آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

التدافع التعاوني ومنطق التعمير الحضاري(*)

عبد الصمد الازدهار



                                                                                  

  • مدخل عام:

إن واقع الرؤيتين الإسلامية والغربية لطبيعة العلائق بين الأنساق الحضارية المتمايزة، واستحضار مآسي الماضي وتراكماته العدوانية في الذاكرة الجمعية للإنسانية؛ يشكل عائقا حقيقيا أمام أي تقدم للدفع بالعلاقات بين الحضارات في أفق بناء حضارة عالمية تنعم وتتساكن في ظلها كل الأنماط على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وعقائدهم، الأمر الذي يقتضي العدول عن أي توجه عدواني يبغي المساس بالنوع الإنساني، والسعي نحو إيجاد قواسم مشتركة؛ إذ الاختلاف والتنوع إثراء وغنى للحضارات، فلا ينبغي أن يكون دافعا نحو الفرقة والشقاق بين الأمم والشعوب، وإنما ينبغي أن ينظر إليه باعتباره عاملا مهما من عوامل الدفع نحو مستويات أرقى من التعارف والتعاون والتآلف بين البشرية، ومن ثمة فمستقبل التدافع الحضاري بين الغرب والعالم الإسلامي، يجب أن يصبح إلى التفاعل والتعاون، لا إلى التصارع والتصادم أقرب. فما هي إذن حقيقة الخيار التدافعي المحكوم بالمنطق السنني؟ وما هي أهم غاياته ومقاصده التي تعود على الإنسانية بالنفع في المعاش والمعاد؟.

 

  • التدافع الحضاري؛ حقيقته وتصنيفاته الواقعية:

إن حقيقة التدافع في الرؤية الإسلامية، هي دفع الآخر وتحريكه من موقع العداوة والنزاع، إلى موقع التعاون والتفاعل مع مختلف الأنماط الحضارية والسعي للاستفادة منها، على اعتبار أن المحصلة الحضارية من كل هذه الحضارات، إنما هي إرث مشترك بين الإنسانية جميعا، والنهل والاغتراف منها أمر مطلوب وواجب، لأن أمر الإفادة والاستفادة من نتاج الحضارات الأخرى بغية التقدم والرقي، يجعل الإنسان يستفيد من كل المسخرات الكونية، والإبداعات البشرية في ظل هذه المسخرات. إلا أنه إذا كان هذا التدافع كسبيل وحيد ومنهج رشيد في التعامل مع الآخر المتغاير، فإنه بات من الأفيد لِإفهام الأنام، أن التدافع ينقسم باعتبار القصد والمآل إلى قسمين اثنين: تدافع تناحري، وتدافع تعاوني:

التدافع التناحري، أو "التصارعي": هو ذلكم التدافع الذي يبتغي تحقيق المنفعة والمصلحة الخاصة لطرف دون الطرف الآخر، من الأطراف المتدافعة، والحرص على نحر وصرع الآخر والقضاء عليه وإزالته من ساحة الصراع، حتى ينفرد وحيدا بالعرش الحضاري ويتربع به، فيصول ويجول بدون رقيب ولا حسيب.

أما التدافع التعاوني: فهو ذلكم التدافع الذي يروم دفع الآخر للعدول عن مواقفه المتعصبة والعدوانية عن الآخر المتمايز عنه، وإشراكه في تحقيق المصلحة والمنفعة العامة للنوع الإنساني على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، فيربح جميع الأطراف المتدافعة، ويساهم الجميع في صنع مستقبل الجميع؛ لأن الرابطة الإنسانية الوحيدة حقا- كما يقول المفكر الفرنسي روجيه غارودي- لجماعة إنسانية حقا، تتمثل في اشتراك هذه الجماعة في مشروع عام، وتعاونها على تحقيق هذا المشروع بوصفه مشروعا مشتركا للإنسانية كلها كوحدة كلية، وهكذا يساهم كل شعب من خلال ثقافته الأصلية في أنسنة الإنسان، ونموه وتقدمه الحقيقي في الإنسانية"[[1]].

