[1]
ثانياً: من أسرار ثياب الإحرام [2]
1- إن ثياب الإحرام البيضاء التي نرتديها على اللحم, والتي يشترط أن تكون غير مخيطة, هي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس, ويتساوى فيها الفقير والغني؛ لأن في هذا الثوب البسيط معنى الأخوة والمساواة برغم تفاوت المراتب والثروات
2- وهي رمز للخروج من زينة الحياة الدنيا .. تماماً كما نأتي إلى الدنيا في لفة, ونخرج منها في لفة.
3- وهي رمز للتجرد التام أمام حضرة الخالق؛ لأننا أمام الله لا نكاد نساوي شيئاً, بل نحن بالنسبة له سبحانه: لا شيء .. فعلينا أن نخلع كل ثياب الغرور والزينة, متجردين من شهوات النفس والهوى, حابسين إياها: عن كل ما سوى الله, وعلى التفكير في جلاله .. وما التلبية بعد الإحرام إلا شهادة على النفس بهذا التجرد, وبالتزام الطاعة لله, والامتثال لأوامره.
4- وثياب الإحرام ثوب من قطعتين؛ رمزاً لستر العورة الظاهرة, وستر العورة الباطنة .. الأولى: حياءً من الخلق, والثانية: حياءً من الخالق .. حياءً من سوء الخلق الظاهر الذي تعرفه الناس, وحياءً من العورة الباطنة -عورة القلوب والنفوس والشهوات- التي لا يراها, ولا يطلع عليها, إلا الله.
ثالثاً: من أسرار الطواف حول الكعبة [3]
1- إن المسجد الحرام – أقصد كعبته- هو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله .. ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا المكان (رمزاً قدسياً), أصبح (بيتاً لله), بل إن شئتَ قلتَ: أصبح (عَلَمَ الله المركوز في أرضه) .. ومن ثم,نحن نطوف حوله تعظيماً لله, متبعين في ذلك سننه وقوانينه الكونية؛
ألا تلاحظ معي - في قوانين المادة وسننها التي اكتشفها الإنسان- أن (الأصغر) يطوف حول (الأكبر), وأن (الإلكترون) في الذرة يدور حول (نواتها), وأن (القمر) يدور حول (الأرض), وأن (الأرض) تدور حول (الشمس), وأن (الشمس) تدور حول (المجرة), وأن (المجرة) تدور حول (مجرة أكبر), وهكذا إلى أمد لا يعلمه إلا الله ..
ومن ثم, فنحن نطوف حول الكعبة (تعظيماً لله), وتأكيداً على أنه سبحانه (مركز الثقل في حياتنا كلها)؛ فمنه البدء, وبه المسيرة, وإليه المصير.
2- إن الطواف رمز للحب والتعلق الكاملين بالله : شعوراً وقولاً وفعلاً .. فأنت تطوف حول بيته سبحانه بقلبك وعقلك وقدميك .. فما الطواف –في حقيقته- إلا دوران للقلب والقالب حول قدسية الله؛ صنعَ (المحب) مع (المحبوب المنعِم) الذي تٌرى نعمته ولا تٌدرك ذاته.
3- وهو رمز لدوران الأعمال حول قطب واحد, واستهداف الحركات والأفكار لهدف واحد: هو الله؛ حيث كل شيء منه وإليه .. فالطواف هو التعبير الجسمي والروحي - بالكلمة والفعل والقلب- عن (توحيد الله) وعن (مدى إخلاصك له) وعن (وحدة أهدافك الظاهرة والباطنة بتحليقها حول مراد الله واستهدافها لرضاه).
رابعاً: من أسرار تقبيل الحجر الأسود [4]
قد يقول قائل : " ألا تلاحظ معي أن تقبيل الحجر الأسود وثنية صريحة؟!"
فأقول :
1- ويحك .. ألا تقبل خطاباً يأتيك من حبيبتك ؟! هل أصبحت بذلك وثنياً ؟! اللهم لا .. فعلام اللوم إذا قبلنا نحن ذلك الحجر الذي حمله نبينا صلى الله عليه وسلم في ثوبه وقبله .. إن تقبيلنا له تزود من غائب؛ فأنت تضع شفتيك حيث وضع النبي (ص) شفتيه.
