قال اللهُ تعالى في سورة الطور: "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. والطورِ(1) وكتابٍ مسطورٍ(2) في رَقٍّ منشورٍ(3) والبيتِ المعمورِ(4) والسقفِ المرفوعِ(5) والبحرِ المسجورِ(6) إنَّ عذابَ ربِّكَ لَواقعٌ(7) ما لهُ مِنْ دافعٍ(8) يوْمَ تمورُ السماءُ موْراً(9) وتسيرُ الجبالُ سيْراً(10)"
المقدمة
جعلَ اللهُ تعالى الأرضَ برّاً يابساً وبحراً مائعاً، وقد امتنَّ سبحانه على الناس أن خلق لهم البحر ليركبوه، وليستخرجوا منه لحماً طريّاً وزينةً.
والبحر نظامٌ بيئيّ معقّد، بل هو عالم جيولوجيّ بيولوجيّ فيزيائيّ كيماويّ ثريٌّ بالعجائب. وما من ريْبٍ أن البحر الميّت إن لم يكن أعجوبةَ البحارِ، فإنه من أعجبِها. وقد أقسم اللهُ تعالى بالبحرِ مرةً واحدةً، وذلك في قوله تعالى: "والبحرِ المسجورِ"، وهو موضوع هذا البحث.
إشكاليّة البحث
درج المهتمون بتفسير القرآن الكريم، وبخاصة بالإعجاز العلمي في آياته، على التعامل مع قول الله تعالى: "والبحرِ المسجورِ"، أولاً، بأخذ "البحر" فيه على أنه اسمُ جنسٍ؛ وثانياً، بأخذ المسجور بمعنى: الموقََدِ، أو الذي يجري تسخينه وإحماؤه، مستشهدين بما تمَّ استكشافه في القرن العشرين من ثوران البراكين في القيعان العميقة للمحيطات وبعض البحار، ودفعها بالحممِ والصهارات في المياه القاعيّةِ من خلال الصدوع كالتي في حُيود منتصف المحيطات، وبخاصة المحيط الأطلسيّ. وقد قادهم هذا التعامل إلى اعتبار أن القسَمَ: "والبحرِ المسجورِ" يتعلق بما هو جارٍ من ولوج حممِ وصُهاراتِ تلك البراكينِ في مياه قُعورِ البحار والمحيطات، ومحاولتها أن تسخِّنَها، وليس بما سيصير إليه حال البحار من التسجير كشرط من أشراط الساعة كما في الآية الكريمةِ "وإذا البحارُ سُجِّرَتْ" (التكوير:6). ولقد ذهب هؤلاء إلى تأييد رأيهم بما رواه الدارميُّ والبيهقيُّ وآخرونَ عن الرسول، عليه السلام، في أنَّ تحتَ البحرِ ناراً[1]. وذهبَ البعض إلى الإشارة إلى وجود مخزوناتٍ بتروليّةٍ ضخمةٍ تحت المياه البحريّةِ تبريراً لاعتبارِهم أن البحر المسجور هو المليء بالوقود، في حين ذهب فريق آخر إلى الحديث عن مخزونات هيدرات الميثان methane hydrate الموجود في القيعان البحريّة، والذي يصفونه بالثلج المشتعل؛ وذلك أيضاً تبريراً لاعتبارِهم أن البحر المسجور هو المليء بالوقود[2].
وأمَّا هذا البحثُ فيذهبُ إلى اعتبار أن البحرَ المسجورَ هو أحد البحار، أيْ هو بحرٌ بعينِهِ، بحرٌ مخصوصٌ، وأنه ممكن التحديدِ، وأن سجْرَ سائرِ البحار، أو تسجيرَها، هو الذي سيكونُ من أشراط الساعة، وأنه سيكون شاملاً، وأنه سيكون ابتداءً. وقد جاء في قراءة "سُجِّرَتْ" التي هي بتشديد الجيم - جاء قراءة أخرى هي: "سُجِرَتْ"، أي بتخفيف الجيم نفسها.
