يسرني أن أشارك في ندوتكم* المجيدة، عن المنهجية في العلوم الإسلامية، في محور المنهجية في علوم القرآن، بموضوع "الإضافة النوعية القرآنية، بين التوراة والحديث، من خلال قصة إبراهيم الخليل"؛ وقد انصب تركيزي على بيان الإضافة النوعية القرآنية على ما ورد في كتب أهل الكتاب وخصوصا في التوراة الحاخمية، واخترت قصة محددة هي قصة إبراهيم، وقسمتها إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل هجرته عليه السلام، ومرحلة ما بعدها، تناولت في المرحلة الأولى موضوع البعث وموضوع التوحيد، وبيّنت كيف أصبح هذان الموضوعان خافتين في أسفار العهد القديم عموما، وفي قصة إبراهيم خصوصا، حتى غاب الحديث عن المرحلة الأولى من حياة إبراهيم بكاملها، مع ما كانت تزخر به من بيان للموضوعين، كما نجده في الأسفار غير القانونية؛ بينما اكتفى السفر القانوني بالحديث عن المرحلة الثانية من حياة إبراهيم فقط. وتناولت في المرحلة الثانية موضوع بيت الله الحرام ومناسك الحج التي جعلها الله على الناس فريضة دهرية لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه؛ وأتيت بعد المقارنة بين التوراة والقرآن في هذه القضايا الأربع في المرحلتين إلى الحديث النبوي، واخترت قصة إبراهيم من خلال صحيح البخاري، وقارنت بين ما جاء في أحاديث البخاري من جهة ونتيجة المقارنة بين القرآن والتوراة من جهة ثانية، واعتمدت في المقارنة إحصاء عدد المفردات في كل من التوراة والقرآن والحديث، حتى أتمكن من تقديم نسب تقريبية دالة لنتائجها، وإليكم تصميم المداخلة:
قصة إبراهيم بين التوراة والقرآن
المرحلة الأولى من حياة إبراهيم:
1- إبراهيم وعهد القطع: نموذج أول.
2- إبراهيم والتوحيد: نموذج ثان.
3- مع الحديث النبوي في صحيح البخاري:
المرحلة الثانية من حياة إبراهيم:
1- بيت الله الحرام وألاعيب الترجمة.
2- بيت الله الحرام في سفر التكوين.
3- مع القرآن الكريم:
4- مع الحديث النبوي في صحيح البخاري:
بين التوراة والقرآن: قصة النبي إبراهيم:
يزيد عدد كلمات النص الإبراهيمي في القرآن على 4200 كلمة تتعلق بما قبل خروج إبراهيم عليه السلام من أرضه إلى الأرض المباركة للعالمين. وما يزيد على 6400 كلمة تتعلق بالملة التي وضع أسسها؛ وهو ما يجعل عدد الكلمات المتعلقة بقصة إبراهيم تفوق 10600 كلمة تتوزع على مرحلتين مرحلة ما قبل الهجرة بنسبة 40 % جاهد فيها إبراهيم أباه وقومه وملكه ونفسه لمعرفة الله والدين الحق إلى أن توجت هذه المرحلة بإلقائه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ونجاه ولوطا إلى الارض التي بارك فيها للعالمين، وأما المرحلة الثانية التي تمثل نسبة 60 % فهي تتعلق بتأسيس ووضع أول بيت للعالمين، ليقيم الناس الصلاة ويأخذوا عن إبراهيم وذريته مناسكهم ويخلصوا العبادة له ولا يشركوا به شيئا؛ كما تضمن الحديث القرآني عن هذه المرحلة مراجعة نقدية لما عند أهل الكتاب فيما يخص إبراهيم الخليل وذريته وملته وأولى الناس به وغيرها.
وأما النص التوراتي القانوني والذي تحدث بشكل مستفيض عن إبراهيم وذريته في سفر التكوين خصوصا وذكّر بلمحات من قصته في أسفار أخرى؛ فيحتوي على ما يزيد على 11600 كلمة تتعلق بهذه القصة؛ أغلبها وردت بعد هجرته من أرض أبيه وعشيرته، أي ما يزيد على 98 %؛ بينما ورد الحديث عن المرحلة الأولى قبل الهجرة، في أسفار أخرى شفوية أو غير قانونية عند أهل الكتاب، ومن ذلك رؤيا أبراهيم، وكتاب الخمسينيات والآثار التوراتية، كما تحدثت الهاكاداة والتلمود على هذه المرحلة بتفصيل كثير، يتوافق كثيرا مع ما جاء في القرآن الكريم.
المرحلة الأولى من حياة إبراهيم:
وحتى لا تأخذنا التفاصيل فتخرج بنا عن بيان الإضافة النوعية القرآنية في هذا الموضوع، فإننا نسجل على النص التوراتي القانوني أولا تغييب الأساس العقائدي والديني والإنساني في القصة؛ حيث تبدأ قصة إبراهيم في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين بالحديث عن خروج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه، دون أن تذكر لنا الأسباب الداعية له إلى هذا الخروج؛ بل إن الهجرة المذكورة –تبعا للنص القانوني- كانت قبل الأمر بها من الله، وكان الخارج هو أبو إبراهيم نفسه بابنه إبراهيم وزوجته وابن أخيه لوط: "
(31) وَاخَذَ تَارَحُ ابْرَامَ ابْنَهُ وَلُوطا بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَاةَ ابْرَامَ ابْنِهِ فَخَرَجُوا مَعا مِنْ اورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا الَى ارْضِ كَنْعَانَ. فَاتُوا الَى حَارَانَ وَاقَامُوا هُنَاكَ.
(32) وَكَانَتْ ايَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ."[1]
لكن هذا الخروج المشار إليه في الإصحاح الحادي عشر لما كان قبل الوحي الإلهي لإبراهيم في الإصحاح الثاني عشر، أفرغه من بعده القدسي، وجعله عملا تلقائيا يقوم به الأب تارح المفترض الابتعاد عنه وترك بيته:
" (12:1) وَقَالَ الرَّبُّ لابْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ ارْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ ابِيكَ الَى الارْضِ الَّتِي ارِيكَ. (2) فَاجْعَلَكَ امَّةً عَظِيمَةً وَابَارِكَكَ وَاعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. (3) وَابَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاعِنَكَ الْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ»."[2]
ولعل غاية هذا التنفيذ القبلي للأمر الإلهي هي محاولة كتمان حقيقة الأب والعشيرة التي كانت كافرة ومشركة، ولذلك لم يتحدث سفر التكوين عن هذا الأمر إلا عرضا، بينما سجلته أسفار كتابية عديدة حُكم عليها بكونها منحولة أو أبوكريفا؛ ولا زالت آثارها باقية في ثرات كتابي كثير، نجده في التلمود والهاكاداه والمدراش والقبالاه، ولم تخل منه النصوص القانونية نفسها؛ حيث نجد في سفر يشوع : ". (2) وَقَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ النَّهْرِ مُنْذُ الدَّهْرِ. تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نَاحُورَ, وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. (3) فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ النَّهْرِ وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ, وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَقَ. "[3]ونجد في نفس الإصحاح من سفر يشوع قوله: "14 فَالآنَ اخْشُوا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ, وَانْزِعُوا الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عَبْرِ النَّهْرِ وَفِي مِصْرَ, وَاعْبُدُوا الرَّبَّ. (15) وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ, فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ: إِنْ كَانَ الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ, وَإِنْ كَانَ آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ»."[4] وإن المتأمل في هذين النصين يتأكد له أن خروج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه لم يكن خروجا تلقائيا، وإنما كان هجرة لما عبده أبوه وقومه من آلهة أخرى، وإنجاء لإبراهيم من بطش المشركين من قومه إلى أرض جديدة سيكون فيها إبراهيم مصدرا للبركة العالمية؛ حيث تتبارك فيه جميع قبائل الأرض.