إن التدافع التناحري، والصراع العنيف الذي يحدث بين الأفراد والأمم الجماعات، ما هو إلا تجلي ومظهر يعبر عن "أفكار وتصورات متضاربة ومتغايرة، غالبا ما تكون لها جذور وأصول في حضارات مختلفة البنيان، وأن علاج الأمر على هذا المستوى من شأنه أن يخدم السلم العالمي، والتعايش الدولي"[[2]]، إذ إنه في أيام المحن والشدائد، وتزايد التحديات أمام الاجتماع الإنساني، يصبح "التعاون"، قانون حياة الأفراد"[[3]]، ومن ثمة فإذا كانت شعوب العالم قد شئمت النزاعات العصبية والحروب الدموية، وباتت تسعى إلى السلام، فإنه لابد أن تتعاون مع بعضها من أجل هذا الهدف، فالسلام لا يمكن أن يتحقق، إلا إذا كانت هناك أشكال من التعاون بين الشعوب لبلوغ هذا الهدف الذي يؤمن به الجميع، وهذا ما عبر عنه محمود زقزوق بأن التعاون لا يتم إلا على أساس من التفاهم والتعارف، ورعاية كل طرف لحقوق ومصالح الطرف الآخر، فهناك صلات حضارية لا يمكن إنكارها بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وهناك نقاط للالتقاء بينهما أكثر من نقاط الاختلاف، الأمر الذي يدعو إلى بذل مزيد من الجهود لإزالة سوء الفهم والأحكام المسبقة على كلا الجانبين، وذلك لتمهيد الطريق للحوار والبناء والتعاون المثمر لما فيه مصلحة الطرفين، إسهاما في دعم أسس السلام في العالم"[[4]]. 

 

  • مقصدية التدافع التعاوني:

إن الاختلاف بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وعقائدهم، لا ينبغي أن يكون منطلقا أو مبررا للنزاع بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع دافعا إلى التعارف والتعاون والتآلف بين البشرية بغية تبادل المنافع والتعاون على تحصيل المعاش، والغريب أننا نجد بعض مواقف المفكرين العرب والمسلمين، تتجه وجهة سلبية عن واقع العلاقات بين الحضارات، فتزكي طرح الصدام والصراع -الذي يلوح به أعداء الإسلام- كما هو الحال بالنسبة لمنير شفيق إذ يقول بأنه "لكل من الحضارتين طريقا مختلفا وسياقا خاصا، فهما لا يلتقيان، إلا لتتبارزا وتتعارضا وتنفي إحداهما الأخرى"[[5]]، فهذا النمط الحتمي في الحكم، يقطع ويشوش على إمكانات التعاون والتعارف بين الحضارتين، ويسلك به مسلك البغي والدمار، وهو ما لم تعد البشرية اليوم في مقدورها أن تدفع ثمنه، نظرا لما تعاقب عندها من المآسي والأحزان الذي تَولَّد عن خيار العنف والنزاعات، فمن مصلحة كل الأطراف في العالم نبذ العنف في علاقاتها، والخروج من حالة الفوضى التي تعم عالم اليوم، إلى حالة الانتظام والاتزان، والعمل على حسن توظيف الرصيد الثقافي المشترك في وضع أسس قوية للتعاون بين دول العالم، وإقامة جسور الحوار المثمر بين الأطراف لفتح المجال، لبناء تحالف حضاري، الشيء الذي سيشكل أقوى العوامل التي تمهد السبل للوصول إلى "تحقيق المصالحة بين حضارات العالم، وتنقية الأجواء من التوترات والتشنجات والصراعات التي تفسد العلاقات بين الأطراف"[[6]].  

وإذا كانت التعددية هي منطلق التدافع الفكري والاجتماعي والحضاري، فإن من مقاصد هذا التدافع كما يقول عمارة هو "تحقيق الصلاح والإصلاح لما يحدث في الاجتماع الإنساني من فساد وإفساد"[[7]]، لذلك فإن التدافع المطلوب اليوم، هو ذلك التدافع ذي المقصد التعاوني الذي ينطلق من إشراك الجميع في تحمل مصير ومستقبل الإنسانية كافة، وينقل العلاقة بين الأطراف المتدافعة من "الجمود والسكون إلى الفعل الحضاري، لأن في السكون "مواتا"، وربما أفضى إلى "التبعية والتقليد"، اللذين ينتهيان إلى الواحدية والمركزية الحضارية"[[8]]، وينتهي بإصلاح المعمور من الفساد والإفساد المنتشر في الأرض والبحر والبر بما كسبت أيدي الناس،﴿ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين﴾(البقرة:249)، وحينئذ "تؤول الحضارات إلى الدمار، والمجتمعات إلى الانحلال والبوار"[[9]]، ومن ثمة فالنفير الحضاري بتعبير عبد المجيد عمر النجار، هو عنصر أساسي ومقوم من المقومات العاملة في نشوء الحضارات، فـ"الأمم لا تصنع الحضارة إلاّ بهبّة جماعية تحشد فيها قوى الفرد في نطاقه الداخلي، ثم تحشد قوى الأفراد حشدا جماعيا لتحقيق هدف معين تحمله الفكرة التي تحدّد غاية الحياة"[[10]وإنَّ أي تخلف لهذا النفير، من شأنه أن يفضي إلى عطالة وتوقف في الحركة الحضارية. ومن هنا كان العمل الحضاري سواء كان إبداعيا أو استئنافيا، "عمل أمم وليس عمل أفراد، فإنجاز التحضر لا يتأتّى إلا بانخراط جماعي لأفراد أمة ما، في عمل مُوحد يقوم به الأفراد في نطاق الهيئة الاجتماعية للأمة، فيكون الفاعل الحقيقي هو الهيئة الاجتماعية وليس الأفراد باعتبارهم أفرادا"[[11]].

