آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

حوارات وشخصيات  .  

  •     

الحوار بين الأديان وسؤال النتائج

عبد الإله الدرعاوي


لقد اعتبر  القرآن "الحوار قاعدته الأساسية في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته وكذا في كل القضايا الخلاف بينه وبين أعدائه وكما أنه لامقدسات في التفكير كذلك لامقدسات في الحوار، إذ لايمكن غلق باب من أبواب المعرفة أمام الإنسان، لأن الله جعل ذلك وحده هو الحجة على الإنسان في الطريق الواسع الممتد أمامه في كل المجالات المتصلة بالله والحياة والإنسان"[1]

وقد أكد القرآن هذا المبدأ بطرق متعددة من خلال حوار الله مع خلقه بواسطة رسله ومع الملائكة ومع إبليس... ومع المخالف وغير المخالف، ولم يشجب في هذا الباب موقفا كما شجب موقف رفض الحوار والإصرار على عدم ممارسته قال تعالى "ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم" سورة الجاثية الآية 6-7

وقدم المفكر محمد السماك إحصاءا مهما حول غنى القرآن الكريم "بالمصطلحات والمفاهيم الدالة على الحوار بين الأطراف المختلفة والمتصارعة ، فقد وردت كلمة "قال"ومشتقاتها 1713مرة منها 549 مرة كلمة "قال "و355 مرة كلمة "قالوا"، ووردت كلمة "جادل " ومشتقاتها 29 مرة ووردت كلمة "حاج" ومشتقاتها 29مرة ووردت كلمة "حاج، يحاجج" 13 مرة، ووردت كلمة "حوار" 3مرات.[2]

لكن الحصيلة المتواضعة للحوار الديني في مرحلتنا المعاصرة وتعثره في مناسبات متكررة والأخطاء المتعددة التي وقعت فيها التجارب الحوارية والتي حالت

دون تحقيق أي تقدم إيجابي وفعال ومؤثر في العلاقات، جعلت البعض  يشكك في جدوائية هذا الحوار.

فمن الأخطاء التي وقعت فيها التجارب السابقة: اللاتكافؤ في الحوار لا من حيث المبادرة  في الحوار ولا من حيث طريقة تحديد المواضيع واختيارها "فترى مثلا  كيف كانت تنطلق حملات اتهام الإسلام بعدم احترام حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة، ثم كيف كانت تنظم المؤتمرات والندوات لبحث مواضيع حقوق الإنسان من وجهتي نظرة الإسلام والمسيحية، فتعقد اللقاءات والحوارات من اتهام مسبق"[3] بين طرف متهم وطرف متهم مدان مسبقا، وكذلك يتم اختيار مواضيع "تخدم الاستراتيجية الغربية فيما يسمى بالشرق الأوسط وحول التسوية بين إسرائيل والدول العربية مثل موضوع "دور الدين في السلام أو مفهوم السلام في الأديان"[4]

يضاف إلى هذا السلوك الغربي المناهض لقضايا المسلمين والذي يتسم بالازدواجية في التعامل مع القضايا العادلة للمسلمين كالدعم اللامحدود العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل والتأييد الدبلوماسي المطلق لها المؤسسات الدولية.

ومما عزز صورة التوجس والخوف من الحوار "محاولات الحضارة الغربية بمحتوياتها الجديدة في فرض هيمنتها وكونيتها وإملاء أنموذجها ( بالترغيب والترهيب) ومفاهيمها دون مراعاة الحضارات السائدة الأخرى"[5] وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية، كما أن استمرار الأحكام المسبقة والصورة المشوهة والإكراه ومسائل العنف وأشكال التمييز التي تعاني منه الجاليات المسلمة بالغرب التي لحد الآن لم تأخذ وضعا يتلائم مع حجمها على الرغم من دعاوى الديمقراطية والمساواة والعدالة.

ويمكن اعتبار نظرة بعض المسلمين الجزئية إلى الآخر وكأنه كتلة واحدة ووحدة متجانسة أو الاكتفاء ببعض الصور السلبية والأحادية للحكم عليه بالسلب أو بالإيجاب ساهمت إلى حد بعيد في عدم التقدم إلى الأمام في الحوار.

لكن رغم هذه الصعوبات والعوائق والنتائج الغير المشجعة يبقى أنه لاخيار للأمة وللبشرية سوى الحوار لأنه منسجم مع رسالة الإسلام ذات البعد العالمي وأنها جاءت للناس كافة، كما أن التحديات التي تواجه الإنسانية تفرض هذا الخيار وتوجب على الأديان التعاون والتحاور من أجل مواجهتها، ومن بين التحديات والمواضيع المشتركة التي يجب التعاون فيها:

-          ما يتعلق بالموقف العقدي والمبدئي من قضايا بعينها في مقدمتها قضية العنصرية ومقاومة التمييز العنصري وقضية العدل الاجتماعي وقضية الحرية والمسؤولية وقضية السلم القائم على العدل.

-          ما يتعلق بقضية الأسرة والزواج والعفة وموقع الأسرة والمجتمع "فالإيمان بأن الأسرة المتلاحمة شرط ضروري لبناء مجتمع سليم والإيمان بأن العفة الجنسية شرط ضروري لبناء أسرة متلاحمة نظيفة وكما أنها شرط لسلامة المجتمع"[6] وهذا الإيمان هو مشروع للنضال المشترك بين الأديان.