وخلاصة القول أن جزءا أساسيا من قصة إبراهيم قد تم التغاضي عنه وإخفاءه لصالح آباء إبراهيم في عبر النهر، لكن هذا الإخفاء فضحته نصوص قانونية أخرى بينت أن آباء إبراهيم وقومه كانوا مشركين وعبدوا آلهة أخرى؛ وفضحته نصوص شفوية وأخرى في التلمود والهكاداه والمدراش والقبالاه ذكرت كثيرا من تفاصيل هذه المرحلة من حياة إبراهيم الخليل؛ وخلاصتها أن أبا إبراهيم وقومه كانوا مشركين، وكان أبوه يصنع الأصنام ويبيعها، وكان إبراهيم يناقش أباه وقومه في نفعها والجدوى منها، وأنها من صناعة أيدي الناس فعليهم ألا يعبدوها لأنها باطلة والعابدون لها حمقى؛ وطرأت له في هذا الشأن مجادلات كثيرة مع أبيه وقومه وملكه، بين لهم إبراهيم من خلالها أن ما يفعلونه ضلال، وأن عليهم أن يعبدوا الله الذي خلق كل شيء وحمّر الشمس، وجعل القمر والنجوم وأعطى الإنسان حياته وإذا مرض شفاه وإذا احتاج أعطاه وهو على كل شيء قدير.
ولم ترُق لأبي إبراهيم وقومه دعوته، فقرروا بعد أن قام هو بكسر أصنامهم أن يلقوه في النار، فأنجاه الله منها هو ولوط إلى الأرض المباركة للعالمين.
أربعون في المائة من حديث القرآن الكريم عن إبراهيم، كان حديثا عن هذه المرحلة من تجربته، وهو يسعى إلى المعرفة والعلم والرشد؛ ورغم أن المرحلة ذاتها كانت شبه مغيبة عن النص التوراتي الرسمي؛ إلى أن عملية المراجعة النقدية التي وجهنا لها القرآن الكريم، والتي جعلها من أعظم مهام رسوله صلى الله عليه وسلم، عندما قال عنه: "قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"؛ أمكنها أن تساعدنا كثيرا على اكتشاف النصوص المخفية في ثنايا الأسفار القانونية الرسمية؛ وهو ما سنحاول الإطلاع عليه في المبحث الأول من هذه الدراسة؛ والذي سنعالجه من خلال مثالين:
يتعلق الأول بموضوع البعث وإحياء الموتى ونتناوله من خلال قصة إبراهيم والذبائح.
ويتعلق الثاني بموضوع التوحيد والشرك ونتناوله من خلال قصة إبراهيم مع أبيه وقومه في هدم مذبح البعل وبناء بيت الله.
1- قصة إبراهيم وعهد القطع:
1- سنأخذ السفر الأول من أسفار العهد القديم، وهو سفر التكوين، ونختار منه الإصحاح الخامس عشر، الذي يتحدث عن ما يطلق عليه "عهد القطع" "the covenant of pieces"، حيث سيقطع الله مع إبراهيم عهدا بوراثة الأمم الذين كان يقيم بينهم، له ولنسله من بعده؛ وخلاصة القصة أن إبراهيم عندما صار إليه كلام الرب في الرؤيا، سأل ربه أن يعطيه نسلا ليرث ممتلكاته إذ لم يكن له وارث، فاستجاب الله له، ووعده بنسل كثير، فآمن إبراهيم فحسبه له برا[5]؛ فسأل إبراهيم ربه عن العلامة التي بها يعلم أنه سيرث هذه الأرض، فأمره الله بأن يأخذ مجموعة من الذبائح من البهائم والطير، فشطر البهائم إلى شطرين قابل شطور بعضها ببعض، وترك الطيور كاملة، فكانت الجوارح تأتي لتأكل منها وكان إبراهيم يزجرها[6]، ووقع على إبراهيم سبات وحلت عليه رعبة مظلمة، فأخبره الله في سباته عن مصير ذريته من بعده وكيف أنهم يستعبدون أربعة قرون في أرض مصر، وأنهم يرجعون بعد ذلك إلى المكان عينه الذي وعدوا به[7]، وعندما يستيقظ إبراهيم من سباته، يرى تنور دخان ومصباح نار يجوز بين قطع الذبائح، وهنالك يقطع الله معه ميثاقا بأن يعطيه كل تلك الأرض من مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميع أراضي شعوب المنطقة[8].