لذلك ففلسفة التدافع هاته، ليست مجرد فكر إسلامي، حتى تكون من مناطق "الاجتهادات والمتغيرات"، كما يقول عمارة، وإنما هي دين ثابت، ومنهاج بلوره الوحي في القرآن، باعتباره سنة من سنن الاجتماع الإنساني، حاكمة للعلاقات بين الأفكار والشرائع والملل والأقوام والحضارات"[[12]]، فالصراع السلمي التوافقي هو صراع "تدافعي حضاري بَنَّاء، يحقق الإصلاح، ويدفع إلى الارتقاء والتقدم (...) وتجد الشعوب في هذا التدافع الحضاري إشباعا أفضل لحاجاتها وارتقاء لمعاشها، واستعادة لتوازناتها، وعافيتها الحضارية، وتستجيب بواسطته لأساليب ومناهج أفضل نوعا وأكثر فاعلية في حياتها من هذا الوجود"[[13]]، لأن غاية حياة الإنسان في نطاق عقيدة الخلافة أن يقوم بحركة تعميرٍ في الأرض وفق أوامر الله تعالى ونواهيه، وهي مهمة لا يمكن أن تنهض بها إلا جماعة الإنسان، ومهما يكن من ترقي الإنسان الفرد في ذاته، فإنه لا يقدر في حال التفرد أن ينجز تلك المهمة، فيكون الاجتماع ضرورة حتمية لتحقيق الخلافة"[[14]]، فالحضارات تتعاون بحسب ما تقدمه للإنسان من الأمان والاطمئنان والكفاية والتفاهم والتعاون"[[15]]، وهذا ما عبر عنه العلامة ابن خلدون في مقدمته: بـ"أن اختلاف الأجيال في أحوالهم، إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش، فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله"[[16]]، فما من حضارة إلا وهي محصلة تفاعل مجموعة من الحضارات، وتلاقح فيما بينها، وترابط بين حلقاتها وتكامل بين عناصرها، فلم يعرف العالم في أي عصر من العصور، حضارة قائمة الذات لم تمتزج بحضارات أخرى ولا عرف ثقافة خالصة، لم تجري في شرايينها دماء ثقافات قديمة أو معاصرة لها"[[17]] ومن ثمة فـ"صناعة التاريخ فعل مشترك أسهم فيه كل من له عين ترى، وأذن تسمع، وعقل يعي، وقلب يخفق"[[18]].

