آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الفكر السياسي  .  الإسلام السياسي

التراث السياسي    |    الدين و الدولة    |    الحقوق و الحريات

  •     

هل تتحول العدالة والتنمية .. إلى أيديولوجيا حزبية؟

عبد الرحمن حللي


كان من الطبيعي أن يؤول الاستبداد والفساد والقمع الذي ساد العالم العربي لعقود إلى ردود أفعال تطورت لتصبح ثورات آلت إلى تغيير أنظمة متجذرة أمنياً ومدرعة عسكرياً، وإن بدت الثورة انفعالاً لا يتذكر الناس منها إلا القطرة التي ملأت الكأس، فإنها في عمقها تطور طبيعي لأسباب موضوعية صنعت التغيير، وعدم ملاحظة هذه الأسباب يؤثر في الوصول إلى الغاية التي من أجلها قامت الثورات، فالنظر إلى الثورة على أنها انفعال أو ردة فعل لن يصنع التغيير الذي ينشده الناس بنفس السرعة والآلية التي انطلقت منها، فمن الطبيعي أن تفشل أي جهة تتبوأ لتجسيد البشائر التي حلم بها الثوار، فما ينتظره المجتمع بعد عقود من اليأس لا يمكن تحقيقه إلا بجهود المجتمع نفسه ومشاركته. وسيكون الفشل مضاعفاً إذا اختزلت طموحات المجتمع لتنحصر في طموحات نخبة تتولى الحكم أو تقود ثورة المجتمع، تلك الثورات التي تنازعت الأحزاب ملكيتها وسعت إلى تأميمها باسم فئة منه ترى المجتمع من خلالها وتسوسه من منظورها، فتحولت المبادئ الجامعة للثورات (الحرية - العدالة -الكرامة-...) والتي أصبحت بمثابة (أيديولوجيا) مجتمعية تجمع الناس إلى (أيديوجيات) أخرى ربما ساهمت في أن تكون وقوداً للثورات لكنها أدت إلى إحراقها أو حرف مسارها وتفريق المجتمع. " الحرية- الكرامة- العدالة – التنمية - البناء .."، شعارات ثارت الشعوب من أجلها، وهي نفسها شعارات رفعتها الحركات الإسلامية وجعلتها عنواناً لأحزابها التي خاضت بها الانتخابات ونافست خصومها السياسيين على أساسها، وهي عناوين إن دلت على شيء فإنما تدل على وعي مهم من هذه الحركات بحاجات المجتمع وأولوياته، وأهم ما يمكن تحقيقه من مقاصد الإسلام في حراكها السياسي، لقد كانت التجربة التركية ملهمة من الناحية العملية بنجاحها في سياقها، وهذا النجاح هو الذي قاد الحزب التركي إلى الاستمرار في التفوق على خصومه في أكثر من ميدان، بل يمكن القول لولا النجاح في "بلدية اسطنبول" قديماً لما كان النجاح مستمراً في رئاسة الحكومة والجمهورية والبرلمان إلى اليوم، وكان لنجاح "العدالة والتنمية" التركي الدور الأهم في تغيير الصورة النمطية عن الإسلاميين، وكذلك في بث الوعي لدى الإسلاميين في أهمية التحول من الشعارات والقضايا الخلافية إلى أولوية برامج العمل وتحقيق ما هو متفق عليه مجتمعياً. لقد أظهر الإسلاميون في بدايات الربيع العربي تحولاً نوعياً في الشعارات التي رفعوها، والتي تدل على الحرص على برامج العمل والتخطيط والتنمية، وهذا تحول له أهميته التاريخية بحد ذاته، وهو بداية مسار جديد من التحدي يخوضه الحراك السياسي في العالم العربي، لكن التجربة القصيرة لم تبشر بترجمة الشعارات على أرض الواقع، فتحول التنافس السياسي إلى تنافس "أيديولوجي"، وإذا تفاقم الصراع