تتناول هذه الدراسة بالتحليل والنقد رؤية العلامة التونسي المرحوم الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور (ابن المفسر المشهور الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور)، لتاريخ علم التفسير والمراحل التي مر بها، مع استخراج المنطلقات التي يستند إليها، وتسجيل بعض الملاحظات النقدية التي يمكن تسجيلها على رؤى الشيخ الفاضل في هذا المجال، ويعتمد التحليل على كتابه في هذا المجال "التفسير ورجاله" وينتظم البحث ضمن المحاور الآتية:
تمهيد: عين على العِلم وعين على العلَم
أولاً-المنطلقات العلمية: أفكار تأسيسية في مسار علم التفسير
ثانياً- المحطات التاريخية: المراحل التي مر بها تفسير القرآن منذ عهد التدوين
ثالثاً-المراجعات العلمية: رؤى نقدية في "التفسير ورجاله"
ولئن أرَّخ العلامة الفاضل ابن عاشور لتاريخ علم التفسير، وسجل المحطات المهمة لمسيرة هذا العلم تاريخياً وحضارياً، ضمن كتابه "التفسير ورجاله"، فإن كتابه على صغر حجمه يعتبر محطة مهمة في التأريخ لهذا العلم، بل يمكن اعتباره المؤسس للدرس النقدي لمناهج المفسرين، إذ قدم من خلاله نموذجاً في قراءة تاريخ العلوم والعوامل المؤثرة في تطورها، فالتفسير كما يقدمه الفاضل لا ينفصل في حركته التاريخية عن الأنساق المعرفية التي مرت بها الحضارة الإسلامية، بل والظروف السياسية التي تركت أثرها في الحراك العلمي سلباً أو إيجاباً، كما لا ينفصل عن الأبعاد الاجتماعية التي تفرض على المفسر مراعاة بعض الجوانب منها، لانسياق المفسر فيها أو لصعوبة تجاوزها.
وإذ يقرأ الفاضل ابن عاشور مسيرة علم التفسير فإنما يسلط بقراءته مجهراً يكشف مساحة أوسع بكثير من علم التفسير، تمتد إلى المنطقة الجغرافية التي يتناولها في كل مرحلة وخصائصها العلمية وأدوارها الحضارية، كما تكشف عن الجوانب الشكلية التي فرضت نفسها في صياغة المعرفة وتعليمها، وتاريخ تلك المنهجيات.
هذه الجوانب في كتاب "التفسير ورجاله" تفتح أفقاً للباحثين لرصد وتأريخ مختلف العلوم الإسلامية وفق هذه المنهجية النقدية، وقد كان للعلامة الفاضل مقاربات أخرى في مجال علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة، ولعله في هذا المجال كان يحمل بذور مشروع قراءة حضارية لحركة العلوم الإسلامية لم يسمح قصر أجله بإتمامه، ولا تستغرب هذه الرؤية لدى الشيخ الفاضل وقد تربى في بيت الشيخ الطاهر، والذي كانت له رؤية مهمة في تاريخ العلوم ومساراتها، فتكون مقاربة "التفسير ورجاله" من هذه الزاوية إسهاماً مهماً ولبنة أساسية تضاف إلى ما طرحه والده من رؤى في هذا المجال.
تاريخ النشر : 01-05-2016
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.