آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  قضايا فلسفية

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الدين    |    فلسفة الأخلاق    |    المرأة و النسوية    |    الإسلام و الغرب

  •     

النقد الثقافي مدخلا للوحدة والتأليف مدخل في نقد الثقافة-النسق

محمد همام


تقديم:

حظيت الدراسات النقدية بشيوع واسع في التسعينات، وقد جاءت بعد انحصار النظريات النقدية النصوصية والألسنية وتحولات ما بعد البنيوية. وإذا كانت الدراسات الجدلية قد أعلنت موت النص، والدراسات البنيوية قد أعلنت موت الإنسان، فإن الدراسات الثقافية لم تعد تنظر إلى النص بما هو نص، ولا إلى الأثر الاجتماعي الذي قد يظن أنه من إنتاج النص، بل صارت تأخذ النص من حيث ما يتحقق فيه وما يتكشف عنه من أنظمة ثقافية، وأنماط تعبيرية وإيديولوجية وأنساق تمثيلية، تمارس شتى أنواع الهيمنة والتحكم في المتلقي الفردي أو الجماعي، بطرق متخفية، وترسم جغرافيا تمثلاته الذهنية وآفاقه التأويلية، وترسخ قيما ومقولات وسلوكات قد تكون ضد الإنسان وضد وجوده، أي التأسيس لنسق ثقافي لا إنساني.

واشتهر النقد الثقافي، باعتباره مبحثا حيويا داخل الدراسات الثقافية، بما أحدثه من تغيير مهم في منهج تحليل الخطابات واستثمار المعطيات النظرية والمنهجية لحقول معرفية متداخلة كالسوسيولوجيا والتاريخ والسياسة والفلسفة والآداب.

ويرتكز النقد الثقافي على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي كما هي لدى بارت ودريدا وفوكو مثلا وغيرهم من رواد الدراسات الثقافية. كما يولي النقد الثقافي أهمية كبيرة لدور المؤسسة العلمية والثقافية، كيفما كانت، في توجيه الخطاب والقراء نحو نماذج وأنساق وتصورات يتأسس معها الذوق العام وتتخلق بها الصياغة الذهنية والفنية، وتصبح معيارا يحتذى أو يقاس عليه([1]).

وقد برز في العالم العربي والإسلامي النقد الثقافي بشكل خجول، ولا يزال في بدايته أمام هيمنة المؤسسة وجبروتها وقوة دفاعاتها. وقد برز في هذا المجال ثلاثة رواد هم إدوارد سعيد وعبد الجواد ياسين وعبد الله الغدامي، مما فتح مجالات جديدة للخطاب النقدي العربي وسمح بتنويعه وإكسابه فعاليات القراءة والتحليل والنقد؛ نقد الدراسات العلمية، ونقد الخطاب النقدي القائم كمؤسسة وكانحيازات. وبتعميق هذا الخيار النقدي سيتطور منهج قراءة الثقافة العربية كفعل حي.

وسنعتمد إسهامات أولئك الرواد للوقوف على معنى النقد الثقافي والتعريف به وسط القراء في العالم العربي والإسلامي، كما سنقف عند دور هذا النوع من النقد في الكشف عن الأنساق الثقافية الإسلامية والتي تعيق أية رغبة حقيقية في التأليف وتحقيق عمل جماعي مشترك ونافع.

1 ـ أطروحة النقد الثقافي؛ من نقد النصوص إلى نقد الأنساق:

طرح المفكر إدوارد سعيد في كتابه "العالم والنص والناقد" (1983)، مصطلح "النقد المدني" (Secular Criticisme)؛ هذا النقد الذي يزاوج بين نقد المؤسسة ونقد الثقافة، ومساءلة الخطاب النقدي ذاته، مع انفتاحه على المهمش وإقحامه في المتن، والتخلي عن كل الانتماءات والتحيزات التي قد تعرقل عمل الناقد المدني وتسيء إلى مقارباته، إلا أن هذا المصطلح لم يكتسب شهرة مثل ما اكتسبها نقده لخطاب الاستشراق رغم إصرار إدوارد سعيد على العودة إلى المفهوم في جل أعماله والتذكير به وبأهميته في التحليل والدراسات الثقافية، وبأهمية المصطلحات التي يقترحها في نقده الثقافي([2]). ويعتبر كتابه "الثقافة والإمبريالية" موسوعة في النقد الثقافي، نقد سجل المحفوظات الغربي، برغبة في الاستنهاض والاستنفار والمقاومة([3]).

وفي المقابل اقترح الباحث عبد الله الغدامي مصطلح "النقد الثقافي" كآلية تحليلية للأنساق الثقافية العربية. هذه الأنساق التي ترسخ التجزيء وتباعد بين عناصر الأمة الفكرية والسلوكية، بل وثبت كل عناصر التعصب والانتماء الضيق والتعامل بعنف وقسوة مع المخالف، وبث روح الاحتراب في شخصية المسلم المعاصر.

