آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  الإسلام و الغرب

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الدين    |    فلسفة الأخلاق    |    قضايا فلسفية    |    المرأة و النسوية

  •     

تاريخية تفوق الغرب وراهنية الاستئناف

زهير الخويلدي


" يستطيع المرء ،على أي حال، أن يقول، من أجل أن يكون مفارقا بعض الشيء، أن أحد مشكلات الإسلام اليوم تعود بالتحديد إلى واقع أن السياسة ليست مقدسة"1[1] قلما وجد محور أساسي خضع للجدل والمناقشة مثل الإسلام من جهة المعتقد والإيمان والرسالة والدين وكذلك في مستوى الثقافة والتراث والسياسة والتاريخ الاجتماعي للمسلمين. فالهجومات الإيديولوجية التي أثيرت حول العلاقة القائمة والممكنة بين الطرفين غير قليلة ومن مشارب متعددة وموجات الإنكار والذم بينهما لا تحصى ولا تعد فقد تجاوزت مستوى ادعاء التفوق والريادة إلى ممارسة الهيمنة والاستيلاء. بيد أن الحوار الأكثر صخبا هو ذاك الذي انعقد بين الإسلام والغرب وتشكل مع الحضارة التي ارتكزت على الإغريق والرومان مع الاعتماد على اليهودية والمسيحية في نسخة دنيوية معلمنة وتناسي إسهامات المشرقيين في نحت ملامح الكونية وإجحاف في حق الإسلام وغظ الطرف عن دور المسلمين في الحداثة. ما يمكن ملاحظته هو وجود تداخل كبير وتشابك متواصل بين الإسلام والغرب منذ القدم إلى حد الساعة وذلك لانتشار الدين الإسلامي والعلوم العربية والثقافة الشرقية داخل الفضاء الجغرافي والسياسي لأوروبا واختراق الثقافة الغربية عن طريق تعدد البعثات التبشيرية والنخب الجامعية والحملات العسكرية والغزو الاقتصادي والاستعمار السياسي والاجتياح الحضاري التي أنتج التبعية والموالاة باسم الأمان والانتداب. لم يتغير هذا المعطى التاريخي كثيرا بعد إحراز أو افتكاك العديد من الدول الشرقية الاستقلال ونهاية الحقبة الكولونيالية وظهور الدولة الوطنية داخل المناطق العربية والإسلامية المحررة وإنما أضحت النقائص والعيوب وحامت الشكوك حول ضياع الاستقلال التام وهشاشة السيادة الوطنية وصلابة الحدود التي وضعها الاستعمار واستحال تحقيق الوحدة بين أبناء الشعب الواحد وتضاربت المصالح والمواقع. لقد تحول الموروث الغربي في الدول الإسلامية والعربية التي استعمرت في السابق إلى عائق كبير يمنعها من التقدم والتنمية ويحول دون تعويلها على ذاتها في بناء مقومات الدولة الحديثة وعصرنة المجتمع المدني. كما أصيبت الدول الغربية بالخوف الشديد من الإسلام والعرب والشرقيين وذلك بسبب عودة الديني بقوة داخل الشباب الحائر في أوروبا وأمريكا الشمالية وتزايد أعداد المهاجرين بطريقة قانونية وغير شرعية وما رافق ذلك من خلل ديموغرافي وتفاوت في مستوى الهرم السكاني وتعاظم أعباء المطالبة بالحقوق. فما هو الإسلام ؟ وما الداعي إلى دراسته في علاقة بالغرب؟ وماهي الحضارة الغربية التي ندرسها؟ وماهو الإسلام من منظور غربي؟ وكيف يتعامل الشرقيون مع القارة العجوز والعالم الجديد؟ لماذا يحلم الناس في ديار العروبة والإسلام والشرق في العموم برغد العيش والجنة الموعودة في مدن الغرب؟ وهل ساهم الدين الإسلامي في التعبئة ضد الحضارة الغربية؟ وبأي معنى تشكلت علاقة توتر وسوء فهم بين العرب والعجم؟ وهل كان لعلم الإستشراق دورا في تشكيل صورة خاطئة عن حضارة العرب والمسلمون؟ ما سبب تخلف المسلمين وتقدم الغرب؟ إلى أي مدى يتحمل الغرب مسؤولية تأخر الشرقيين وانحطاطهم؟ وهل يقدر غير الغربيين على التفكير العقلاني والإبداع التقني والتحضر الإنسي؟ متى تتخلص أوروبا من عقد التفوق الثقافي والتمركز العرقي والاستثناء التاريخي؟ وألا يجب على العرب أن يغيروا المحاور وينتقلوا من زمن الإستشراق إلى تجربة الاستغراب؟ إذا ما أراد المرء معالجة هذه الإشكاليات وفق مقاربة فلسفية تشريحية فحري به أن يقسم المبحث إلى ثلاثة لحظات منطقية: - اللحظة المنطقية الأولى: دراسة نظرة الغرب إلى الإسلام وتبعات ذلك على الوعي الحضاري الخاص بهم وتأثير ذلك على وجودهم في العالم على مستوى أنظمتهم المعرفية والسياسية. - اللحظة المنطقية الثانية: التعرف على بعض المقاربات النقدية للذات من داخل الحضارة الغربية وقدرتها على تشريح الجسد الأوروبي وإبرازها للمزالق والأحكام المسبقة تجاه الثقافة الشرقية. - اللحظة المنطقية الثالثة: التصميم على التمثيل الذاتي التاريخي للأمة بتفادي الصراع بين المتحضر والهمجي والتوقف عن البحث في الأماكن الخاطئة وخوض مواجهة مابعد كولونيالية. ما نضعه على محك النظر وميزان العمل هو تخليص النحن من الفوات الحضاري والتبعية الثقافية للغرب والتعويل على الرأسمال الرمزي للأمة في بناء تجربة ارتقاء ذاتية تكون قادرة على صناعة الكونية. 1- الإسلام من منظور غربي: " لا تستطيع الثورة من حيث هي تنمية إلا أن تكون تواريخ محاكية للثورة في الغرب"2[2] ينظر الغرب إلى العرب على أنهم في وضع يتسم بالاضطراب والفوضى وتغيب عنه السلطة المركزية والنظام والاستقرار ويصورهم بأنهم في حالة تشذرم وانقسام وصراع داخلي وفتن محلية لا تنتهي ولا يمكنهم بالتالي أن يتوحدوا وأن يتفقوا وأن يعول عليهم في فرض السلام العالمي والتبادل الاقتصادي. لقد تعامل الغرب مع ثقافته ومجتمعاته على أنه إمبراطورية العمل والثروة والقوة واحترام القانون ويصنع من نفسه ما يريد ويحقق المعجزات ويقهر المستحيل ويحول المعرفة إلى سلطة ويمنح الحرية والربح والسعادة إلى الجميع وبهذا المعنى تصور نفسه انه بلا نظير في الكون ويقود قاطرة الإنسانية نحو التقدم. ينبني تاريخ التفوق الذي ظل يسكن العقل الغربي تجاه الآخرين على التمثل الذي عبر عنه جمال الدين الأفغاني بأن" أفضل وسيلة بأن نقنع الغربيين بالإسلام هي أن نقنعهم أولا بأننا لسنا مسلمين كما ينبغي". لقد صنع الغرب لنفسه أولوية وتفوق وسيادة بالمقارنة مع الحضارات الأخرى وتمركز على ذاته واعتبر الشعوب والثقافات المودة خارج الفضاء الجغرافي الخاص بمثابة الآخرين والأغيار والغرباء و'البرابرة'. لقد احتكر الغرب العلم والعقلانية لنفسه واعتبر الحكمة التي يحوز عليها هي النموذج الذي يجب الاحتذاء به وأضاف إلى ذلك التجريب والتقنية والرقميات والذكاء الاصطناعي ومجتمع المعرفة وحضارة الآلة. أما العرب فقد تم التعامل معهم بوصفهم حضارة شعر وخيال وتصوف واعتقاد وتقاليد ووقع النظر إليهم على أساس الانفعال والعاطفة والرغبة وبقي العالم يذكرهم بالحقبة التي سبقت الحداثة والتي ترمز للقرون الوسطي والتأخر