إن الهم الأكبر لهذا النص، مثلما هو لنصوص أخرى كثيرة، هو العودة إلى الأرض التي وُعد بها إبراهيم وانتزاعها من أصحابها، وإسكان بني إسرائيل فيها إتماما للنبوءات والوعود والعهود والعلامات؛ والواقع أن تلك الوعود لم تكن صحيحة ولا كانت من الله، ولم ينفذ منها شيء لا في زمن إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب ولا الأسباط ولا موسى ولا يشوع ولا عيسى ولا غيرهم من الأنبياء، ولذلك تطرأ على هذه النصوص في كل مرة إضافات واستدراكات وتعديلات وتفسيرات تجعلها أكثر مواءمة مع الواقع المخالف لها. والواضح أن هذا النص كما هي النصوص الأخرى، لا تتحدث عن قيمة إنسانية أو خلقية ولا عن مسألة دينية ترتبط بالعمل والجزاء واليوم الآخر والحساب، وإنما تتمركز حول مشكلة تاريخية قومية تخص بني إسرائيل، وتناقض مقترحاتُ حلها كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية التي جاءت بها الكتب.
ولنأخذ قراءة أخرى لنفس النص في زمن آخر، كان تأثير أمنية العودة وانتزاع الأرض من أصحابها ضعيفا، وكان تسلط الإمبراطوريات قويا، كما أن إنكار البعث واليوم الآخر لم يكن طاغيا مثلما هو الشأن عند الكهنوت الحاخامي والصدوقي الذي ينتمي إليه النص السابق.
والقصة مأخوذة من التوراة الشفوية، أو ما يطلق عليه "الهجادة"، وهو كما يضم نصوصا أساسية مدونة في التوراة القانونية، يضم نصوصا أخرى غير قانونية أو خفية يفسر بها الحاخامات الكتاب المقدس.
تحت نفس العنوان (عهد القطع)، الذي أُعطي للإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين، نجد النص الذي بين أيدينا، يتحدث على نفس الموضوع، بروح أكثر ارتباطا بالدين والقيم والأخلاق والآخرة، حيث يبدأ النص بالحديث عن ظهور الله لإبراهيم من أجل تهدئة ضميره بعد الحرب التي خاضها، وخصوصا وقد أزهقت فيها دماء الأبرياء مما سبب لإبراهيم كثيرا من عذاب الروح، وبشره ربه أنه سيكون في ذريته في المستقبل رجال أتقياء يكونون درعا لأجيالهم، مثلما هو إبراهيم الآن[9]. وزيادة في التفضيل فقد سمح له الله أن يسأل ما يريد، فقال إبراهيم: إن كانت ذريتي ستثير غضبك في المستقبل، فمن الأفضل أن أبقى عقيما، وسيكون من دواعي سروري أن يكون لوط وارثي، إضافة إلى أني قرأت في النجوم إني لن ألد أولادا[10]. فأصعده الله إلى قبة السماء وقال له : أنت نبي ولست منجما، ولم يسأل إبراهيم ربه عن أي آية ليعلم أنه سينعم بذرية، واكتفى بأن آمن بما قال الله له، فحسبه له برا، وجزاه عليه بأن أعطاه نصيبا في هذا العالم ونصيبا في العالم الآخر على إيمانه القوي بالله[11]. ورغم هذا الإيمان فإن إبراهيم كان يريد أن يعرف ما الذي تحتاجه ذريته للحفاظ على نفسها، فأمره بالتضحية بمجموعة من البهائم والطير، ليعرف مختلف القرابين التي ينبغي تقديمها في المعبد للتكفير عن الخطايا والحصول على مزيد من العناية، فسأله