وتنطلق أطروحة النقد الثقافي عند الغدامي من أن الثقافة العربية والإسلامية يتحكم فيها بناء نسقي متكامل العناصر ومتداخلها، يخلق حسا استسلاميا غير نقدي لدى جمهور الثقافة([4]).

وانطلق الغدامي من مجال الدراسات الأدبية والنقدية لاختبار المفهوم الجديد والوقوف على كفاياته الإجرائية والتحليلية والنقدية؛ فالنقد الثقافي هو بديل متجاوز للنقد الأدبي والذي ظل يرزح تحت قيود المؤسسة-النسق. أما النقد الثقافي فيعيش حالة تحرر واستقلال عن هذه المؤسسة-النسق، بل ويخضعها هي ذاتها للنقد والمساءلة.

يتميز النقد الثقافي، بنظر الغدامي، عن النقد الأدبي بكونه يحقق أربع نقلات إجرائية؛ في المصطلح ذاته وفي المفهوم وفي الوظيفة وفي التطبيق. فنقلة المصطلح تشمل عناصر الرسالة أو الوظيفة النسقية، والمجاز والتورية الثقافية ونوع الدلالة والجملة النوعية والمؤلف المزدوج. وأهم شيء ملفت للنظر في هذه النقلة الاصطلاحية هو إدخال الوظيفة النسقية إضافة إلى الوظائف الست للغة، كما حددها رومان ياكوبسون، في النفعية والتعبيرية والمرجعية والمعجمية والتنبيهية والشاعرية أو الجمالية([5]). فإضافة الوظيفة النسقية يسمح لنا بتوجيه النظر نحو الأبعاد النسقية التي تتحكم فينا وفي خطاباتنا. والكشف عن هذه الوظيفة هو مبدأ أساسي من مبادئ النقد الثقافي، بل هي منطلقه النقدي وأساسه المنهجي؛ ويتحول النص عندها، من مجرد تجل أدبي إلى حادثة ثقافية، أي نص، كيفما كان انتماؤه الحقلي والتخصصي.

كما يقدم النقد الثقافي قراءة جديدة لبعض المفاهيم النقدية كالمجاز، وينظر إليه من منطلق أن الاستعمال فعل عمومي جمعي وليس فعلا فرديا، أي أن المجاز يصبح عندها فعلا ثقافيا فيتوسع مجاله ويخرج من ضيق الخطاب البلاغي المحدود، بل ويصبح مفهوما محوريا في البديل الجديد أي "النقد الثقافي" عوض النقد الأدبي. هذا الأخير حكمته المقولات البلاغية القديمة التي لم تكن تتجاوز عمليات التفسير والشرح والتلخيص، فانحصرت البلاغة العربية في الجمالي البحت ولم تتجاوز جماليات اللغة وحرمت من القدرة على أن تكون أداة نقد أو قراءة أنساق الخطاب وكشف معضلاته. وإذا كان النقد الأدبي ينحصر في ضبط علاقة النص مع إنتاج الدلالة بنوعيها الصريح والضمني، فإن النقد الثقافي يركز على الدلالة النسقية والتي ترتبط من خلال علاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتكون عنصرا ثقافيا أخذ بالتشكل التدريجي إلى أن أصبح عنصرا فاعلا ، لكنه وبسبب نشوئه التدريجي تمكن من التغلغل غير الملحوظ وظل كامنا هناك في أعماق الخطابات، وظل ينتقل ما بين اللغة والذهن البشري فاعلا أفعاله من دون رقيب نقدي لانشغال النقد بالجمالي أولا، ثم لقدرة العناصر النسقية على الكمون والتخفي ثانيا([6]).

ويشتغل النقد الثقافي وفق مفهوم "الجملة الثقافية" متجاوزا المفهوم الذي تكرس مع النقد والبلاغة الكلاسيكيين وهو "الجملة النحوية" و"الجملة الأدبية"؛ فالجملة الثقافية، بنظر الغدامي، مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الثقافي الذي يفرز صيغه التعبيرية المختلفة([7]).