والتخلف والتبعية والعطالة وذلك لانشدادهم للماضي وتأبيد الحروب الدينية في ديارهم. لقد تم الربط في دائرة الناطقين بلغة الضاد والمنتمين لحضارة اقرأ بين الملة والدين وبين الهوية والعنف ووقع اعتبار الإرهاب والإسلام صنوين ونُظِر إلى المسلم على أنه في خلاف مع العالم ويتبنى دائما نظرة صدامية مع الأديان الأخرى وعُومِل الإسلام على أنه الدين الداعي إلى العنف والقتل والكره بين الشعوب. كما عُدَّ الإسلام أحد المعتقدات غير الناضجة التي تشجع على التعصب والانغلاق والعزلة والانسلاخ واستدل على ذلك بالتسبب بالخلاف والشقاق بين المجموعات والأفراد وغرابة الأفكار وتباعد الرؤى وتكاثر عدد المسلمين الذين يحوزون على أنظمة هوية متنافسة ويبدون خلافات جذرية مع منطق العالم. لقد تعرض الإسلام إلى التصنيف الحضاري والتحريف الحربي وأضيفت إليه رؤية قتالية مصطنعة ووصف المعتنق له بالاندفاع الأخرق والخطر الداهم وتشكلت صورة خاطئة وموجهة عن عوالمه. ما يمكن المراهنة عليه من خلال هذا المبحث ليس فقط تبديد بعض المخاوف والشكوك من الإسلام والمسلمين لدى الدوائر الغربية ورفع حالة الحصار والانعزال والتقوقع المضروبة على الإسلام وإنما تصحيح التصورات الخاطئة عنه وإزالة الفهم المشوه لتعاليمه والإيمان بضرورة الحوار بين الغرب والشرق وبين الإسلام من جهة وبقية الأديان من جهة أخرى وفعالية مشاركة المسلمين في الكونية. ربما الأسباب التي تنبني عليها هذه النظرة المتحاملة هي عديدة ويمكن أن ذكر بعض النقاط منها: فالعرب لم يبرحوا وضع البداوة ولم يصلوا إلى حالة الحضارة وظلوا مجرد أعراب يفضلون البادية على حياة المدينة والتحضر وتفشت عندهم عقلية التآمر والدسيسة والانقلاب والتوريث والتسلط والاستبداد والتغلب. لقد استباح العرب الإمبراطوريات المجاورة لهم بالقوة واستولوا عليها بالسلاح وكونوا مجد إمبراطوريتهم بالاعتماد على البطش والاستيلاء والغلبة وثبتوا العداوة بين الدين الإسلامي والعالم وبين الشرق والغرب. لقد ترتب عن هذه النظرة الإستشراقية استعمار الدول الغربية للعالم العربي والإسلامي وجرى تقسيم دوله الكبرى ومناطقه الإستراتيجية إلى كيانات ضعيفة ودويلات عاجزة ونهب خيراته ونقل ثرواته بالمجان. لقد أدى ذلك إلى ضياع المجد والسؤدد والازدهار وتعاقب المصائب والنكبات على المجتمعات العربية وتكاثرت الحروب المروعة والجرائم الجماعية وتزايدت أعداد اللاجئين والفارين من النزعات الدموية وتمت معاملتهم بوصفهم رهائن الامبريالية وطبقة العبيد الجديدة للدوائر الاستعمارية ووقع تحميلهم كل العنف والشر والإرهاب والتعصب والدموية التي تعصف بالبشرية وتهدد مصير الحضارة على الكوكب. لقد شاع بين المفكرين الترابط الوثيق بين الدين والسياسة بالنسبة إلى الشرقيين وبهذا سقطوا في تفسير القرآن بكونه يخلط بين أمور الدنيا وشؤون الآخرة وبين مجالات الدولة ومجالات المقدس واعتمدوا على المبدأ التفسيري الذي يري بأنه أي كان يمكن أن يقول إي شيء عن القرآن فهو حمال أوج وقابل للتأويل. لقد ترتب عن ذلك القول بأن الإسلام لا يتماشى مع العلمانية والديمقراطية وأن القرآن مسؤول عن العنف الذي يبدو عليه الإسلام والمسلمين والاضطهاد المسلط على المرأة والمكانة