أيُّ البحارِ هو المسجورُ؟
إنَّ اعتبار أن البحر المسجور هو بحرٌ بعينه يذهبُ بنا إلى ضرورة تحديد ذلك البحر انطلاقاً من الاعتماد على معاني السجر في المعاجم، ومن الاسترشاد بما قاله ثقات المفسرين في الآية الكريمة، بحيث نصلُ إلى أن السجرَ القائمَ في هذا البحر قد ذُكرَ كحالةٍ خاصّةٍ حادثةٍ في واقع الكرة الأرضيّةِ قبل يوم القيامة، وأن مثلَه سيحدث لبقيّة البحار كحالةٍ عامّةٍ مشكلةً شرطاً من أشراط الساعة. فأيُّ معاني السجر يجعلنا ندخل من الحالة العامّة إلى تحديد الحالة الخاصّة؟ أيْ أيُّ معاني السجر مما يكون من أشراط الساعةِ، سيكون دليلاً لنا لتعيين ذلك البحر المسجور، وتحديد أيِّ بحرٍ هو؟
للإجابة لا بدَّ من معرفة السياق الذي جاء فيه قول الله تعالى: "وإذا البحارُ سُجِّرتْ". فبالعودة إلى سورة التكوير نجد أن السياق هو تعديدُ مظاهرَ من أشراط الساعة؛ مظاهرَ كونيّةٍ: "إذا الشمسُ كُوِّرتْ. وإذا النجومُ انكدرتْ"؛ ومظاهرَ أرضيّةٍ: "وإذا الجبالُ سُيِّرتْ. وإذا العِشارُ عُطّلتْ. وإذا الوحوشُ حُشِرتْ. وإذا البحارُ سُجِّرتْ". ولا ريْبَ أن المظهرَ الشموليَّ الأرضيَّ المندرجَ في أشراط الساعةِ هو أن تصبحَ الأرضُ، كلُّ الأرضِ، صعيداً جُرُزاً، صعيداً ميتاً خالياً من الأحياء، أي إن جميع الكائنات الحيّة في الكرة الأرضيّةِ تصبح ميتةً، وليس التي في البرِّ وحدها: "إنَّا جعلنا ما على الأرضِ زينةً لها لنبلوَهم أيُّهم أحسنُ عملاً. وإنَّا لجاعلونَ ما عليْها صعيداً جُرُزاً" (الكهف: 7-8). والأرضُ الجرُزُ هي الميّتةُ: "أوَلمْ يروْا أنّا نسوقُ الماءَ إلى الأرضِ الجُرُزِ فنخرجُ بهِ زرعاً تأكلُ منهُ أنعامُهم وأنفُسُهم أفلا يبصرونَ" (السجدة: 27). والأرضُ برٌّ وبحرٌ. وأرى أن قول الله تعالى: "وإذا العِشارُ عُطّلتْ. وإذا الوحوشُ حُشِرتْ" هو في النهاية تعبيرٌ أو كنايةٌ عن جَرْزِ البرِّ، عن موت كلِّ ما في البرّ من كائنات حيّةٍ؛ ففي لسان العرب لابن منظور أن حشرَ الوحوشِ هو موتُها[3]، وأيضاً نسب القرطبيُّ إلى ابن عباسٍ أنَّ حشرَ الوحوشِ هو موتُها[4]. وفوقَ هذا، فإن تعطيل العشار، باعتبار أنّها، أولاً، ذواتُ الحملِ من الأنعام، مأخوذاً بالحدِّ الأقصى لدلالة التعطيل، هو موتُها؛ وباعتبارِ أنَّها السحابُ، ثانياً، فإن تعطيلها يعني انحباس الأمطار، وهو ما يؤدّي إلى موتِ الخلائق، وبخاصةٍ في البرِّ؛ وباعتبار أنَّها قِطَع الأرضِ التي تُزرع، ثالثاً، فإن تعطيلَها هو موتُ مزروعاتِها وهلاكُ نباتِها؛ وباعتبار أنَّها الديارُ المسكونةُ، رابعاً، فإنَّ تعطيلَها هو أيضاً موتُ ساكنيها وديّاريها[5]. وما دامَ السياقُ هو في موتِ الكائنات الحيّةِ في البرِّ، فقد ناسبَ ذلكَ أن يكتملَ الحديثُ عن موتِ الكائنات الحيّةِ في بقيَةِ الأرضِ، أيْ في البحار. وعلى هذا، فإنَّ "وإذا البحارُ سُجِّرتْ" هو تعبير عن جَرْزِ البحر، هو كناية عن أن البحارَ كلَّها تكون أيضاً قد أصبحت ميتةً، أصبحت بحراً جُرُزاً ماتَ كلُّ ما فيه. ومن هنا، ولأجل تحديد أيِّ البحار هو البحر المسجور، فإن "حجر الأساس" في هذا التحديد سيكون معرفةَ أيِّ البحار واقعيّاً هو ذلك البحر المعهود منذ القدمِ بالتميّزِ بخلوِّه من الكائنات الحيّة، أي إنه بحرٌ ميّتٌ، بحرٌ جُرُزٌ. أوليسَ "البحرُ الميّت"[6] The Dead Sea هو البحرَ الوحيدَ الخاليَ من الكائنات الحيّةِ بمفهومِها غير المجهريِّ macroscopic؟
وباختصار، هناك احتمالان لما هو مقصود من البحر في قول الله تعالى "والبحرِ المسجورِ": فإمّا أنه اسم جنس، وإمّا أنه بحر بعينه. واعتبار أنه بحر بعينه يعني أنه لا بدَّ من التعامل مع ثلاثة أمور:
1- إيجاد أدلة على ترجيح أن المقصود من البحر في "والبحرِ المسجورِ" هو بحرٌ معيّنٌ، لا أنه اسم جنس يشمل عموم البحار.
2- محاولة تحديد أيِّ بحار الكرة الأرضيّة هو ذلك البحر المقصود بعينه.
3- إيجاد أدلةٍ تثبت أن البحر المختار في محاولة التحديد هو المقصود دون سائر البحار.
إلى هنا نكون، أولاً، قد توصلنا من السياق الذي ورد فيه القسم:"والبحرِ المسجورِ" إلى أن المقصود من البحر هو بحر مخصوص، وثانياً، قد توصلنا أيضاً من السياق الذي وردت فيه الآية: "وإذا البحار سُجّرتْ" إلى أنه بحر ميت. واعتماداً على هذيْن الاستنتاجيْنِ فإن البحر المسجور هو البحر الميت؛ إذ إنه هو البحر الوحيد في العالم، الذي يخلو خلوّاً كاملاً شاملاً من أيِّ كائناتٍ حيّةٍ منظورةٍ.