إن التحرر من هيمنة اللغوي، بمفهومه البلاغي-الجمالي الضيق، هو تحرر من النسق وإكراهاته وحدّ لسلطه ذات الهيمنة الضاربة والمتحكمة في الناقد، توجه ذوقه وأحكامه ومقاربته. فالنقد الثقافي يحول القارئ-الناقد من مجرد صنائع ثقافية تتحكم فيها الأنساق المغلقة وتوجه حركتها، إلى عناصر فاعلة ومنتجة وفاحصة لكل نص وفق انضباطات منهجية صارمة. ولا يمكن تحقيق هذا دون الانتباه إلى ما يسميه الغدامي بـ"المؤلف المزدوج"، والازدواج يكون بين المؤلف المعهود، سواء كان ضمنيا أو نموذجيا أو فعليا. والمؤلف الآخر، وهو الأخطر، أي الثقافة ذاتها، أو ما يسمى بـ"المؤلف المضمر"، وهو المؤلف النسقي وفق نظرية النقد الثقافي، فهو حاضر في لا وعي المؤلف المعهود، يمارس كل أشكال التحكم والهيمنة والتوجيه، أو ما سماه بعض الباحثين بالقاهرية، وهي التي تأسر العقل المسلم المعاصر، سواء قاهرية الماضي (السلف) أو قاهرية الحاضر (الغرب)، وتعيق كل عمليات التأليف والإبداع والنقد([8]).

وتتحقق الوظيفة النسقية في أي نص، من خلال ميل الثقافة إلى تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خفية؛ كالحيل الجمالية والأخلاقية... وعندها يتنازع النصَّ نسقان؛ أحدهما مضمر نقيض لآخر علني، يحمل من القيم الجمالية والأخلاقية ما يسمح له بغرس قيم الثقافة-النسق. ولا بد من أن يكون مقروءا وواسع الانتشار، وبذلك يمكن الوقوف من خلال آلية النقد الثقافي على ما للأنساق من فعل مؤثر وضارب في الذهن الاجتماعي والثقافي.

إن النسق من حيث هو دلالة مضمرة ليس مصنوعا من مؤلف ما، ولكنه منكتب ومنغرس في ثنايا الخطاب، مؤلفه الأول هو الثقافة ذاتها، يتحرك في حالة تخف دائم ويستخدم أقنعة كثيرة، ويقتحم العقول والأزمنة. ومن شدة تأثيرها وامتدادها في القارئ، أي قارئ، نلحظ كيف يقبل الجمهور على استهلاك الثقافة-النسق، والطرب لها، ولو كانت ضد ما يؤمن به عقليا. ويرى الغدامي أنه كلما رأينا منتوجا ثقافيا أو نصا يحظى بقبول جماهيري عريض وسريع فنحن في لحظة من لحظات الفعل النسقي المضمر الذي لا بد من كشفه والتحرك نحو البحث عنه، والوقوف على حبكته النسقية الفاعلة([9]). ويظهر ذلك كثيرا في نوع من الكتب الدينية، وفي الأشعار والأغاني والأزياء والحكايات والأمثال والنكت.

إن النقد الثقافي هو نظرية في نقد المستهلك الثقافي، أي الاستقبال والتلقي، للوقوف على الشروط التي يخضع فيها قارئ لنص ما أو خطاب ما لتغييب العقل وتغليب الوجدان وعزل اللغة عن الفكر. فالنقد الثقافي ممارسة نقدية متطورة ودقيقة وصارمة، يبحث في علل الخطاب ويستخرج الأنساق المضمرة، كما هي في خطاب الشعر مثلا أو في خطاب العلوم الدينية، مما طبع ذاتنا الثقافية والإنسانية بعيوب نسقية فادحة ما زلنا نتحرك بحسب شروطها ومتطلباتها، بل إن الغدامي يذهب إلى أن الشعر (وهو ديوان العرب) مثلا ليس إلا جرثومة متسترة بالجماليات، أفرزت نماذجها في كل تجلياتنا الثقافية والاجتماعية. كما أن النسق الفقهي، أي العلوم الدينية، ولَّد هو الآخر نماذجه ورعاها وعززها عبر التاريخ، وكل هذا يعيق تحرر الشخصية المسلمة، ويمنعها من التواصل والفعل الصالح في الحياة، فتميل إلى نوع من الانطواء الأناني، أو احتقار الآخرين، سواء داخل الدائرة الإسلامية أو خارجها، فتتعقد مسالك التأليف بين المسلمين أولا، وبين الناس أجمعين ثانيا، وتُغتال كل قيم التأليف والتعارف والتعاون بين الناس، مما يحبل به القرآن الكريم وتزكيه التجربة النبوية.