ومن هذا المنطلق الحضاري فإن تاريخ الحضارة الإسلامية هو تاريخ تدافع إيجابي مع باقي الحضارات، وقد استطاعت في معظم الأحيان، أن تنوع في أنماط الاستجابة بأكبر قدر من التكيف والمرونة، وتحتوي العناصر الايجابية لدى الغير، بعد هضمها وتمثلها، وتحويلها إلى مادة بنائية في صيرورة الحضارة الإسلامية تعين على النمو والغنى والامتداد"[[19]] ، لذلك فالمشروع الحضاري الإسلامي، أو "الجواب الإسلامي" بتعبير طه عبد الرحمن، لا يُقِّر إلا بالتعاون على المعروف طلبا لتحصيل مصالح يُزدَوج فيها الاعتبار المادي بالاعتبار المعنوي مع إمكان تمحّص الاعتبار المعنوي فيها"[[20]]، ولذلك فثمة ضرورة للعمل التعاوني بين كل الأنساق الحضارية، ودفعها نحو الانخراط الفعلي والجاد في المساهمة في تحقيق التعمير الحضاري، وذلك بعد الاستفادة قدر الطاقة من جوانب العقلية العلمية والقوة المادية في الحضارة الغربية، حتى تستعيد الحضارة الإسلامية توازنها وفاعليتها، وهذا يتطلب منها إدارة الحوار البناء بينها وبين الغرب لكسبه من الداخل، بتقديم المفاهيم والمناهج الحضارية التوحيدية الروحية القيمية التي تنفع الغرب، وتُعينه على تحقيق توازنه الإنساني الاجتماعي الحضاري، الذي يكاد يفقده صحته الاجتماعية الروحية الإنسانية"[[21]]، لأن القوة المادية التي يملكها العقل الغربي في حاجة إلى القوة التوحيدية الروحية التي تُمثلها الرؤية الإسلامية الكونية، وعلى هذا الأساس يجب النظر إيجابيا إلى مستقبل هذا التدافع الحضاري، بين الغرب والعالم الإسلامي، حين يصبح إلى التناغم، لا إلى التنافر أقرب. لأن التفاعل الايجابي للحضارات والأمم - بما هو مبدأ قرآني يستند إلى منطق التدافع الحضاري- يروم تحقيق مستويات عليا من الرقي والأداء الحضاري، وينشد الخير والحق والعدل والتسامح للإنسانية قاطبة ولا يسعى في الأرض فسادا، فهو "عملية تدافع لا تنازع، وتحاور لا تناحر، والتفاعل حياة والصراع فناء"[[22]].

لذلك فالهدف ينبغي أن يكون واضحا وجليا عند أبناء الإسلام، في تحقيق الخلافة، إذ الإصلاح والإعمار المنوطين بالاستخلاف مسائل تتداخل فيها كل الفاعليات الحضارية، مادية وأخلاقية وروحية..، وإن أي ضرر أو فساد يلحق بأحدها ينعكس بشكل أو بآخر على الجوانب الأخرى، لذلك "يطلب من الجماعة المؤمنة أن تتحرك لوقفه بأسرع ما تستطيع وبأقصى ما تطيق، لئلا يتحول الفساد إلى فتنة عمياء، لا ترحم أحدا ولا تبقي"[[23]]، فهدفنا ينبغي أن يظل دائما متمثلا في حماية الحضارات والحفاظ عليها، وليس الهجوم عليها وتدميرها، فالحضارات تشكل التقدم المادي والروحي للإنسانية كما يقول ألبرت شفيتسر[Albert Chafitsar]، إنها حصيلة تجارب البشرية في سعيها نحو التقدم والرقي والسلام على مدى التاريخ، إنها تعني التسامح وقبول الآخر، والانفتاح على كل الحضارات والثقافات والأديان، ومن أجل ذلك، فإنها تمثل حصون الإنسانية ضد النزاعات العبثية المدمرة، ولكنها ليست بالقطع سببا لها، لأن هدف الحضارات الحقيقي هو بناء نظام يضمن للإنسانية العدل والأمن والاستقرار"[[24]]، ومن ثمة فالتعاون والتعايش بين المتغايرين من الحضارات هي وسيلة للجنس البشري لتحقيق الأمن والسلام اللذين يحققان العمران، وليس التصارع والتقاتل، ومن ثمة لا ينبغي النظر إلى الآخر على أنه عدو ينبغي قهره، ولكن على أنه إنسان مكرم ينبغي التعامل معه بصورة تحقق حريته وكرامته"[[25]]، وهذا المبدأ ينبغي أن تتحلى به الجماعة المسلمة في مهمتها الإستخلافية قبل غيرها، لأن مهمة الاستخلاف والشهادة على الناس، كما يقول الدكتور طه جابر العلواني، "لا تسمحان لنا بالتحيز ضد أحد من خلق الله أو طلب العلو في الأرض، ولا في إطار تكريس الصراعات الحضارية بين البشر لنسود عليهم، فعالميتنا الإسلامية وخروج أمتنا من قبل بالرسالة الخاتمة إلى الناس كافة، واستيعابنا للحضارات والثقافات والأعراق(...)، وإلغاؤنا بتوجيه من رسول الله لثنائيات الحضارات المتصارعة، والتزامنا بعقيدة التوحيد والتعارف بين الناس، يوجب علينا الدخول في السلم كافة؛ فكل هذا لا يسمح لنا بأن ننغمس في تعصب أو تحيز ضد الآخرين أو استعلاء عليهم، بل إننا نَعذُر الغير في تحيزه ضدنا، فللغير من موروثه التاريخي ونسقه الحضاري ولاهوته الديني، ما قد يدفعه لذلك، أما نحن فما كنا متحيزين من قبل وما ينبغي لنا أن نكون متحيزين أو طالبي استعلاء، فنحن شهداء على الناس، ينبغي أن يكون شهودنا وحضورنا بينهم قائما على منطلق الانتماء إلى البشرية كلها، وسلوك سبيل الرأفة بها والرحمة بأبنائها"[[26]]، وينبغي أن يكون جوهر ومضمون هذا الفعل الإستخلافي "هو بناء الثقافة والحضارة والسمو بها، وإعمار الأرض خيرا وصلاحا، وتحقيق السلام والأمن على الحياة، والممتلكات وتنظيم البشرية في مجتمعات منظمة قادرة على إنتاج حاجات الإنسان، وتوفير الطعام، وعلى معالجته وتخزينه وتوزيعه على الجميع بشكل كافٍ كماً ونوعاً"[[27]]، فحينئذ تكون الجماعة المؤمنة قد أسهمت وأبلت البلاء الحسن في تعمير الأرض، ونفع أهلها بما تملك من مقومات الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة، والبشر على هذا المستوى "مسؤوليته في هذه الحياة، هي سعي بالخير والحق والإعمار وفق السنن والأسباب التي سخرها الله للإنسان"[[28]].