الأيديولوجي في أروقة الحكم فذلك سيعني بالضرورة تضاؤل فرص نجاح المشاريع العملية، هذا في حال افتراض عدم قيام ثورة مضادة، فكيف إذا كانت محكمة ابتداء. إن العدالة والحرية والتنمية والبناء أولويات تتطلع إليها جميع الشعوب العربية، ومشتركات لا تختلف فيها الاتجاهات الفكرية التي ترجع إليها الأحزاب السياسية، لكن الغريب أنها لم تتحول إلى جامع يؤسس لأحزاب جديدة تضم منتمين إلى مختلف الاتجاهات الفكرية بما فيها الإسلامية، بمعنى آخر لم ترتق هذه الشعارات لتصبح (أيديولوجية) حزبية جديدة تمكِّن أصحابها من ترجمتها بالفعل، فظلت شعارات ومشاريع حزبية لا تتجاوز القنطرة الضيقة لعقيدة الحزب، رغم تضمينها في أسماء الأحزاب. هذه النقد لا يعني مصادرة الحق في التحزب وفق مبادئ وقيم تراها أية مجموعة من المواطنين، إنما الذي ينبغي التنبه إليه أن عناوين الأحزاب ينبغي أن تكون هي المعبر المباشر عن مكوناتها وأولوياتها، والنجاح بأسمائها لا يعني نجاح أصحابها وانتماءاتهم، إن الإسلامية في الأحزاب إنما تتحقق أكثر بالوفاء لهذه الشعارات فكراً وممارسة، فقيم العدل والحرية والعمل قيم إسلامية عملية، وهي كفيلة بجمع كثير من المسلمين وإن كانوا غير إسلاميين، وكذا غير المسلمين أيضاً، فإذا كانت هناك جدية في جعل هذه الشعارات أولوية فعلية في العمل السياسي والمجتمعي فينبغي أن تتحول إلى أيديولوجية (إسلامية) حزبيه حقيقية تجذب إليها كل الخبراء والكفاءات وتنفي عنها كل متسلق وراغب بتحقيق أمر آخر وراء هذه الشعارات، فأولوية الدول العربية أن ترتقي نخب المجتمع وكفاءاته من تياراته الفكرية المختلفة لتشترك معاً في أحزاب جديدة تكون أيديولجيتها قضايا تجمع تلك النخب ولا يختلف عليها المجتمع، وتتكاثف الجهود لإنجاح هذه الأولويات، عندها سيكون هناك متسع للأحزاب الأخرى للتنافس في أولوياتها الأخرى. هذه الأولوية لا تلغي وجود تلازم بين البرامج التنموية والرؤى الفكرية للأحزاب السياسية، وبالتالي وجود عوائق تمنع توافق أكثر من تيار فكري على مشروع واحد، لكن هذا العائق مما يمكن تجاوزه والتغلب عليه نظراً لكون الخلاف في البرامج التنموية يرجع في الغالب إلى أبعاد عملية ودراسة الجدوى والمصلحة، والتي يكون الحكم عليها متصلاً بالأثر العملي، ثم إن مرجعية الحكم على برامج التنمية تحكمها قيود وضوابط توافقية ومنظومة مجتمعية وقانونية لا يمكن للرؤى الحزبية الضيقة أن تصادرها، وستفقد الرؤية المدنية للأحزاب الإسلامية مصداقيتها إن عجزت عن التوافق والانخراط في مشاريع وطنية من شأنها تحقيق أولويات الشعوب العربية في العدالة والكرامة والحرية والتنمية، ولن يتأتى لتلك الأحزاب أن تحقق هذه الطموحات الشعبية بمفردها أو برؤيتها الضيقة، وهي تتحمل مع الأحزاب الحاكمة مسؤولية تاريخية في المراحل الانتقالية في العالم العربي، والمسؤولية الأخطر تلك التي تبوء بإثمها معارضات لم تتحول إلى مؤسسات وتدعي النطق باسم شعب لم تحكمه بعد.
تاريخ النشر : 06-11-2015

6378 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com