ولما عمل د. عبد الله الغدامي على اختبار نظريته في النقد الثقافي في مجال الأدب العربي، شعرا ونثرا، وقف على العلل النسقية التي تجعل الخطاب الثقافي العربي خطابا منافقا ومزيفا، غير واقعي وغير حقيقي وغير عقلاني([10]). هذا الخطاب الذي تنشط فيه شخصية محورية وحيوية هي شخصية الشحاذ والكذاب والمنافق والطماع. ويرى الغدامي أن الشعر العربي كان مسؤولا على ترسيخها من خلال أنساقه المضمرة. وقد استطاع الغدامي رسم المعالم السلبية للشخصية العربية برغم المعارضات التي تعرض لها، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا»([11])، وقول بعضهم إن الشعر مزية العقول، وبابه الشر وإذا دخل في الخير ضعف، بحسب الأصمعي. إلا أن هذه المعارضات لم تتطور إلى مستوى نظرية ثقافية ناقدة للخطاب العربي وكاشفة لأنساقه ومضمراته، أي على الأقل لم تصل إلى مستوى إنشاء علم علل في نقد الخطاب الشعري، فظل الشعر أحد مصادر الخلل النسقي في تكوين الذات وفي عيوب الشخصية الثقافية التي أصبحت نمطية من خلال شخصية الشحاذ البليغ (الشاعر المداح)، وشخصية المنافق المثقف (الشاعر المداح أيضا)، وشخصية الطاغية (الأنا الفحولية)، وشخصية الشرير المرعب (الشاعر الهجاء).

لقد كرس الشعر العربي قيما في البغي والاستكبار والفخر بالأصل القبلي؛ فعمرو بن كلثوم يتباهى بالظلم والتسلط والشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى يقول: ومن لا يظلم الناس يظلم. فالخطاب النسقي الثقافي ورث قيم القبيلة التي زرعها الشعر وخلَّدها، وتحولت إلى قيم فردية، بل أصبحت قيما نمطية للشخصية الثقافية للإنسان العربي. وبما أن النسق هو نسق التأثير لا نسق الإقناع فإن النفس العربية والإسلامية قد جرى تدجينها لتكون نفسا انفعالية تستجيب لدواعي الوجدان أكثر من استجابتها لدواعي التفكير، بل صارت الذات العربية، وربما الإسلامية أيضا، كائنا شعريا، تسكن للشعر ولا تتحرك إلا بسبب المعنى الشعري الذي تطرب له غير عابئة بالحقيقة، وما كانت الحقيقة يوما قيمة شعرية([12])! وهذا ما أصاب الذات العربية والإسلامية بنوازع التقوقع والانطواء مما وفَّر للدراسات النقدية والاجتماعية، المحايدة حينا والمتحيزة أحيانا كثيرة، مبررات الإساءة للشخصية الإسلامية وتصويرها تصويرا نمطيا وعصابيا([13]).

ولم يقل دور النثر عن دور الشعر في ترسيخ النسق وإفراز نماذجه، برغم محاولات بعض الفلاسفة الأدباء الخروج عن النسق كأبي حيان التوحيدي، ولكن القاعدة التي ترسخت هي أن النثر العربي لم يكن هو الآخر خطابا حرا وعقلانيا، بل كان مادة أساسية في التربية الذوقية والثقافية وفق النسق وحدوده، وهذا ما تجسده المقامات مثلا، حيث تضافرت حبكات الكذب والبلاغة والشحاذة لتكون قيما في الخطاب الثقافي، وهذا ما نلحظه اليوم في الخطاب السياسي والحزبي والإعلامي وهو خطاب مصبوغ بالكذب والزيف، تتحكم فيه الأنا المتوحدة والملغية للآخر، فإما هجاء أو مدح أو أنانية متفحلة؛ وهذا ما يرسخ قسوة الخطاب الفحولي المتوحش وعنفه، بصوته الواحد، وجنسه الخطابي الواحد، ونمطه الثقافي الواحد.

وجرى تدوين النسق وترسيخه، في إطار عمليات ضخمة للتدوين، تدوين النسق الكبير، من خلال جمع أنساق صغيرة، كالنسق الشعري والنسق الفقهي، وفق شروط المؤسسة الثقافية.

إن النسق الشعري كان مسؤولا، بنظر الغدامي، عن عيوب الشخصية الثقافية الإسلامية، إذ هو الذي اخترع الفحل، في إطار شعر المديح الذي رسخ كل أشكال الأنانية والجنون الذاتي. والفحل يأتي على رأس الهرم الطبقي، ويصبح ذاتا نمطية متعاظمة لا مكان فيها للآخر؛ فجرير يعتبر نفسه هو الدهر، والفرزدق يعتبر نفسه هو الموت، وعمرو بن كلثوم يقول:

لنا الدنيا ومن أمسى عليها
بغاة ظالمين وما ظلمنا
ألا لا يجهل أحد علينا

 

ونبطش حين نبطش قادرينا
ولكن سنبدأ ظالمينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فتضخم الذات وإلغاء الآخر، هو السلوك الدارج عند الشخصية النسقية، قديما وحديثا، وذلك كله من سلالة ثقافية واحدة. لقد انتقل النسق وترحل من الشعر إلى الخطابة ومنها إلى الكتابة ليستقر بعد ذلك في الذهنية الثقافية للأمة ويتحكم في كل خطاباتنا وسلوكاتنا([14]).