البحر المسجور هو بحر بعينه
لا رَيْبَ أنَّ السياق والقرائنَ في سورة الطور تؤيد أنَّ البحرَ المسجورَ، هوَ بحرٌ واحدٌ بحدِّ ذاتِهِ، فالطورُ المُقْسَمُ بهِ، هوَ طورٌ معيّنٌ، وليسَ كلَّ ما يقالُ لهُ: "طور"، والبيت المعمور، هوَ بيتٌ معيَّنٌ مسمّىً، وليسَ كلَّ بيتٍ معمورٍ، وحتّى الكتاب في قوله تعالى: "وكتابٍ مسطورٍ. في رَقٍّ منشورٍ" هو كتابٌ مخصوصٌ، ما جاء التنكير إلا تشريفاً له[7]. وهكذا هو حقُّ البحر المسجور؛ إذ هو مذكورٌ في السياق نفسِهِ. واقتران البحر بالوصف، وهو أنه مسجور، أجازَ وسمح لنا أن نعتبرَه بحراً معيّناً قائماً في الأرضِ، لا أنه اسم جنس شاملٌ لكل البحار كما في قول الله تعالى:"ولوْ أنّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحرُ يَمُدُّهُ من بعدِهِ سبعةُ أبحُرٍ ما نفِدَتْ كلماتُ اللهِ إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيمٌ" (لقمان:27)، أي إن ذلك البحر المسجور ليس عموم البحار، وإنما هو بحرٌ مخصوصٌ مسجور قبل يوم القيامة. فقول الله تعالى: "والبحرِ المسجورِ" هو قسم ببحرٍ مسجورٍ، بحرٍ موجودٍ في الدنيا على حالٍ من السجر، وليس إخباراً عن حالٍ ستؤول إليها البحار عموماً كواحدٍ من أشراط الساعةِ، أي هو قسمٌ ببحرٍ موجودٍ يستأهل أن يوصفَ بالمسجورِ، وليس قسماً بالبحارِ عموماً موصوفةً بالحال التي ستكون عليها إذا أزفتِ الآزفةُ، وفُجّرتْ تفجيراً. والقرينةُ المشيرةُ إلى أن القسم في "والبحرِ المسجورِ" هو قسم ببحرٍ مخصوصٍ مسجورٍ قبل يوم القيامة، هي مجيء قول الله تعالى: "إن عذابَ ربِّكَ لواقعٌ. ما لهُ مِنْ دافعٍ" مجيئاً تالياً مباشرةً لهذا القسَمِ؛ إذْ إنَّ الآيتيْنِ: "يومَ تمورُ السماءُ موْراً. وتسيرُ الجبالُ سيْراً" هما، بكلِّ تأكيدٍ، عن يوم القيامة.
واسمُ الجنسِ إذا ذكرَ مطلقاً فقد يكون شاملاً لكلِّ الأفرادِ، وأمِّا إذا وُصفَ فالأوْلى أنَّهُ قد خُصِّصَ؛ فالوصفُ للبحرِ بالمسجورِ هوَ في الغالبِ تخصيصٌ، وبالتخصيصِ صرفٌ عنِ الإطلاقِ، صرفٌ عن إرادة جنسِ الشيء الموصوف.
وقال المفسرون: إنه ما من شيءٍ أقسمَ الله تعالى به إلّا وذلك دلالةٌ على فضلِه على ما يدخل في عدادِهِ[8]. وتطبيقاً لهذا القول على القسم في "والبحرِ المسجورِ"، فإن البحر المسجور هو بحر مخصوص له فضل على سائر البحار؛ إذ هي التي تدخل في عدادِهِ، وعدادُ الشيء هو أفراد جنسِهِ أو نظراؤه. وعلى هذا، فلا يكون جنس البحار هو المقصودَ من البحر في "والبحرِ المسجورِ"، وبالتالي، فإن هناك ضرورة للمحاولة، بل إن هناكَ وجوباً للسعي لتعيين أيِّ البحار هو ذلك البحر المسجور. ومن المعروف من أساليب العربِ أنهم لا يختصّون شيئاً من بين نظرائه، أو مما يدخل في عداده، بوصفٍ من الأوصاف إلّا إذا كان يتفرد بالاتصاف به، أو يتميّز باستحقاقِهِ للحدِّ الطرفيِّ منه، أي إذا كان قد سجل أو ضرب "الرقمَ القياسيَّ" في استحقاقه له، وعلى سبيل المثال، لو وصفنا جنديّاً في كتيبةٍ بأنه "الجنديُّ الشجاعُ" فهذا معناه أنه أشجع جنديٍّ في عداد جنودِ تلك الكتيبةِ، وليس بالضرورةِ أنه لا يوجد فيها شجاع غيره، مع أن ذلك محتملٌ أيضاً.
