آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  العقيدة و الكلام

دراسات قرآنية    |    دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول

  •     

مقالة تصويب المجتهدين: إسهام في تاريخ الأفكار

معتز الخطيب


خصَّص علماء أصول الفقه بابًا للحديث عن الاجتهاد وأحكامه، درَجوا خلاله على بحث مسألة حُكم الاجتهاد والموقفِ من اختلافات المجتهدين، وهل كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ؟ أم أن المصيب واحدٌ والباقون مخطئون؟ عُرفت هذه المسألة بمسألة "التصويب والتخطئة"، ومَن ذهبوا إلى التصويب سُمُّوا بالمصوّبة، على حين سُمي مَن ذهب إلى أن الحق في جهة واحدة مُخَطِّئة، وقد حَظيت هذه المسألة باهتمام كبير؛ لم يقتصر على كتب الأصول فقط، ولذلك وصفها الإمام السبكي بأنها مسألة "عظيمة الخطب"(1)، وقال عنها الإمام أبو بكر بن العربي: "هي نازلة في الخلاف عظيمة"(2).

تحاول هذه الدراسة التدقيق في نشأة تلك المقالة وتَطَوُّرها تاريخيًّا، وتفسّر كيف ظهرت، وفي أي سياقات برزت الحاجة إليها، وكيف لقيت ممانعةً قوية, ولم تلق القبول إلا في حدود ضيقة مع تعديلات جوهرية على حدود المقالة وإمكانات توظيفها، ثم كيف تم إدماجها في صلب علم أصول الفقه، ومن ثم انبنى عليها مسائل فقهية، وأسهمت في ترشيد الاجتهاد الفقهي وإرساء أصول نظرية للخلاف وشرعنة القبول به، وضَبْط أسسه ومجالاته.


أولاً: أصل المقالة ومُفادها

مقالة التصويب تَرجع - في أصل نشأتها - إلى العَنْبَرِيّ الذي "كان يقول: إن القرآن يدل على الاختلاف؛ فالقول بالقَدَر صحيح, وله أصل في الكتاب، والقول بالإجبار صحيح, وله أصل في الكتاب. ومن قال بهذا فهو مصيب, ومن قال بهذا فهو مصيب؛ لأن الآية الواحدة ربما دلت على وجهين مختلفين, واحتملت معنيين متضادين.

وسئل يومًا عن أهل القدر وأهل الإجبار فقال: كلٌّ مصيبٌ، هؤلاء قوم عَظّموا الله، وهؤلاء قومٌ نزَّهوا الله. 

قال: وكذلك القول في الأسماء؛ فكل من سمى الزاني مؤمنًا فقد أصاب، ومن سماه كافرًا فقد أصاب، ومن قال: هو فاسق وليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب، ومن قال: هو منافق ليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب، ومن قال: هو كافر وليس بمشرك فقد أصاب، ومن قال: هو كافر مشرك فقد أصاب؛ لأن القرآن قد دل على كل هذه المعاني.
قال: وكذلك السنن المختلفة، كالقول بالقُرعة وخلافه، والقول بالسعاية وخلافه، والقول بقتل المؤمن بالكافر وعدم قتله بكافر، وبأي ذلك أخذ الفقيه فهو مصيب.
قال: ولو قال قائل: إن القاتل في النار كان مصيبًا، ولو قال: هو في الجنة كان مصيبًا، ولو وقف فيه وأرجأ أمره كان مصيبًا؛ إذ كان إنما يريد بقوله أن الله تعالى تَعَبّده بذلك وليس عليه علمُ المغيب.
وكان يقول في قتال عليٍّ لطلحة والزبير وقتالهما له: إن ذلك كله طاعة لله تعالى"(3). 