عما يعملون بعد تدمير المعبد، فقال له: "يحافظون على قراءة أمر القرابين فتحسب لهم كأنهم قدموها، وأغفر لهم جميع خطاياهم، ثم ربط له بين الذبائح والسلطات القائمة، بابل والإغريق والفرس والإسماعيليين، وإسرائيل هي الحمامة البريئة[12]. فأخذ إبراهيم الحيوانات وشقها من الوسط، ولم يشق الطيور، ووضع شطور القطع مقابل بعضها البعض، فعادت الحيوانات إلى الحياة وحلقت الطيور في السماء[13]. وبينما إبراهيم يعد الذبائح وقع عليه سبات عميق، ورأى دخان نار جهنم التي أعدت للآثمين، ورأى مشعل نار وحي سيناء، ورأى القرابين تحمل من طرف بني إسرائيل، وحل عليه رعب مع ظلمة شديدة، إنها سيطرة الممالك الأربع، وقال له الله بأن لليهود خياران فإما أن يلتزموا بدراسة التوراة وخدمة المعبد، وإما ينالون نار جهنم أو تسلط الغرباء. وإذا اختاروا الخيار الأول فلن يصل إليهم شيء، وإن اختاروا الخيار الثاني فعليهم أن يختاروا بين عذاب جهنم عند الله أو تسلط الغرباء في الدنيا، فاختار إبراهيم تسلط الغرباء في الدنيا[14]. عندها أعلمه الله بالاستعباد الذي سيكون لبني إسرائيل في مصر أربعمائة سنة، وأعلمه بتسلط الممالك الأربع، وأن الله بعد ذلك سيعاقب هذه الممالك ويدمرها[15].
هذه قراءة أخرى لنفس النص، تحمل أبعادا دينية مهمة، وتعيد للنص الأول كثيرا من معانيه التي فقدها بسبب الروح العنصرية البغيضة؛ فإبراهيم ليس طالب دنيا، ولا همه الدنيا دون الآخرة، ولا رغبته في الاستيلاء على أراضي الناس وطردهم منها وإسكان ذريته مكانهم، وفي هذا النص نجد حديثا مهما عن الدين والآخرة، فإبراهيم نبي وليس منجما، وهو يرجو أن ينال نصيبا في الدنيا ونصيبا في الآخرة، وذريته التي ستسخط الله أو تغضبه لا حاجة له بها، وهمه كيف تحفظ ذريته نفسها في مستقبل أيامها في الدنيا والآخرة، وكيف تعتني بنفسها وتنجو من تسلط الغرباء ومن عذاب جهنم الذي خصص للآثمين؛ وأما الذبائح التي قدمها إبراهيم، ففي القراءة الأولى فهي آية على استيلاء بني إسرائيل على أراضي الشعوب التي يعيشون بينها، والمعجزة فيها أن عمودا من الدخان والنار مر بين القطع؛ وفي القراءة الثانية فهي آية على كيفية حفظ بني إسرائيل لنفسها من الانحراف عن دراسة التوراة وخدمة المعبد، والنجاة من تسلط الغرباء ونار جهنم، وفي هذه القراءة تعاد للحيوانات المقطعة الحياة وتحلق الطيور في السماء فتدل على ما ينبغي أن تدل عليه؛ وإن مزيدا من المدارسة المتدبرة بين القراءتين لتكشف لنا عن جوانب كثيرة جدا في موضوع اليوم الآخر عند اليهود .
وأنتقل إلى قراءة ثالثة لنفس القصة، هذه المرة من القرآن الكريم، حيث يتلوها علينا تلاوة جديدة، تحاول أن تُجرّد القصة من الملابسات التاريخية التي لحقت بها سواء في القراءة الأولى أو القراءة الثانية أو غيرها من القراءات. وتقدّم لنا من خلالها اقتراحا مهما يحتاج منا لشيء من التدبر والمدارسة.