2- واعلم, رحمك الله, أن الحجر الأسود يمين الله في أرضه - رمزاً- .. من استلمه - بالإشارة أو اللمس أو التقبيل- فقد بايع الله على الالتزام بأمره ونصرة دينه .. فعند الحجر تكون البيعة لرب الأرض والسماء على الإيمان والتصديق والعمل والوفاء؛ الإيمان بالله لا بالحجر, والتصديق بكتابه لا بالخرافة, والعمل بسنة نبيه المختار لا بسنة الكفار والفجار, والوفاء بعهد الله - توحيداً خالصاً: قلباً وقالباً, في العبادات وفي المعاملات- .
3- فتأمل, وافهم, ولا تكن من الغافلين؛ لأننا لا نتجه بمناسك الحج نحو الجدر والأحجار ذاتها, وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكريات - كما مر, وكما سيأتي إن شاء الله- .
خامساً: من أسرار السعي بين الصفا والمروة [5]
1- إن السعي بين الصفا والمروة – ومثله رمي الجمار, والشرب من زمزم- إعلان لارتباط الإسلام وأمته بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وعائلته؛ لتؤكد الأمة الإسلامية بهذا الارتباط أنها سائرة على درب النبوات السابقة, ومتممة لها, لا منكرة إياها, ولا شاذة عنها.
إن مثل تلك الشعائر, التي يؤديها الحجاج, توقظ في نفوسهم ذكرى الأنبياء العظام الذين قاموا بمثل تلك الشعائر في نفس تلك المواطن, وتعيد إلى الحياة أعمالهم, وتوقظ النزعة إلى الاقتداء بهم في كل تصرفاتهم .. وهي إحياءٌ لذكريات عزيزة وأيام لا تنسى في حياة هؤلاء الأنبياء.
2- والسعي بين الصفا والمروة تذكير للمسلم بوجوب البحث والعمل والكد والسعي في حياته الدنيا إذا أراد الارتقاء والتقدم, بله النجاة .. فهو رمز للهرولة التي يجب أن يعيش فيها كلٌ منا إلى لحظة وفاته - إذ الكسل والدعة والتواكل ليست من صفات المسلم الحق- ملتمساً من الله - طيلة حياته-العون والتأييد, والرضوان والغفران.
3- إن السعيَ بين الصفا والمروة سعيٌ بين نقطتين محددتين؛ وهذا يرشدنا إلى (تأطير) و(تقصيد) و(ضبط) و(تنظيم) مسعانا في حياتنا الدنيا؛ بأن نجعل له (إطاراً) و(قصداً) و(خطةً), وإلا فستنفلت الأمور, ويموج بعضنا في بعض؛ فيخيب مسعانا.
سادساً: من أسرار الوقوف بعرفة
1- إن الوقوف بعرفة وسيلة مادية للتخلص من الشواغل الدنيوية, ولتفريغ القلب لذكر خالقه, ولإيقاظ الحواس على حقيقة القرب القريب لله - جل جلاله- .. ومن هنا كانت كلمة "عرفة"؛ فبعد رحلة من ألوف الأميال يتيقظ القلب على (معرفة)؛ فهو (يتعرف) على ربه و(يكتشف) قربه, كما (يتعرف) على نفسه و(يكتشف) بعدها عنه تعالى.
2- والوقوف بعرفة بعد السعي : بذلٌ للمهج في الضراعة إلى الله - بقلوب مملوءة بالخشية, وأيد مرفوعة بالدعاء, وألسنة مشغولة بالدعاء, وروح تحسن الظن ببارئها-[6] ألا يخيب سعينا, وأن يبارك أعمالنا, وأن يجزينا عن حسن الأفعال بالحسنات, وأن يغفر لنا الذنوب ويتجاوز عن الزلات؛ إذ لا ملجأ منه إلا إليه.
3- والوقوف بـ (عرفة) فرصة لـ (التعارف) والتقارب والتفاهم والتشاور والتعاون وإنشاء الصلات الجديدة –المظللة بالمحبة والإخاء- بين المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأقطارهم وطبقاتهم وقدراتهم وأذواقهم.