 

·         خاتمة:

هكذا وبناءً على المنطق التعاوني الذي توجبه الضرورة السننية في التعامل مع بني البشر على أساس التعارف لتحقيق التعاون، لقوله تعالى: ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾ (الحجرات:13)، ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ (المائدة: 3)، فإن الحاجة ماسة لانخراط الجميع من مختلف الأنساق الحضارية في تأمين مصائرها وتحقيق سعادتها في اجتماعها، وسلك مسالك التفاعل فيما بينها، وتعمير الأرض بالخير والصلاح حتى يعم الجميع، وهو ما يحتم على العقلاء من أبناء هذه الأنساق العقدية والاجتماعية، أن يدركوا أن بالحوار والتعاون والتفاعل والتوافق بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وسواهما من الحضارات وتبادل المصالح والخبرات بينهم؛ ينطلق الجميع نحو ترقية حياتهم الإنسانية وتوازنها والتعايش السلمي بين شعوبهم وحضارتهم، فهذا هو السبيل المطلوب اليوم بين هذه الحضارات المعاصرة، لتحقيق العيش الكريم والتساكن في ود وسلام واطمئنان.



(*) – نشر هذا المقال بمجلة "العمران الكندية" عدد يونيو 2010م..

(**) - باحث في الفكر الإسلامي، جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال – المغرب.

[1] - روجيه جارودي، "كيف نصنع المستقبل"، ترجمة: د.منى طلبة، د.أنور مغيث، دار الشروق-القاهرة/مصر، الطبعة الثالثة-1423هـ /2002م، ص 182. 

[2] - عبد الكبير المدغري العلوي، "الحوار بين الحضارات"، درس ألقاه بحضرة أمير المومنين الحسن الثاني، 5 رمضان 1412هـ/10 مارس 1992م، الرباط، صص 16-17، بتصرف.

[3] - علي حسين الجابري، "العرب بين منطق الحوار والصراع"، تصدير: د.عبد الأمير الأعسم، دار الشؤون الثقافية العامة-بغداد، طبعة-1996م، ص 68.

[4]- انظر تقديم: محمود زقزوق حمدي، "أبحاث ووقائع المؤتمر العام التاسع للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حول: الإسلام والغرب- الماضي، الحاضر، المستقبل المنعقد بالقاهرة، 11 ربيع الأول 1418هـ/16 يوليوز 1997م، ص 3.

[5]- منير شفيق، "الإسلام في معركة الحضارة"، دار البراق للنشر والتوزيع-تونس، ودار الناشر للطباعة والنشر-بيروت/لبنان، الطبعة الأولى -1411 هـ /1991م، ص 73.

[6]- عبد العزيز بن عثمان التويجري، "الرصيد الثقافي المشترك وتحالف الحضارات"، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة- إيسيسكو، 1427هـ/2006م، ص 8.