الدونية في المجتمع والدولة. كما تم الخلط بين العروبة والإسلام وصار كل مسلم عربيا بالانتماء الديني وكل عربي مسلما بالانتماء اللغوي ووقع استبعاد أهل الملل والطوائف الأخرى من المشاركة في المواطنة وأدرجوا ضمن أهل الذمة. لقد أصاب الخلل السياسية العربية واستوطن الفساد في الأنظمة التابعة لها وتشكلت بنية قمعية في المجتمعات وصارت الشعوب تعيش على الاستهلاك والاستيراد والاقتراض وتحولت الصحراء إلى مكان للتهريب والسمسرة وأضحت الاقتصاديات في تبعية للشركات الأجنبية وباتت الثقافة العربية مخترقة وفقيرة وانقلب ربيع الشعوب التائقة إلى الحرية والكرامة إلى خريف الدول الفارضة للأمن بقوة العسكر. لقد تم التعامل بتهميش وازدراء مع الإسلام الذي تشكل في الغرب من خلال الجالية المسلمة التي قدمت من إفريقيا وآسيا باحثة عن الحياة الكريمة والحرية الإنسانية وتم كذلك الاعتداء على الرأسمال الرمزي للأمة من خلال الجالية الغربية التي استوطنت في البلدان العربية والإسلامية باحثة عن المصلحة والنفوذ. لقد أثر التغريب على الوعي الحضاري للمسلم وظلت الثقافة العربية مجرد أنساق محطمة وجافة وتابعة وتكونت نخب موالية للدول الغربية وتحالفت مع نخبها في عملية جلد الذات والتبشير بالنهايات والعدمية. لقد تبين بالواضح أن أشرس أعداء الإسلام ليس الغرب ونخبه المسيطرة على العلوم والثقافة والعقول فقط بل المسلمين الذين يقدسون الجهل ويتعصبون لدينهم ويحنون إلى الماضي التليد ويريدون استنساخهم ويشوهون الإسلام ويهلكون بلدانهم ويدمرون الحضارة أينما ذهبوا ويقدمون صورة منفرة عن هويتهم الثقافية ويجعلون بقية شعوب العالم تظن أنها هويتهم الحقيقية ويكررون نفس الأخطاء ويلفون في الفراغ. في حين يتسم المسلم الحقيقي بالتسامح ولا يحصر نطاق انتمائه إلى دين معين والإسلام هو دين سلام ويتوقف عن استخدام مصطلحات سياسية في تصنيف المجتمعات ويدعو إلى التعارف والتعاون والتآزر. بهذا المعنى يتضمن الإسلام رؤية تحررية تجمع بين المادية والمثالية وبين الدنيوية والأخروية مفتوحة على التطلعات البشرية وتعترف بالطفرات والتطور وأشكال التجديد التي يحملها التاريخ البشري تكون عامرة بالقيم الإنسانية النبيلة وتتخطى حدود القومية نحو تصور عالمي للحرية وكتبت بلغة كونية للمحبة. " وسط هذا الانتشار الواسع للإسلام الأصولي بفعل تركيز المستشرقين والقوى السياسية الغربية والذي يسمى أحيانا الإسلام السلفي أو الإسلام النصي...يبرز الإسلام المستنير كإسلام مغاير، يدعو إلى الحوار الوطني وبناء الجسور بين التيارات المتنازعة وبدأ الحوار بين الدولة وخصومها بدلا من الاستقطاب..."3[3] لكن كيف وقعت الثقافة لدينا في قبضة نظرية حيلة العقل ومكر التاريخ الهيجلية وصار التفكير ضد العقل الغربي هو تفكير معه ومن أجله؟ وماهي الأسرار الخفية التي حولت الحضارة الغربية إلى أسطورة تروي العبقرية والتفوق وترفق ألوية التحدي والانتصار في معركتها من أجل الأنسنة والأرضنة والعلمنة؟ 2- أسطورة الغرب والخصائص المتناقضة: المقال كاملا في المرفق
تاريخ النشر : 15-05-2017

   تاريخية تفوق الغرب وراهنية الاستئناف.pdf

6158 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com