لقد انطلق كل من الكواكبي ومالك بن نبي في تصورهما من معطيات مشتركة يؤمن كل منهما بها، فكانا يعتبران الخلافة كنظام سياسي للعالم الإسلامي غير مجد في ظل التحولات العالمية التي عصفت بالعالم الإسلامي بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، مع فارق أن الكواكبي كان يدرك ذلك قبل سقوط الخلافة بربع قرن بينما مالك بن نبي قد عايش سقوط الخلافة وقدم تصوره بعد أكثر من ربع قرن من سقوطها، كما كانا يعتبران الإسلام هو الرابطة الوحيدة التي تجمع العالم الإسلامي وأنه رابطة روحية رمزية وليس سلطة سياسية مركزية تحكم أجزاء العالم، وكانا يقران بحتمية استقلال أقطار العالم الإسلامي بحكم ذاتي وارتباطها الرمزي بمركز إسلامي ينسق بين الأقطار، واعتبرا الشعوب الإسلامية هي البديل عن الحكومات في الرابطة المقترحة للعالم الإسلامي، وكان كلاهما يعتبر مفهوم الأمة في الرابطة بين المسلمين بغض النظر عن انتمائهم إلى دول إسلامية أو غيرها، لذلك اعتبرا أن هناك عالماً إسلامياً أوربياً.
واقتبس كل منهما شكل الرابطة الجديدة من العالم الغربي، الألماني والأمريكي (عند الكواكبي) والبريطاني (عند مالك بن نبي)، وكلاهما كان واعياً بتباين وضع العالم الإسلامي عن الغربي، فكان اقتباسهما ليس تقليداً إنما استثمار لأصل الفكرة، كما كان لكل من الكواكبي ومالك بن نبي موقف من الحضارة الغربية غير حاد مع الإيمان بضرورة الندية منها والمنافسة لها، لكن مالك بن نبي كان أكثر استيعاباً لها واطلاعاً على فلسفتها ومعارفها.
بالمقابل كان هناك اختلاف بين المشروعين، فبينما كان الكواكبي يتصور جاهزية مشروعه للتنفيذ، كان مالك بن نبي يعتبر مشروعه من عالم الأفكار ويحتاج لمراكز أبحاث كي يتم تجسيده على أرض الواقع، كما كان الكواكبي يصر على شخص الخليفة ورمزيته وعلى مركزية مكة، بينما استبدل مالك بن نبي شخص الخليفة بفكرة هي الإسلام والرابطة الروحية، أما المركز فكان يعتبره متوقفاً على دراسة تحدد المنطقة القاعدية التي تربط عوالم الإسلام، فتصور الكواكبي للمركز له بعد ديني بينما مالك بن نبي يرجعه إلى بعد عملي ووظيفي، أما وظيفة مقترح الكواكبي فكانت نهضوية شاملة تركز بالخصوص على التعليم والتنسيق السياسي، بينما وظيفة مشروع مالك بن نبي نفسية بالدرجة الأولى تركز على دور المسلم في العالم ووعيه بمشاكله بما يهيئه لحل مشكلاته الحضارية، ويركز على الاقتصاد والمصالح المشتركة أكثر.
هذا وبطبيعة الحال ثمة اختلاف في طريقة تعبير كل منهما عن مشروعه والمفاهيم التي استخدمها لكن ذلك يرجع إلى طبيعة تكوين كل منهما وثقافته، ولئن قدم كل منهما رؤيته للعالم بما يعكس وعيه الزمني بتحولاته، مع بناء ذلك على مقدمات كلٍ الدينية والفلسفية، فإن تصور الكواكبي يعتبر متقدماً من حيث معطيات زمانه، بينما يتميز تصور مالك بن نبي بعمق بعده الحضاري والأدوات المعرفية التي قدمه بها، إضافة إلى تفرده بهذا المشروع في إطار الخطاب الإسلامي الذي ساد معظم القرن العشرين حول الوحدة الإسلامية.
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.