-          ما يتعلق  بالإنسان وأمه الأرض والمحيط الحيوي والبيئة.

-          ما يتعلق بأخلاق العمل وخاصة في المجالات الجديدة التي فتحتها ثورة التقنية.

-          قضايا الديمقراطية والاستبداد والتعددية وكل قضايا حقوق الإنسان.

"فانتهاك حقوق الإنسان واستبداد القوى الكبرى وغياب الديمقراطية والممارسات الاجتماعية كالانحلال الخلقي، وتفشي الشذوذ الجنسي ومحاولة تغيير المفاهيم الاجتماعية كمفهوم العائلة بما يفسح المجال لمزيد من الانحلال الخلقي"[7] وهيمنة الفلسفة المادية التي تريد تفكيك الإنسان وتجعله عنصرا كسائر عناصر الطبيعة وتستهدف فلسفته الحقيقية القائمة على التكريم والاستخلاف، هذه الممارسات تجسد تناقضات مع مبادئ وأسس الشرائع السماوية، فاتفاقهم على إدانتها واتخاذ خطوات اتجاه  معالجتها، يعتبر من أهم النقط العاجلة التي يجب أن تكون على جدول أعمال الحوار بين الأديان.

والإسلام "يحض على التعاون بدءا بتناول الأطعمة والأشربة بشكل يؤصل لبعد اجتماعي وأخلاقي "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" سورة المائدة الآية6، إلى المصاهرة وتبادل العلاقات بالرحم والقربى "والمحصنات من المومنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" إلى القتال المشترك في وجه المعتدين بحيث أمرنا أن ننصر المظلوم ولو كان كافرا ناهيك عن التعاون في تدبير الشأن العام والخاص والشأن المحلي والدولي سواء تعلق الأمر بالحفاظ على المجال البيئي والحيوي أم بالحفاظ على المجال الحضاري الإنساني"[8]

إن الحوار الديني عالم واسع ومتنوع الأهداف والمستويات والمبادرة إلى رفضه أو عدم الاستفادة منه والاهتمام به مع التقييم والنقد، تعتبر خطوة تنتقي وجها واحدا وتصدر حكما بناءا عليه بالسلب والإيجاب.

والتنوع الذي يتحدث عنه يتضمن الأطراف المتحاورة والمهتمة بالحوار من رجال دين وأكاديميين متخصصين في الأديان ومعاهد أو ناشطين في العمل الخيري أو مهتمين بتعظيم دور الأديان  في نواحي الحياة المختلفة أو خليط من هذا  وهؤلاء ليسوا كتلة واحدة ذات موقف واحد.

وأهداف الحوار تختلف فهناك حوارات تبحث عن تفاهم متبادل وتعارف أعمق وهناك حوارات تبحث عن موقف مشترك من قضية بعينها وهناك حوارات ذات أغراض سياسية.[9]

فمنطق التردد والتحفظات الكثيرة بشأن حوار الأديان والدخول في أنشطته ودوائره منطق خاطئ وإدراك غير سليم يتجاهل الآيات القرآنية والعقيدة الإسلامية التي توفر أساسا قويا للحوار في مختلف الموضوعات، وغفلة عن "عودة الدين في الوقت الحالي وتأثيره في حياة الشعوب ودوره في تشكيل العلاقات الدينية وأحيانا كثيرة في العلاقات السياسية  والاقتصادية والفكرية"[10] إضافة إلى الأسئلة المتناسلة عن المصير والأخلاق وعن الإنسان والمسؤولية والحرية وعن الغايات وهي في الحقيقة أسئلة دينية ، والأديان وفي مقدمتها الإسلام  هي المؤهلة للإجابة عن هاته الأسئلة الوجودية عبر التعاون والتحاور.

كما أن الحوار "يخفف من حدة الصراع الديني ويقلل من فرص اللجوء إلى الحرب لأسباب دينية ويدفع إلى مناخ من التسامح الديني وقبول الاختلاف في الاعتقاد وإشاعة السلام"[11] العادل، خلافا لبعض الأطراف الدولية والتي ينطلق جزء منها من أساس ديني لتكريس مزيد من الصراع خوفا من التقارب الذي يحصل في بعض المناسبات على أساس بعض القيم الحضارية.

 

 

1-الحوار في القرآن، حسين فضل الله –ص32

2-مقدمات في الحوار المسيحي الإسلامي –محمد السماك - ص77

3-مقدمات في الحوار الإسلامي المسيحي ،محمد السماك ص81

4-نفسه ص82

5-الحوار الإسلامي المسيحي – الفرص والتحديات ،يوسف الحسن ص60 دار الكتب الوطنية أبوظبي

6-الحوار الإسلامي المسيحي نحو مشروع للنضال المشترك، محمد شمس الدين ص21 مؤسسة شمس الدين للحوار ط1/2004

7-الأبعاد السياسية للحوار بين الأديان، سالم أبو رمان ص66 دار البيارق ط1/2002

8-مقال في تفعيل الاختلاف، المقرئ إدريسي، جريدة التجديد المغربية ع2176/2009

9-الأبعاد السياسية لحوار بين الأديان ،سالم أبو رمان ص61

10-الحوار بين الأديان أهدافه و شروطه والموقف الإسلامي منه محمد خليفة حسن ص11

11- نفسه ص

 

 



تاريخ النشر : 04-03-2010

6367 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com