل أنماط تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" نجدها في معظمها مُرتَهَنَةً لنوع من ﭐللَّاشعور ﭐلِاجتماعي وﭐلثقافي وﭐللغوي ﭐللذي يتحكم بشكل قوي وخفي في كيفية "ﭐستخلَاصِهم" للمعاني ﭐلمتعلقة بـ"ﭐلْأمر ﭐلْإلَاهي". وأعجب ما في ﭐلواقع أن أكثر ﭐلناس ممن يُعَدُّون بين علماء ﭐلتفسير وﭐلتأويل (وليس فقط بين ﭐلقدامى كما يَتَوهَّمُ بعضهم) إنما هم ضحايا لما تَشَرَّبَتْه أنفسُهم من مكتسبات عبر مسارٍ طويلٍ ومُعقَّدٍ من ﭐلتربية وﭐلتنشئة هو ﭐللذي يُسَوِّي تلكـ ﭐلمكتسبات في صُورة "كفاءة لغوية" و"قدرة معرفية"[6]. ولهذا، فإنه في غياب وراثة حقيقية لـ"ﭐلسنة" و"ﭐلعلم" ﭐلنبويين من خلَال "ممارسة حية" كفيلة بتعطيل مختلف ﭐلتأثيرات ﭐلسَّلْبية لـ"ﭐلوراثة ﭐلِاجتماعية-ﭐلثقافية"، يمتنع تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" في خُلُوصه وبعيدا عن كل ﭐلتحريفات ﭐللتي ليست في ﭐلواقع سوى ﭐنعكاس لـﭑفتقاد ﭐلمعرفة "ﭐلعِلْمية-ﭐلعَمَلية" كثمرة للتجربة ﭐلْإيمانية كما يعيشها في ﭐلْأصل ﭐلْأنبياء ﭐلمَعْصُومُون وكما يرثها من يُوَفَّق إلى ﭐتباعهم بإحسان فيكون أهلًا للتلقي عن ﭐلله بصفته من أوليائه ﭐلمقربين. ذالكـ بأن "ﭐلولي" -بعد ﭐلنبي- هو ﭐللذي لَا يفتأ يؤكد -كما جاء على لسان محيي ﭐلدين بن عربي- «ولست بنبي رسول، ولكني وارث ولِآخرتي حارث.»[7]. وحقا إن ﭐلْأمر في تلقي "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" يتحدد كـ"وراثة" لَا سبيل إليها إلَّا بواسطة "حِرَاثة" (هي ﭐللتي تُسمَّى عادةً بـ"ﭐلثقافة" وتتحدد في ﭐلواقع كـ"مُجاهدة"). ومن هنا كانت صعوبة تحصيل "ﭐلعلم" و"ﭐلحكمة" ﭐلنبويين بوراثة عملية حية، وهي ﭐلصعوبة ﭐللتي تُفَسِّر لَا فقط موت "عُلُوم ﭐلدين" بين أيدي أكثر من يُسَمَّوْن "علماء ﭐلدين"، وإنما تُفسِّر أيضا أصناف ﭐلِاعتراض ﭐلمعروفة وﭐلشائعة على ﭐلتلقي ﭐلمُوَرِّث للعلم ﭐلحي وﭐلكفيل بإحياء ﭐلقلوب وإيقاظ ﭐلهِمَم للعمل وفق ﭐلْأمر ﭐلْإلَاهي، ألَا وهو "إحياء علوم ﭐلدين" كما كتب ﭐلْإمام ﭐلغزالي رحمه ﭐلله منذ عشرة قرون تقريبا.