4- وهو - بالإضافة إلى ذلك كله- رمزُ للوحدة بين المسلمين؛ إذ هو تجمعٌ في مكانٍ واحد, وفي وقتٍ واحد, وبملبس واحد: إلى قبلةٍ واحدة وهدفٍ واحد .. يتلقون فيه من الله, ويتجهون إليه, ويسيرون بأمره - فحضورهم بأمره, وأفعالهم بأمره, وانصرافهم بأمره-.
5- والمشهد يوم عرفة, حين ترى الحجاج في ثيابهم البيض, وفي موقفهم المزدحم العظيم, تحس أنهم أشبه بالناس في ساحة العرض الأكبر, يوم يخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون .. إنه (تجسيد مصغر) لمشهد الحشر والوقوف بين يدي الله يوم القيامة [7].. يا له من موقف رهيب, ومشهد مهيب, تعجز الكلمات عن الإحاطة به, بله اكتناه أسراره !!
سابعاً: من أسرار حلق الرأس [8]
1- ما حلق الحاج لرأسه - فيما يبدو لي- إلا حلقٌ للكبرياء عن عقله؛ اعترافاً منه بالقصور, ومعرفةً منه لمقامه بالنسبة إلى مقام ربه, وإقراراً منه بأن للعقل حدوداً لا يجوز له أن يتعداها, ومجالات يجرم عليه الخوض فيها.
2- وهو - فوق ذلك- : (خضوعٌ) لعظمة الله و(تذللٌ) لعزته .. لقد كانت العرب إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه: حلقوا رأسه وأطلقوه.. إذن, فوضع النواصي بين يدي ربها محلوقةً: هو (تمامُ) الخضوعِ والتذلل والعبودية له تعالى .. ولهذا كان الحلق من (تمام) الحج.
ثامناً: من أسرار رمي الجمار [9]
قد يقول قائل : " ألا تلاحظ معي أن رجم إبليس برمي الجمار عمل بدائي خرافي أسطوري ؟!"
فأقول :
1- على رسلك .. ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري تذكاري - تقولون: إنه يرمز إلى الجندي المجهول- , وتلقون خطبة لتحيته وتمجيد أعماله .. فهل عملك هذا عمل بدائي خرافي أسطوري وثني ؟! .. اللهم لا .. فعلام اللوم إذا ألقينا حجراً على نصب حجري تذكاري نقول إنه يرمز إلى الشيطان ؟! .. المسألة كلها رمزيات .. فتنبه ولا تكن من الغافلين.
2- والرمي مقت واحتقار لعوامل الشر ونزعات النفس ونزغات الشيطان .. إنه رمز مادي لصدق العزيمة في طرد الشرور ومطاردتها حتى إزهاقها.
تاسعاً: من أسرار الذبح والنحر [10]
1- النحر رمز لذبح رغبات النفس الدنيئة, وشهواتها وأهوائها المفسدة.
2- وهو رمز لتضحية والفداء؛ حيث تضحي ببعض مالك رمزاً لإزهاق شهواتك وأهوائك.
3- إنه - باختصار- إراقة لدم الرذيلة بيد اشتد ساعدها في بناء الفضيلة.
عاشراً: من أسرار الرقم "سبعة"
قال لي أحدهم مرة : " ألا تلاحظ معي أن حكاية السبع طوفات, والسبع هرولات, والسبع رجمات؛ هي من بقايا خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة ؟! "
فقلت متعجباً من سخريته واستنكاره :
1- دعني أسألك[11] :
أ- ما السر في أن السلم الموسيقي سبع درجات ؟!
ب- ولماذا أيام الأسبوع سبعة ؟!
ت- ولماذا تدور الإلكترونات حول نواة ذرتها في نطاقات سبعة ؟!
ث- ولماذا لا يكتمل نمو الجنين إلا في الشهر السابع ؟!
ج- ولماذا يولد ميتاً إذا نزل قبل السابع ؟!
ح- ولماذا تتكون الكرة الأرضية من سبع طبقات ؟!
خ- ولماذا تتكون السماء من سبع نطاقات ؟!
د- ولماذا كانت ألوان الطيف سبعةً ؟! [12]
.. ألا يدل ذلك على شيء .. أم أن كل هذه الأمور, هي الأخرى, شعوذات طلسمية ؟! .. يبدو أن (السبعة) سر في البناء المادي والمعنوي للكون [13] .. يبدو لي – والله أعلى وأعلم- أن (السبعة) هي درجة (الاستواء) و(التمام).