وتحول حراس النسق سواء من الشعراء أو الفقهاء إلى فصيلة بشرية متعالية على شروط الواقع والعقل وحتى الحق، في حين لا مقدس فوق النقاش في المعرفة الدينية أو في أي نوع من أنواع المعارف([15]). وهؤلاء الحراس ما زلنا نراهم في كافة البنيات الفكرية والاجتماعية والسياسية والإعلامية. فالنسق يعبر كل الحدود ويمتد في كل الأزمنة. فالمتنبي صور الشاعر كالملك الجبار الذي يأخذ ما بدا له قهرا وعنوة. والفقيه يصبح حبر العلوم، والعلامة النحرير، وغيرها من أساليب التضخيم والإكراه الرمزي على القارئ والمتلقي؛ إنها شخصية الفحل المتفرد، شاعرا أو فقيها، والتي تحولت إلى نموذج الطاغية والمستبد.

وزاد هذا النموذج النسقي ترسخا بفعل التربية الثقافية التي عززت فكرة الماضي والأوائل، وآلية الحفظ في التعامل مع إنتاجهم؛ فما لدى الأوائل هو أرقى من كل ما يمكن أن يفعله اللاحقون، وهذا ما جاء مشروع التدوين الثقافي ليحميه ويحفظه، فانتشر الحفظ وضاع التأويل، وكثر التفسير والشرح وقل الكشف والنقد. هذا كله ساهم في تخليق أصنام ثقافية، فتضخمت أنا الفحول، وأعطوا وصفات متعالية، ونُزِّهوا عن النقد، وبُرِّئوا من العيوب. فتشكل النموذج الذهني الثقافي للطاغية بكل مبرراته الأخلاقية لسلوكه الأناني والمتجبر والمتعالي، لا يقيم اعتبارا للآخر، ووسيلته مع المخالف هي سحقه وإقصاؤه واحتقاره، وهذا ضدا على قيم القرآن الكريم التي جعلت الكلمة السواء قاعدة مشتركة مع كل الناس، كما أن القيم الأخلاقية الإسلامية العظمى منفتحة على الإنسان من حيث هو إنسان، هذه القيم التي تحث على الأسلوب السلمي الإنساني في معالجة العلاقة مع الإنسان المختلف كأسلوب من أساليب التعارف والتأليف والتعاون([16]). عندها يصبح الدين بتعريف فيتغنشتاين، هو الشعور بالأمن بين الناس في العالم([17]).

وهذه السمات كانت في أغلبها شعرية، كنا ننظر إليها بمنظار المتعة الجمالية، أو كانت فقهية ننظر إليها بمنظار الأخلاق والشرع، وكأن لا شيء غير ذلك، غير أن ما فيها أفدح بكثير من مجرد الجمالية أو الأخلاقية.

هذا ما لعب فيه فن المديح دورا كبيرا، فأصبحت العلاقات بين المادح والممدوح هي نموذج السلوك ونظام الخطاب في الحياة الثقافية كلها، فظهر المثقف الشحاذ وانتشرت ثقافة الاستجداء شعرا ونثرا، ووقع تحول رهيب في المنظومة الأخلاقية العربية والإسلامية، بل تشكلت "حكومة للبلاغة"، لا تقبل في منتداها إلا من كان وفيا ومخلصا للثقافة-النسق. نسق لا يمكن التخلص منه إلا بعمل شجاع ومتواصل، وهذا ما يحققه النقد الثقافي في كشف مضمرات النسق ورموزه كالمتنبي وأبي تمام ونزار قباني وأدونيس في الشعر العربي، وهي النماذج التي اشتغل عليها عبد الله الغدامي، ونماذج الفقهاء وثقافة التقليد التي يمكن أن نشير إليها في هذا البحث-المدخل لنظرية النقد الثقافي.

فالمتنبي وأبو تمام ونزار وأدونيس ساهموا جميعا، قديما وحديثا، في تعزيز النسق وترسيخه وغرسه في الضمير الثقافي تحت ستار البلاغة والمجاز ودعاوى التجديد والخروج على النسق مما أوهمنا بحداثتهم! لما أصبنا نحن المتلقين بداء العمى الثقافي الذي يبثه النسق نفسه.

لقد رسخ الشعر العربي (ديوان العرب) بنظر الغدامي كل معاني الرفث الثقافي، بواسطته تم تزييف المداحين لكل القيم، فصار معهم الأبلغ هو الأكذب وهو الأظلم وهو الأكثر ذاتية وأنانية وتعاليا ودوسا لقيم العمل والفعل. فحل العقل الصنيع محل العقل الذاتي، بتعبير ابن المقفع([18]).