لذالكـ، فإن ما هو سائد بين أيدي كثير ممن يشتغلون بتناول كتاب ﭐلله وحديث رسوله يُعَدُّ تَلَقّيًا مُجردًا لـ"ﭐلقرآن" و"ﭐلحديث" (مجرد عن ﭐلِاتصاف بـﭑلعمل ﭐلمُسدِّد ومُجرَّدٍ عن ملَابسة ﭐلعمل ﭐلحي ﭐلمُؤيِّد[8])، وهو ﭐلتلقي ﭐللذي ليس سوى أنظار مُجرَّدَة وتَوَهُّمَاتٍ مُجنَّحة تفتقد ﭐلبيان ﭐلعملي ﭐلمرتكز للعمل بـ"ﭐلشرع" قرآنًا وسُنَّةً ولَا تكاد تَنْفَكُّـ عن ﭐلتحريفات ﭐلمرتبطة بـﭑللَّاشعور ﭐلِاجتماعي وﭐلثقافي ﭐلدفين في بواطن ﭐلنفوس وﭐلبارز على شكل أغراض مادية ورمزية بادية للعيان. وحيث إن أمثال هؤلَاء لَا قدرة لهم في ﭐلواقع على تعطيل تأثير تلكـ ﭐلعوامل ﭐلخفية، فإنهم -من خلَال ﭐدعائهم ﭐلقدرة على ﭐلْإحاطة بحقائق ودقائق "ﭐلوحي ﭐلْإلَاهي" (كما هو في "ﭐلقرآن ﭐلكريم" و"ﭐلحديث ﭐلشريف")- لَا يفعلون شيئا آخر سوى فضح بضاعتهم ﭐلمُزْجَاة من "ﭐلعلم ﭐلنبوي" ﭐلموروث ومن "ﭐلمعرفة ﭐلمنهجية" ﭐلمُستجِدَّة، مُعبِّرين بذالكـ أحسن تعبير عن ﭐلِابتلَاء ﭐلْإلَاهي نفسه ﭐللذي يتم وَفْقَ سُنَن ﭐلله سبحانه، سُنَنه ﭐلحاكمة لسير ﭐلتاريخ وﭐلمجتمع ﭐلبشريين. وﭐلحال أن كثيرا من أدعياء ﭐلعلم بـ"ﭐلقرآن" و""ﭐلحديث" يتوهمون أن كُلًّا من "ﭐلتاريخ" و"ﭐلمجتمع" يَنْزلَان منزلةَ عَامِلَيْنِ مُطلَقَيْن في كل فعل أو خطاب إنساني، غافلِين تماما عن حقيقة أنه لَا إطلَاقية في "ﭐلتاريخ" ولَا "ﭐلمجتمع" إلَّا بصفتهما تَجَلِّيًا لِلْأمر ﭐلْإلَاهي في تعاليه على ﭐلعالَمِين وإحاطته بكل ما في ﭐلسماوات وﭐلْأرض. فـﭑلكونُ كُلُّه لَا معنى له خارج خلق ﭐلله وأمره، ألَا له ﭐلخلق وﭐلْأمر، وهو على كل شيء قدير. وﭐلله -عز وجل- إلَاهٌ في ﭐلسموات كما هو إلَاهٌ في ﭐلْأرض، ومن أمْرِه أنه يبعث إلى عباده بشرًا أنبياء ورُسلًا يُوحَى إليهم. فلولَا أمر ﭐلله سبحانه ما كان هناكـ هُدًى ولَا علمٌ ولَا كتاب. فلَا يَصِحُّ، إذًا، أن يُطلَب فهمُ "ﭐلوحي" خارج ﭐلتدبير ﭐلْإلَاهي لِسُنَن ﭐلمجتمع وﭐلتاريخ، لِأن ﭐلله هو ﭐللذي يُدبِّر ﭐلْأمر من ﭐلسماء إلى ﭐلْأرض في كل حين وهو ﭐللذي يجعل للناس على ﭐلْأرض مَعَايش ومكاسب فيعمرون منها ما شاء بفضله وتسخيره سبحانه. وهيهات أن يحيطوا بشيء من علمه إلَّا بما شاء. يؤتي ﭐلحكمة من شاء من عباده، إنه واسع ﭐلفضل، وهو ذو ﭐلفضل ﭐلعظيم.
ـــــــــــــــــــــــــ
- Abdelmajid Charafi, L’islam entre le message et l’histoire, trad. Par André Ferré, éd. Albin Michel, 2004 ;
[4] طه عبد الرحمن، روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط1، 2006، الباب الثاني، الفصل الرابع، 175-206.
[7] محيي ﭐلدين بن عربي، فصوص ﭐلحِكَم، تحقيق أبو ﭐلعلا عفيفي، دار ﭐلكتاب العربي، بيروت، ص.48. وﭐنظر بخصوص علَاقة "الولاية" بـ"الوراثة النبوية": علي شوكيفيتش، الوَلَاية والنبوة عند الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، ترجمة أحمد الطيب، دار القبة الزرقاء-مراكش، "الفصل الخامس: ورثة الأنبياء"، ص. 77-90.
[8] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، الباب الثاني والباب الثالث، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط3، 2000.
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.