نعم لقد كان هناك حوار بين الله وربه، ولكن ليس في شأن النسل ولا الأرض ولا الوعد بالأرض، وإنما في أمر أهم من ذلك بكثير، إنه أمر إحياء الموتى؛ فإبراهيم صاحب الرشد كثير الأسئلة في موضوع الاعتقاد، كانت له مشاكل كثيرة مع أبيه وقومه وملكه أدت به إلى أن كاد يفقد حياته في النار لولا أن الله نجاه منها؛ فالحياة بعد الموت لغز محير، وهو يريد معرفة بعض أسراره، ولذلك سأل ربه: رب أرني كيف تحيي الموتى؟، فهو لا يريد الخبر فقط، وإنما يريد أن يرى كذلك، فكان الردّ الإلهي عن سبب هذا السؤال: هل بسبب عدم الإيمان؟ أو النقص في الإيمان أم ماذا؟ فكان الجواب الإبراهيمي أنه الرغبة في الزيادة في الإيمان والاطمئنان: قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي؛ وهنا يأتي الجواب الإلهي دعوة إلى العمل التجريبي في أبسط مفرداته، خذ أربعة من الطير، فصرهن إليك، واجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سعيا، واعلم أن الله عزيزحكيم، وحتى يقوم بهذه العمليات على بساطتها، فعليه أن يصعد إلى جبال متعددة ليجعل على كل واحد منها جزءا من الطير، يصعد وينزل واحدا بعد واحد، حتى يوزع كل الأجزاء، ثم يأتي ليدعوها فتأتيه سعيا إليه بإذن الله، وهي تجربة مهمة تجعل إبراهيم يدرك القدرة الإلهية على بعث الحياة في قطع ميتة يبعد بعضها عن بعض بأميال عديدة، فتحيى وتطير.
إن آية إبراهيم كما تلاها علينا القرآن الكريم تصدق ما جاء في الكتاب المقدس في شأنها، ولكنها في نفس الوقت تبين ما أراد المنكرون للبعث أو الحساب أو اليوم الآخر كتمانه، وتبين ما ألبسوا فيه الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون لأنه لا يتماشى مع عنصريتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن الرجوع إلى النصين السابقين ومقارنتهما بالنص القرآني ليكشف لنا أن البعد الغيبي وخصوصا الآخرة فيه قد حاول المنكرون له كتمانه، ووضع مفاهيم أخرى محله ونسبتها إلى الله عز وجل، ولكن البحث والدراسة والمقارنة تبين كل محاولات التزوير والتحريف الفاشلة، كما تكشف الأخطاء التي يقع فيها الكتاب والرواة، والإضافات التي يضعها النساخ أو الشراح والمفسرون وغيرهم، عن قصد أو عن خطإ، وبالمقارنة نستطيع معرفة العوامل الإنسانية المؤثرة في تدوين النصوص وترجمتها وتوثيقها وغير ذلك.
كما أن هذه المقارنة تجيب على سؤال محوري لم يجد بعد الإجابة الوافية عليه، وهو قولهم إن القرآن الكريم قد أخذ من كتب اليهود والنصارى القانونية والأبوكريفا وصاغها بلسان عربي؟ والصحيح أن للقرآن الكريم قراءة جديدة عميقة لما جاء في الكتب المقدسة يصدق الحق الموجود فيها ويؤكده، ويبين الدخيل المرتبط بالأحوال الخاصة للناس في الأزمنة المختلفة ويرده إلى قائليه؛ نفس الأمر يمكن تطبيقه على البعث واليوم الآخر في الكتب المقدسة، فهو أصيل جاء به الأنبياء جميعا، وهو منصوص عليه بكثرة ودقة في كل الكتب المقدسة، وكان كل نبي يعيد له الاعتبار بعد أن يكون الناس قد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وتركوه ، ولم يظهر في زمن معين متأخر كما ذكره لنا الدارسون الذين يقرأون الكتب في ترتيبها التاريخي، منطلقين من فرضية أن الوحي والدين نتاج اجتماعي يعبر على تطور الفكر البشري؛ وإنما هناك أسس خالدة أوحى الله بها إلى رسله جميعا، وهناك فهم وفكر وعلم ومعرفة تتطور عبر الزمان، ولا يفترض أن هذه الأسس الخالدة قد اكتشفها العقل البشري في تاريخ الإنسان ولم يوح بها الله في كتب الأديان.