ثانيًا: العنبريُّ.. شخصيته وأفكاره 

والعنبريُّ هو عُبَيْدُ اللَّه بنُ الحسَنِ بنِ الْحُصَيْنِ، التَّمِيمِيُّ، الْعَنْبَرِيُّ، قَاضِي البَصْرَةِ وَخَطِيبُهَا(4)؛ ولا نعرف له كتابًا، والنص السابق إنما هو حكايةٌ عنه، نَقَلها ابن قتيبة (276هـ)، وعنه آخرون(5)، وحكى تلك المقولةَ عنه أهلُ الأصول، ولم يَعزُها واحدٌ منهم إلى كتابٍ، وقد جهدتُ جهدي في تصفح كتب التراجم والطبقات لأقف على إسنادٍ لتلك المقالة فلم أَظفَر، كما أنني طَوَّفْتُ في ترجمة العنبري لأقف على حقيقة مذهبه ومعرفة شخصيته؛ لعل ذلك يُمكّننا من الوقوف على بواعث تلك الفكرة ونشأتها وروافدها. 
وبما أن ابن قتيبة أقدمُ مَن أتى على ذِكْر العنبريّ، فلا بد من التدقيق في السياق الذي وضعه فيه، فهو قد ذكره ضمن تَدَبُّره لـ"مقالة أهل الكلام"، وساق أسماءهم فكان منهم: أبو الهُذَيل العلَّاف (235هـ) والنظَّام (231هـ) وعُبيد الله بن الحسن (168هـ)، ثم ذكر مقالات النظّام وفنّدها، ثم مقالات العلّاف وفنّدها، ثم جاء على ذِكر عبيد الله بن الحسن(6). وهذا السياقُ وطريقةُ ابن قتيبة في مناقشة مقالات هؤلاء، كلُّ ذلك يُفهِمُ أن العنبري لصيقٌ بالمرجئة؛ إنْ لم يكن واحدًا منهم، لأنّ مقالته شبيهةٌ بمقالتهم وإن لم ينسبْهُ أحدٌ إليهم. 
وبالتدقيق في مقالة العنبري ونَقَلَتِها لم أجدهم يعزون ذلك إلى ابن قتيبة، اللهم إلا الشاطبي الذي صرّح بنقله عنه، ولكن أغلب الظن أن الآخرين أيضًا عنه نقلوا، ومن الغريب اللافت أننا لا نعثر في ترجمة العنبري من كتب الرجال على حكاية لتلك المقالة، باستثناء كتاب "تهذيب التهذيب".
ومقالة العنبريّ التي تصوّب كل المجتهدين من شأنها أن تعكر علينا فهم انتمائه أو انتسابه إلى واحدة من تلك الفرق؛ إذ الكلُّ مصيبٌ، ولكن ابن قتيبة كان صريحًا وواضحًا حين ذكره في طائفة أهل الكلام، وختم الكلام عليه بقوله: "وهو رجلٌ من أهل الكلام والقياس وأهلِ النظر"(7)، ومما يُشْكل في نصّ ابن قتيبة عبارةٌ تقول: "ثم نصير إلى عبيد الله بن الحسن, وقد كان وَلِيَ قضاء البصرة فَتَهَجَّم -من قبيح مذاهبه وشدة تناقض قوله- على ما هو أولى بأن يكون تناقضًا مما أنكروه"؛ أي مما أنكره هؤلاء المتكلمون، وقد اختلفت نسخُ كتاب "تأويل الحديث"في كلمة "فتهجم"، ففي بعضها "فنهج"، وفي بعضها "فتجهّم"(8), ولعل هذه الكلمة الأخيرة أوهمت بعضَ الباحثين أن العنبري كان من الجهمية، ولم نجد أي إشارةٍ تفيد ذلك.

لكن هل كان العنبري من المتكلمين - وخاصة المرجئة أو المعتزلة - كما يُفيده كلامُ ابن قتيبة؟ 

الدراسة كاملة نشرت في مجلة "التفاهم" -  العدد الثاني والثلاثون لسنة 1432هـ / 2011 م

 انظرها في المرفقالعدد الثاني نة 1432هـ / 2011 م



تاريخ النشر : 24-12-2015

   مقالة تصويب المجتهدين- معتز الخطيب.pdf

6199 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com