وهناك أقوال في التفاسير، في شروحها لسورة الطور، تدعم الذهاب إلى أن الله تعالى أقسم بالبحر المسجور إقساماً خاصاً، أي أن البحر المسجور هو بحر بعينه لا أنه عموم البحار:
1) قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير": "المراد بحر القلزم، وهو البحر الأحمر ومناسبة القَسَم به أنه به أُهلك فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون".
2) وأورد ابن كثير في تفسيره أن الربيع بن أنس قال: "البحر المسجور هو الماء الذي تحت العرش الذي يُنزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها".
وقال ابن الجوزيّ في كتاب "زاد المسير في علم التفسير": "قوله تعالى: {والبحرِ المسجورِ} فيه قولان. أحدهما: أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يُمْطَر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتون في قبورهم، قاله عليّ رضي الله عنه".
3) وجاء في "التفسير الكبير"، تفسيرِ الفخر الرازيّ:
"ما الحكمة في اختيار هذه الأشياءِ (الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور)؟ نقول هي تحتمل وجوهاً: أحدها: إن الأماكن الثلاثة وهي: الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور، أماكن كانت لثلاثة أنبياء ينفردون فيها للخلوة بربهم والخلاص من الخلق والخطاب مع الله، أما الطور فانتقل إليه موسى عليه السلام، والبيت المعمور محمد صلى الله عليه وسلم، والبحر المسجور يونس عليه السلام".
4) وجاء في تفسير ابن كثير: "وقال العلاء بن بدر: إنما سمّي البحر المسجور لأنه لا يُشرب منه ماء ولا يُسقى به زرع، وكذلك البحار يوم القيامة".
5) أقوال رأت أن البحر المسجور ليس بحراً على الحقيقة. وقد جاءت تك الأقوال غريبةً، أو حتّى مغرقة في الغرابة، بل وفي التخيلات.
أ- قال الألوسيّ في "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني": "وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أنه الملأ الأعلى الذي تحت العرش وكأنه أراد به الفضاء الواسع المملوء ملائكة".
ب- وأورد الألوسي في "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" أيضاَ: قال منبه بن مسعود: "وجهنم سميت بحراً لسعتِها وتموُّجِها". وفي "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " لابن عطية: "قال منذر بن سعيد: إن المعنى هو القسم بجهنم وسمّاها بحراً لسعتها وتموُّجِها.
ت- وذهب الصوفيّون إلى تفسير البحر المسجور بما هو عجيب؛ إذ إن "ابن عربي"، مثلاً، قد اعتبر في تفسيره أن البحر المسجور هو: "الهيولى المملوءة بالصور والتي يظهر عليها كل ما أثبت في اللوح المحفوظ "، وكذلك هو عنده:"مادة البدن المملوءة بالصور".
ث- وذهب الجنابذيّ في تفسيره "بيان السعادة في مقامات العبادة" إلى أن البحر المسجور هو بحرالهيولى الذي يوقد من نار الشهوات والغضبات والحيل الشيطانيّة.
ج- وذهب البقليُّ في "عرائس البيان في حقائق القرآن" إلى أن البحر المسجور هو بحر سرِّ محمدّ، عليه السلام، المملوء علوماً قدميّةً وأسراراً باقيةً.
ح- ورأى إسماعيل حقّي في "روح البيان في تفسير القرآن" أن البحر المسجور هو البحر المحيط الأعظم الذى منه مادة جميع البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يُعرف له ساحل، ولا يعلم عمقه إلا الله تعالى، والبحار التى على وجه الارض خلجان منه، وفيه مدائن تطفو على وجه الماء وهى آهلة من الجن فى مقابلة الربع الخراب من الأرض وفيه قصور تظهر على وجه الماء طافية ثم تغيب وتظهر فيه الصور العجيبة والأشكال الغريبة ثم تغيب فى الماء وفى هذا البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار فى الأرض وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
خ- واعتبر الشيخ طنطاوي جوهري صاحب "الجواهر في تفسير القرآن الكريم" أن البحر المسجور هو كرة ناريّة تشكل باطن الأرض[9]. وقال أيضاً: "ولا جَرَمَ أن هذا البحر هو باطن الأرض. ونحن الآن نسكن فوق نار عظيمة، أي فوق بحر مملوء ناراً، وهذا البحر مغطّىً من جميع جهاته بالقشرة الأرضيّة المحكمة سدّاً عليه. ومن وقت إلى وقت يتصاعد من ذلك البحر نارٌ تظهر في البراكين.."[10].