فمن خلال شعر المدح فقدت الصفات قيمتها الحقيقية وصدقيتها وعمليتها، لأن الخطاب المدحي يعتمد الكذب والمبالغة، باتفاق بين كافة أطراف عملية المدح، والمؤسسة الثقافية ترعى ذلك وتباركه؛ فالصفات تمنح للممدوح مقابل المقايضة المصلحية الفردية. بهذا كله ترسخ في ذهنيتنا الفحل-الشاعر-والفقيه كعناصر مطلقة وأصنام بلاغية وأخلاقية، تولدت عنها صيغ نموذجية مكرورة اجتماعيا وسياسيا وفكريا وحرستها المؤسسة الثقافية وحرمت الاقتراب منها نقدا أو كشفا.

إن تشكل ظاهرة الفحل في الثقافة العربية، سواء كان شاعرا أو فقيها أو حاكما أو مثقفا، سمح بإسكات الآخر، ونشوء أعراف ثقافية متحكمة في مواصفات الخطاب، فتولدت الممنوعات الثقافية واخترع داء الصمت ورغب فيه حينا، وفرض أحيانا كثيرة.

وسُوِّق الصمت، بنظر الغدامي، كقيمة عليا تفوق الكلام وتفضله([19]). وهذا كله من أجل الخضوع للفحل والتسليم لكل مواصفاته وطاقاته الأسطورية؛ حتى لو أخطأ فخطؤه صواب مجازي؛ إذ يجوز له ما لا يجوز لغيره، فهو أمير الكلام، يتصرف في اللغة كيف يشاء، وهو الفقيه المجتهد، والمرجح، وهو الناطق باسم السماء وباسم الناس، تحرسه الثقافة بكل وسائل الحماية، وتتخذه نموذجا للقدوة الاجتماعية والفكرية كنسق يثبت ويترسخ؛ فقيم العنف رسخها النسق الثقافي بإغرائه الجمالي وحجاجيته الاصطلاحية، خصوصا بعد تحويل (النحن القبيلة) في الثقافة العربية إلى الذات الفحولية المفردة والمستبدة والتي أزهرت فأخرجت نموذج "الطاغية".

ولم تستطع بعض المجهودات الذكية خرق النسق بتقوية ثقافة الهامش برغم المبررات التي اصطنعها الجاحظ لنفسه، فكتب عن السودان والبرصان والنساء والجواري والحيوان.. ولم تفلح كل أشكال التمزيق والتضييق والطرد التي مارسها الجاحظ على المتن الثقافي-النسق-المركز.

إننا في حاجة اليوم إلى ترسيخ نظرية فاعلة في النقد الثقافي تلاحق النسق وتكتشف آثاره وتفضح علاماته. هذا النسق الذي يعيق كل تحرر أو إبداع في الذات، ويرسخ النزعات الأنانية، ويمنع أية عملية تواصل أو تلاحم بين عناصر الذات-الأمة، ليغرق في الذات-الأنا، وحتى الاختلاف لا يستوعبه إلا في إطار الوحدة الوهمية المشبعة بروح التعصب وادعاء الأفضلية، مما أحدث ثقوبا كبيرة في فلسفة الاختلاف الإسلامية؛ ذلك أن الاختلاف الذي أقره القرآن الكريم ليس أبدا اختلاف أفضلية أو استعلاء قبلي أو مذهبي، بل هو آية من آيات الله العظمى في النفس والكون([20]). وذهب بعض الفلاسفة الدينيين المعاصرين، في التفاتة جديرة بالتأمل العميق، إلى أن فلسفة التأليف الإسلامي تقتضي عدم النظر إلى العالم باعتباره خطا واحدا مستقيما ومئات الخطوط معوجة ومتكسرة، بل يتوجب النظر إليه كمجموعة من الخطوط المستقيمة تتقاطع وتتوازى وتتطابق. ثم أليس هذا هو معنى إشارة القرآن الكريم للأنبياء بأنهم على "صراط مستقيم"؟ أي أن كل واحد منهم على أحد الصراطات المستقيمة وليس "الصراط المستقيم" الوحيد([21]). ويضيف الفيلسوف عبد الكريم سروش أن الله تعالى هو الذي بذر التعددية والاختلاف في العالم؛ فبعث أنبياء مختلفين، وكان له تجل لكل واحد منهم، وأرسل كل واحد منهم إلى مجتمع([22]).

وبهذا نفسر هذا التشرذم الذي تعيشه أمتنا، وهذا الزمن الرديء الذي تتخبط فيه. فهذا النسق المجزئ لذاتيتنا ظل متجذرا في وعينا وتمثلاتنا الذهنية، وعناصره الفكرية تمر من دون نقد حتى شكلت أساسا ثقافيا وذهنيا متحكما يعيق الإبداع وكل عمليات التأليف بين عناصر الأمة.