[7] - محمد عمارة، "النموذج الثقافي"، سلسلة في التنوير الإسلامي- العدد(15)، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى –مارس 1998، ص 25-26، بتصرف

[8] - محمد عمارة ، "في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام"، المرجع السابق، ص 71، وانظر مؤلفه:  "الحضارات العالمية تدافع، أم صراع"، المرجع السابق، ص18.

[9] - محمد هيشور، "سنن  القرآن في قيام الحضارات وسقوطها"، إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية-30- القاهرة، الطبعة الأولى-1417هـ/1996م، ص 37.

[10] - عبد المجيد عمر النجار، "عوامل الشهود الحضاري"، سلسلة الشهود الحضاري للأمة الإسلامية(2)، دار الغرب الإسلامي، بيروت/ لبنان، الطبعة الثانية- 1427هـ/2006م، ص 191.

[11] - عبد المجيد عمر النجار، "عوامل الشهود الحضاري"، المرجع السابق، ص 189.

[12]- محمد عمارة  "في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام "، مكتبة الشروق الدولية- القاهرة، الطبعة الثانية- 1427هـ/2007م، ص 71. وانظر مؤلفه "الحضارات العالمية تدافع،أم صراع"، سلسلة في التنوير الإسلامي[24]، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى-دجنبر 1998، ص19.

[13]- عبد الحميد أبو سليمان، "العنف وإدارة الصراع السياسي بين المبدأ والخيار- رؤية إسلامية"، تقديم: سعد الدين العثماني، سلسلة الحوار-53، منشورات الفرقان، الطبعة الأولى- يوليوز2002، ص 63

[14]- عبد المجيد عمر النجار "فقه التحضر الإسلامي"، سلسلة الشهود الحضاري للأمة الإسلامية(1)، دار الغرب الإسلامي، بيروت/ لبنان، الطبعة الثانية - 1427هـ/2006م، ص52، و58، بتصرف يسير.

[15]- حسين مؤنس، "الحضارة- دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها"، تصدير: أحمد مشاري العدواني، سلسلة عالم المعرفة-الكويت، العدد 237، جمادى الأولى-1419هـ/شتنبر1998م، ص 58.

[16]- عبد الرحمن ابن خلدون، "مقدمة ابن خلدون"، دار الجيل- بيروت/لبنان، [د.ت]، ص 125.

[17]- عبد العزيز بن عثمان التويجري، "الرصيد الثقافي المشترك وتحالف الحضارات"، المرجع السابق، ص 9.

[18]- علي حسين الجابري، "العرب بين منطقي الحوار والصراع"، المرجع السابق، ص 74.

[19]- عماد الدين خليل، "مؤشرات حول الحضارة"،  دار الصحوة للنشر والتوزيع، [د.ت].ص 63، بتصرف.  

[20]- طه عبد الرحمن، "الحق في الاختلاف الفكري "، المركز الثقافي العربي-البيضاء/المغرب، الطبعة الأولى-2005م ، ص173.

[21]- عبد الحميد أبو سليمان، "العنف وإدارة الصراع السياسي بين المبدأ والخيار- رؤية إسلامية"، المرجع السابق، ص 68 بتصرف.

[22]- عبد العزيز بن عثمان  التويجري، "الحوار والتفاعل الحضاري من منظور إسلامي"، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-الايسيسكو، مطبعة ديديكو- سلا/المغرب، 1417هـ/1997م، ص 26 بتصرف.

[23]- عماد الدين خليل، "التفسير الإسلامي للتاريخ"، دار العلم للملايين-بيروت/ لبنان، طبعة نونبر1983م، ص196 وما بعدها، وانظر مؤلفه: "حول تشكيل العقل المسلم"، تصدير: طه جابر العلواني، تقديم: عمر عبيد حسنة، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الخامسة-1415هـ/1995م، ص 140.

[24]- نقلا عن محمود زقزوق، "الإسلام وقضايا الحوار"، ترجمة: د.مصطفى ماهر، مكتبة الشروق الدولية- القاهرة، الطبعة الأولى-1425هـ/2004م، ص 61.

[25]- طه جابر العلواني، "الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي المعاصر"، تقديم: عبد الجبار الرفاعي، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، دار الهادي-بيروت/لبنان، الطبعة الأولى-1424هـ/2003م، ص 137.

[26]- طه جابر العلواني، "الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي المعاصر "، المرجع السابق، ص 78.

6445 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com