المسجور في المعاجم
جُلُّ ما جاء عن المسجور في المعاجم:
(أولاً) في لسان العرب لابن منظور[11] (ببعض التصرف للترتيب).
إن ما جاء في "لسان العرب" يشكل العمود الفقاري لما سنعتمد عليه في معاني السجر ومشتقاته.
الفعل "سجرَ":
1- سجَرَ الإناءَ يسجرُه سجْراً وسُجوراً وسجّره: ملأه، وسجرتُ النهرَ: ملأتُه (جاء الفعل متعدّياً).
وسجَرَ يسجُرُ وانسجرَ: امتلأ (جاء الفعلُ لازماً).
2- وسجرتُ الماءَ: صببتُه.
3- وسجرتُ التنورَ: أوقدتُه، وأحميتُه؛ أو أشبعتُه وقوداً.
4- سجرتِ الناقةُ تسجُرُ سجوراً وسجَْراً: طربت في إثْرِ ولدها ومدّت حنينها.
5- سجرَ الكلبَ أو سجر الرجلَ: وضع الساجورَ في عنقه.
6- سجر فلانٌ فلاناً أو ساجره: اتخذه سجيراً، أي جعله له صديقاً أو خليلاً وصفيّاً. وجمعُ السجير هو السُجَراء.
7- سجرَ الشَّعرَ: أرسله.
وأمّا في تفسير قول الله تعالى: "وإذا البحار سُجِّرتْ" فقد أورد ابن منظور:
أ- قال ثعلب: مُلئت.
ب- قال ابن سيدَه: لا وجه لتفسيره بالملء إلا أن تكون ملئت ناراً.
ت- قال عليّ بن أبي طالب: سُجِّرت أي أفضى بعضها إلى بعض.
ث- وقالَ الربيع: سُجِّرت أي فاضت.
ج- وقال قتادة: سُجّرت أي ذهبَ ماؤها.
ح- وقال الزجّاج: سُجِّرت – بتشديد الجيم- أي فُجِّرت؛ وسُجِِرت – بتخفيف الجيم - أي ملئت.
خ- وقيل: صارت نار جهنم.
وفي معاني المسجور وهو اسمُ المفعول من سجر:
المسجور: المملوء.
المسجور: المفجور.
المسجور: الموقَدُ.
المسجور: الساكنُ.
المسجور: الساكنُ والممتلئُ معاً.
المسجور الذي في عنقه ساجور، وهو أيضاً المُسوْجَرُ، أي المقيَّدُ المغلول.
اللبن المسجور: اللبن الذي ماؤه أكثر من حليبه.
شعرٌ مسجور ومنسجر ومسجَّر أي مسترسل أو مرسل.
اللؤلؤ المسجور: المنظوم.
اللؤلؤة المسجورة هي كثيرة الماء.
البئرُ السَّجْرُ أي المسجورُ.
المسجَّرُ: غائض الماء.
المسجور: الذي ذهب ماؤه، أي الذي تنشّفَ وتيبّسَ.
وتأتي المسجور في بعض استعمالاتها من الأضداد، فهو المملوء أو هو الفارغ؛ وهو المنظوم أو هو المنثور.
الأسْجَرُ ومؤنثه السجراء:
أ- الأسجر الغدير الحرُّ الطين.
ب- الأسجر الغدير الذي يضرب ماؤه إلى الحمرة.
ت-
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.