وما زال رموز النسق قديما وحديثا، سواء في الشعر أو الفقه والمعرفة، أو الثقافة بشكل عام، يجدون تجاوبا وجدانيا عاما داخل الفضاء العربي الإسلامي، يمارسون كل عمليات الزيف والتضليل، تحت دعاوى الهوية أو السلفية أو الحداثة.. مكرسين خطابات سحرية تركز على الذاتية والمطلقية والتعالي والأنا المتضخمة، وتحويل القيم من بعد إنساني إلى بعد ذاتي مصلحي ضيق تحكمه السلطة والقوة واستذلال الفرد للحصول على مآرب شخصية حقيرة.

لم يكن الشعر العربي يوما تعبيرا عن الذات الشاعرة القلقة، ولكن كان تعبيرا عن النسق المهيمن الذي يمارس عنفه على الذهن، كما لم يكن قطاع واسع من المعرفة الإسلامية تعبيرا عن طموحات الإنسان المسلم في التحرر والفعل التاريخي المؤثر، بقدر ما كان تعبيرا عن مصالح ذاتية وفئوية وحزبية متخفية تحت غطاء الشرعية أو العلوم الشرعية أو القدسية، أو غيرها من الأغطية، مما يقتضي إزالتها وممارسة النقد الثقافي عليها.

2 ـ النقد الثقافي مدخلا إلى التأليف:

إن ممارسة النقد الثقافي هو الذي يكشف لنا أسباب التجزئة المترسخة في واقع الأمة، أسباب تتعمق في البنى الفكرية الدفينة في عقل الأمة الجمعي. فإذا كان الإسلام عنصر تحرير للإنسان من كل أشكال الاستصنام والإذلال والجبروت، وعنصر تأليف بين جماعة المؤمنين، الإسلام من خلال الوحي، فإن السؤال المشروع: هو لماذا يحث القرآن على التأليف والتعاون، قال الله عز وجل: }وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا{ [الحجرات: 13]، في حين يسير واقع الأمة في اتجاه التجزيء والتشرذم؟ والتجزيء ليس على مستوى الدول والجماعات فحسب، بل على مستوى الفرد ذاته؛ حيث أصبح الفرد المسلم الواحد يحبل بكل الاضطرابات والتناقضات والعقد، ويضاف إلى ذلك نزعات أنانية وفردانية مدمرة له وللمجتمع الصغير وللأمة.

إن كشف الأسباب العميقة يتم باستبعاد ثقافة المؤامرة، وربط كل ذلك بالآخر، الغرب، أو الكافر، أو الاستعمار. إن القرآن يحث على المشي في الأرض للاعتبار، وقراءة التاريخ والأخذ بالسنن والأسباب، وممارسة النقد الذاتي الجريء، والقطع مع عمليات تطهير الذات وتنزيهها ورسم صورة وهمية عنها، بناء على ثقافة تاريخية مزيفة في جزء كبير منها.

فبالنقد الثقافي نتوجه إلى الذات ونفحص بناها الفكرية وأنساقها الثقافية المتحكمة في عقل الإنسان المسلم وفي سلوكه، مما يعيقه عن الفعل الإيجابي والاستخلاف في الأرض.

إن ممارسة النقد الثقافي يوقفنا على مفهوم الإسلام الذي تحرك في التاريخ: هل هو إسلام الوحي أم إسلام التاريخ؟

لقد وقعت فجوة عميقة بين الوحي-النص والتاريخ، حتى أصبح الحديث عن إسلامين أو أكثر أمرا ضروريا لكل طموح إلى بحث نقدي موضوعي؛ إسلام الوحي-النص، كتابا وسنة صحيحة، وكله دعوة إلى التأليف والتعاون بين الناس، بله المسلمين والمؤمنين، وإسلام الواقع التاريخي، تجسده أنظمة في الحكم، ومذاهب في الفقه، ومدارس في الحديث والأصول والتفسير، مما يتوجب إسناده إلى أصحابه وعدم تحميل الأمة مسؤوليته؛ }تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [البقرة: 134 و141]. وعليه اختلط التاريخ بالنصوص، واختلط الفقه بالشريعة، وعم الخلط جميع الأطراف، فوقع ما وقع، مما يستدعي فك الارتباط بين هذه العناصر([23]).