2- ولهذا - والله أعلم- كان الأمر بـ (السبع طوفات)؛ حتى نٌظهر له سبحانه (تمام) التعلق به, و(تمام) التعظيم والحب والتوحيد له.
ولهذا - والله أعلم- كان الأمر بـ (السبع هرولات)؛ حتى نظهر له سبحانه (تمام) إيماننا بالسابقين من الأنبياء, و(تمام) اقتدائنا بهم, و(تمام) إخلاصنا وبذلنا لوسعنا فيما سنقوم به من أعمال.
ولهذا - والله أعلم- كان الأمر بـ(السبع رجمات)؛ حتى نظهر له سبحانه (تمام) تحررنا من الأهواء ونزعات النفوس ونزغات الشياطين وإغوائهم - إنسهم وجنهم-, و(تمام) و(صدق) عزيمتنا في طرد الشرور, بل ومطاردتها حتى إزهاقها.
حادي عشر: أبعاد فلسفة المكان ورسالته الخالدة [14]
ألست معي - قارئي الكريم- في أننا بحاجة إلى أن نعي ونفقه (أبعاد فلسفة الأماكن) التي نؤدي فيها مناسك الحج؛ حتى نبتعد قدر الإمكان عن شَرَكِ (الشكلية في العبادة)؛ حتى تعود (الحياة الحقة) لمناسك الحج وشعائره؛ إذ مناسك الحج تبتغي تقوى القلوب [الحج:32], فحرام أن نختزلها في الحركات والسكنات, و أن نغرق مقاصدها الروحية السامية في التفريعات والجزئيات !!
تعال بنا نطوف معاً - قليلاً- حول أبعاد تلك الفلسفة :
1- نحن بحاجة إلى أن يتذكر الحاج - وهو يطوف حول الكعبة- ما هو أكثر من مجرد الطواف والدوران؛ إذ حول الكعبة نزلت كلمات الله على خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم .. وبهذه الكلمات تمت في مدرسة النبوة إعادة صياغة أهل الجاهلية - أسرى العصبية وعبدة الأوثان- حتى غدو الجيل الفريد الذي غير مجرى الدنيا والحضارة, وأمسك بدفة التاريخ.
2/1- ونحن بحاجة - كذلك- إلى أن يتذكر الحاج, وهو ذاهب ليرمي جمرة العقبة, ما هو أكثر من رمي الجمرات .. إذ في العقبة عقدت (الجمعية التأسيسية للدولة الإسلامية) .. تلك الدولة التي غيرت الواقع, وحولت مسار التاريخ, وجعلت المستضعفين في الأرض: الأئمةَ والوارثين لمواريث النبوات والحضارات .. وذلك عندما بايع الأنصار رسول الله (ص) على إقامة الدولة, بعد أن سبق لهم بيعته على إقامة الدين .. فولدت في العقبة الدولة التي حرست الدين, والتي ساست الاجتماع والعمران بشريعة هذا الدين.
2/2- ونحن بحاجة - كذلك- إلى أن يتذكر الحاج –وهو بالعقبة أيضاً- أن رسول الله (ص) قد أسس الدولة الإسلامية الأولى على (البيعة والشورى والاختيار) لا على (الاستبداد والتزوير والإجبار) .. وذلك عندما هم الأنصار بمبايعته على إقامة الدولة, فرغب إليهم أن تتم البيعة بواسطة (مؤسسة دستورية) تنشأ بالاختيار والانتخاب, فقال لهم (ص): "اختاروا منكم اثني عشر نقيباً" .. فولدت بذلك أولى المؤسسات الدستورية في الدولة الإسلامية .. فمن العقبة - يا من ترمي الجمرات- بدأ تراث أمتنا في المؤسسات الدستورية القائمة على الشورى والاختيار والانتخاب, وبمشاركة الرجال والنساء, قبل أن تعرف الأمم والحضارات لها تراثاُ في هذه المؤسسات.
3- ونحن بحاجة - كذلك- إلى أن يتذكر الحاج - وهو واقف بعرفة- ما هو أكثر من مجرد الوقوف والدعاء.. إذ في هذا المكان كانت حجة الوداع والبلاغ, تلك الحجة التي كانت مؤتمراً جامعاً قرر فيه (ص) (الحقوق المدنية الإسلامية) .. وذلك في خطبة الوداع الشهيرة, تلك الخطبة التي مثلت - بحق- (وثيقة الحقوق المدنية الإنسانية) التي شرعها الإسلام للإنسان.