2 التوحيد والشرك:
ونتناوله من خلال قصة إبراهيم مع أبيه وقومه في هدم مذبح البعل وبناء بيت الله.
رغم محاولة الإخفاء البينة لموضوع التوحيد والشرك الذي تمثله قصة إبراهيم مع أبيه قبل الهجرة، في النصوص القانونية، إلا أن سفر يشوع بين لنا بما لا يقبل المراء أن إبراهيم قد ترك أباه وقومه وذهب إلى الأرض المباركة للعالمين هروبا من شركهم ونجاة من كيدهم؛ وهو ما سنتعرض له في هذه الفقرة الثانية من المبحث الأول.
لقد أفردت لنا أكثر الأسفار غير القانونية المتحدثة عن قصة إبراهيم مجالا للحديث عن علاقته بأبيه وقومه المشركين تماما مثل ما فعل القرآن الكريم، خلافا للنص الحاخامي القانوني، الذي غلب عليه الطابع المذهبي العنصري، الذي اهتم كثيرا بالعهد الأرض واستعادة الملك ووراثة النسل الإسرائيلي له من دون العالمين؛ فغُيّب الحديث عن موضوع البعث وموضوع التوحيد والشرك الذي أفاضت فيه نصوص القصة الإبراهيمية في المصادر الأخرى كما سنراه.
جاء في "رؤيا أبراهام" حديث مهم عن مجادلة إبراهيم لأبيه في أمر الأصنام والمعبودات من دون الله؛ فبعد أن بيّن إبراهيم تفاهة الآلهة المنحوتة والمصنوعة من الحجر والخشب عندما انكسرت واحترقت، انتقل لبيان تفاهة المعبودات من جميع المخلوقات أمام الله، فقال:
"وقلت: النار أكثر جدارة بأن تعبد من الأصنام، لأن ما لا يخضع يخضع لها، وهي تسخر مما يهلك بلا عذاب في نيرانها. ولكن حتى هذه الأخيرة فإنني لا أسميها إلها لأنها تخضع للماء. فأكثر جدارة بالعبادة هي المياه، لأنها تنتصر على النار وتغذي الأرض. لكنها هي أيضا لن أسميها إلها لأنها برشحها تحت الأرض فإنها تخضع لها. فأدعو الأرض أكثر جدارة بالعبادة لأنها تنتصر على طبيعة المياه وحجمها. لكنها هي أيضا لن أسميها إلها، لأنها هي أيضا تجف بالشمس وتخضع لعمل الإنسان. فأكثر من الأرض أدعو الشمس أكثر جدارة بالعبادة، لأنها تنير بأشعتها العالم ومختلف الأجواء. ولكن هذه الأخيرة لن أضعها بين الآلهة، لأن سيرها يعتم في الليل بواسطة السحب. وكذلك لن أسمي القمر إلها ولا النجوم، لأنها هي أيضا تعتم نورها في وقتها في الليل." [16]
وبعد هذا التقليب للنظر في مظاهر الطبيعة المختلفة، وجه إبراهيم وجهه وفكره وفكر أبيه ومعاصريه إلى الله رب كل شيء، قال: "فاسمع يا تراخ، يا أبي، سأفتش أمامك عن الإله الذي خلق الأشياء كلها وليس عن الآلهة التي نخترعها نحن:
"فمن هو إذن، أو ما هو الذي حمر السماوات، والذي ذهب الشمس، الذي أعطى النور للقمر ومعه للنجوم، من الذي جفف الأرض مع وجود المياه الكثيرة، ومن الذي أقامك أنت نفسك بين البشر؟ هل يمكن لله أن يكشف نفسه بنفسه لنا؟"[17]
نجد مثل هذا النص في أدبيات يهودية كثيرة كلها تتحدث عن الرشد الإبراهيمي والمواجهة التي كانت بين إبراهيم وبين أبيه وقومه وملكه في أمر المنحوتات والمصنوعات والمعبودات من دون الله، نكتفي بما أوردناه في الدلالة عليها.