وهذا الخلط مرده إلى وجود عقل صنيع أو عقل مضمر، كما رأينا في النقطة الأولى من هذه الدراسة. وهذا العقل عقل فقهي تربى بصفة أساسية على يد المنظومة الفقهية المتوارثة منذ عصر التدوين، حتى أصبحت الحضارة الإسلامية، بتعبير أحد الباحثين البارزين، حضارة فقه، في مقابل حضارة العقل والفلسفة اليونانية، وحضارة العلم والتقنية الغربية المعاصرة([24]). لقد شكلت السلفية التاريخية إذن الأساس للعقل المسلم، بل زاحمت الوحي-النص في كثير من صلاحياته، وبنت منظومتها الفكرية الفقهية- النسق، ورسخت سلطانها، فأصبح السلف، بما هو تعبير غامض وغير مضبوط وغير محدد مصدرا للتفكير والتشريع، بما يخالف مقتضيات الوحي- النص وآفاقه. وتم ترسيخ الإلزام كأداة منهاجية وآلية إجرائية للتحكم في كل العمليات الفكرية، والتصدي لأية محاولة للنقد والخروج عن هذا النسق الذي بدأ يتقوى ويتمكن في اللحظات الأولى للتدوين. والتدوين عملية لا يستطيع باحث منصف أن يدفع عنها تهمة "الانتقائية"، أو يدعي لها الحياد والاستقلال المفارقين للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة، بل ذهب بعض الباحثين إلى حد اعتبار عملية التدوين ذاتها تيارا من هذه التيارات، ضالعا في المعترك الشامل بينها على مستوى السياسة والفقه والفكر جميعا([25]). فعصر التدوين بكل حمولته التاريخية وبكل "انتقائيته" صنع لنا نسقا تكوينيا، لا يمثل فيه الوحي-النص إلا واحدة من مفردات التكوين، وهو أصبح أوسع من ذلك؛ إذ وجدنا أنفسنا أمام منظومة نظرية كاملة من الرؤى والنظم والمفاهيم، تحاول أن تقدم نفسها على نحو جدلي واع كممثل معتمد ووحيد للإسلام([26]).

وتشكل النسق-الثقافة، مع ما صاحب عملية التشكيل من معاني الصنعة والإنشاء والتركيب والحذف والإضافة، وخيضت من أجل ذلك مواجهات سجالية صاخبة مع فرق اعتبرت مخالفة جزئيا أو كليا للنسق-الثقافة، كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية ثم المتصوفة والمتفلسفة والأشاعرة، برغم محاولتهم "عقلنة" الرؤية السلفية الضيقة وإخراجها من طابعها النقلي والحرفي. فتم فرض حزام تاريخي من الجدل حول الخصوم، وتم بث تهم جاهزة ضدهم، مما يتيح فرص إقصائهم والتصدي لهم تحت مبررات فقهية تخفي تحيزاتها وقسوتها، ما زالت تتكرر إلى اليوم مع كل من حاول خرق قوانين هذا النسق في التفكير والنظر، فأهل البدع أصبح معيارا مذهبيا في ذاته به تحاكم الفرق والمخالفون، فيقبل من يقبل ويرفض من يخالف. وكثيرا ما تشن تلك الحملات بدعوى حماية الوحدة، في حين أن الحضارة الإسلامية لم تكن بدعا من الحضارات الإنسانية التي تتميز بالتنوع؛ هذا التنوع الذي كان من اللازم أن يحفظ ولا يواجه بواسطة الطرق الزجرية، بل يعمَّق بالاستجابة لمطامح الإنسان وتطلعاته بمزيد من الحرية وتشجيع التفكير العقلي الخلاَّق، وإلا سنكرس نموذجا "عولميا" بالإكراه والعنف([27]).

ومثل الفقه في البناء التدويني، أي الثقافة-النسق، عنصرا بارزا، بل أصبح مرجعية إلزامية ممتدة في الزمان، تكاد تمتد على فضاء النص-الوحي وتسحب منه كل صلاحياته؛ فقد تحول الفقه بذاته إلى نص، ولم يعد أحد من المتدينين المعاصرين يقتنع بأن الفقه القديم إن هو إلا جملة من تجليات النص في الوقائع والأحداث، وإن اعترفوا بذلك، فليس على مستوى الفهم النظري وإجراءات التحليل.

وعلى هذا الأساس يمكن تفسير قيام العقل الإسلامي بإخفائها فيقدم لنا مقولات الفقه ونصوص التدوين ككائنات تشريعية مطلقة وكاملة الكينونة خارج التاريخ وملابساته. وهذا ما أصاب العقل المسلم بالعجز، لأن الفقه المدون، وهو أساس هذا العقل، لا يملك طاقات النص-الوحي ولا إمكاناته في التعامل مع العصر والإجابة عن الأسئلة الكلية. ثم إن التعامل الجزئي بين العقل الفقهي والنص كان محدودا، لأن ذلك العقل كان مزودا بأدوات منهجية ومعرفية محدودة، لا تسمح باستخراج مكنونات النص-الوحي، ولا الانتباه إلى تعدد سياقاته وتنوعها. فالأدوات اللغوية شبه المعجمية لم تكن قادرة على الخروج بالنص من الدلالة إلى التداول والاستدلال، بل جعلته تلك الأدوات في بعض الأحيان يكتسب طابعا لغوي
تاريخ النشر : 16-01-2010

6462 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com