ثاني عشر: من دلالات منسك الحج [15]
1- إحياء ملة إبراهيم الحنيفية السمحة, وتذكرة أهل الكتاب بها :
لما كان إبراهيم الخليل (أبو الأنبياء) وابنه إسماعيل - عليهما السلام- قد أقاما قواعد البيت العتيق, فلقد شاء الله أن يكون إلى ذلك البيت العتيق حج أمة (خاتم الأنبياء) الذي أحيت شريعته ملة إبراهيم, والذي تعيد أمته - في مناسك حجها- مناسك إبراهيم وإسماعيل وهاجر, مجسدة بهذا الإحياء وحدة دين الله.
فإلى (أول بيت) تحج (الأمة الخاتمة) .. فتحيي أمة (خاتم الأنبياء) مناسك ملة (أبي الأنبياء), وتذكر بها أهل الكتاب - توحيداً خالصاً, وملة حنيفية سمحة- خاصةًً بعد أن اختلفوا في إبراهيم وتشاكسوا فيه [آل عمران: 95-97].
2- التأكيد على أن الإسلام هو الشريعة الخاتمة لسلسلة رسالات الله إلى الإنسان :
إن البيت العتيق هو (أول بيت) عبد الله فيه على هذه الأرض .. ففيه, ومنه, بدأ الدين, وإليه قرر الله أن يكون حج (الأمة الخاتمة)؛
أ- رمزاً وتجسيداً لوحدة دين الله من لدن آدم إلى محمد صلى الله وسلم عليهم جميعاً.
ب- ورمزاً وتجسيداً لاكتمال لبنات هذا الدين الواحد بشريعة الإسلام ورسالة محمد (ص)؛ حتى يرتبط (الختام) بـ (البدء), و(القمة) بـ(الجذور), و(المنتهى) بـ (المنطلق)؛ فيتجسد الرمز: رمز استيعاب الإسلام - الذي جاء به محمد من عند الله- للدين الإلهي على إطلاقه - وللتدين على عمومه- وهيمنته عليه .. وحتى ترتفع الأعلام المؤذنة بأن تصديق الأمة الخاتمة بنبيها محمد (ص) إنما هو جزء من (تصديقها) بجميع الرسل والأنبياء, و(احتضانها) لهدي النبوة جميعه على امتداد موكب حملته, و(هيمنتها) على الدين كله بتربعها على عرشه؛ إذ هي الأمة (الخاتمة) و(المكلفة بالحفاظ عليه) و(الدعوة إليه).
ثالث عشر: من مقاصد الحج العامة [16]
1- نشر السلام :
إن الحج طريقة فذة لـ (تدريب) المسلم على السلام, و(إشرابه) روح السلام؛ فهو (رحلة سلام) إلى (أرض سلام) في (زمن سلام)؛
(رحلة سلام) : إذ المسلم لا يبغي قتال أحد, ولا قتل أحد, وإنما يخرج قاصداً وجه الله وبيته .. محرماً يظل فترة إحرامه في سلام حقيقي مع من حوله وما حوله من إنسان وحيوان, وطير ونبات .. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج, ولا قطع لنبات ولا شجر, ولا صيد لحيوان ولا ذبح له, بل ولا حلق لشعر نفسه, ولا قص لظفره.
(إلى أرض سلام) : إذ أرض الحج هي البلد الحرام: مكة, والبيت الحرام: الذي جعله الله مثابةً للناس وأمناً, و"من دخله كان آمناً" [آل عمران:97] .. إنها (منطقة أمان فريد في نوعه)؛ يشمل الطير في الجو, والصيد في البحر, والنبات في الأرض .. فهي (منطقة معقمة) لا يصاد صيدها, ولا يروع طيرها ولا حيوانها, ولا يقطع شجرها ولا عشبها.
(في زمن سلام) : إذ الحج - بالسفر إلى تأديته, والعودة منه, وأداء مناسكه- يقع في ثلاثة أشهر - هي: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم- هي من الأشهر الحرم التي ج
تاريخ النشر : 24-11-2009
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.