نفس الأمر نجده في التلاوة القرآنية الجديدة التي تصدق ما بين يديها من الكتاب وتعيد الاعتبار للمعاني المخفية أو المهمشة التي كتمتها المذاهب والفرق والاتجاهات المختلفة لأسباب مختلفة؛ قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)[18]
إنه نفس الخطاب الديني الذي حاول فريق من أهل الكتاب إخفاءه خلف أهداف أرضية وعنصرية لا علاقة لها بدين الله الذي أنزله في كتابه؛ وجاء القرآن بالنور المبين الذي يبين ما يخفون من الكتاب ويعفو عن كثير.
وهذا كتاب الخمسينيات يحدثنا عن الجدل بين إبراهيم وأبيه وقومه في نفس الموضوع، قال:
"وبدأ الولد يفهم ضلال الأرض. (فعرف) أن كل شيء كان يضل باتباع الصور المنحوتة والنجاسة. وعلمه والده الكتابة، (عندما كان) عمره أسبوعين من السماوات. وترك أباه لكي لا يعبد الأصنام معه، وبدأ يصلي لخالق كل شيء، لكي ينقذه من ضلال البشر، ولكي لا يكون نصيبه الذي تؤدي إليه النجاسة والدناءة."[19]
ولنستمع إلى إبراهيم وهو يحاور أباه في سفر الخمسينات، يقول: "أبي" فأجاب هذا الأخير: "ها أنذا يا بني." فقال (أبرام): "أية مساعدة وأية فائدة لنا من هذه الأصنام التي تعبدها وتسجد أمامها. ليس فيها ثمة أي نفس: إنها (صور) صماء، وضلال للروح. لا تعبدها، بل اعبد إله السماء الذي ينزل المطر والندى على الأرض، والذي ينتج كل شيء على الأرض، والذي خلق كل شيء بكلمته والذي منه تصدر كل حياة. لماذا تعبدون هذه الاشياء التي ليس لها نفس؟ إنها مصنوعة بأيدي (الإنسان). إنكم تحملونها بأنفسكم على أكتافكم، إنما لا يتأتى منها أية مساعدة لكم، وفقط خجل كبير للذين يصنعونها وضلال للروح بالنسبة للذين يعبدونها. فلا تعبدوها." [20]
نفس الخطاب الديني الوارد في هذه الأسفار هو الذي أعاد القرآن الكريم تلاوته علينا مؤكدا الحقيقة الواحدة التي جاءت بها جميع الأديان: توحيد الله وعدم الشرك به، وتأسيس الملة الإبراهيمية الحنيفة على يد أبينا إبراهيم؛ قال تعالى، وقد كرر مثل هذا الكلام بأساليب مختلفة، في غير ما موضع من القرآن الكريم: " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(87) [21]
وقال عز وجل في نفس الموضوع: " وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) [22]
ينذر إبراهيم نفسه لمجاهدة الشرك والدعوة إلى التوحيد إلى أن يضيق أبوه وقومه به ذرعا بعد أن سفه أحلامهم وبخس أصنامهم؛ وتحدثنا أسفار متعددة عن الموقف الذي اتخذه قومه اتجاهه، نذكر منه ما ورد في كتاب الخمسينيات في مناسبة هجرة إبراهيم، حيث نسمعه يقول في صلاته: "إلهي أيها العلي إلهي، أنت وحدك إلهي. أنت من خلق الأشياء كلها، وكل ما هو موجود هو من صنع يديك.إنك أنت، (إنها) ألوهتك التي اخترتها. أنقذني من ضر الأرواح الشريرة التي تحكم أفكار القلب البشري فلا تضل هذه الأفكار بعيدا عنك يا إلهي. ثبتني، أنت نفسك، أنا وذريتي إلى الأبد، فلا نضل منذ الآن وإلى الأبد. إنني أتساءل إذا كنت سأعود إلى أور إلى عند الكلدانيين
تاريخ النشر : 08-11-2010
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.